الأربعاء 2017/02/01

آخر تحديث: 00:27 (بيروت)

الورقة البيضاء.. ومعناها

الأربعاء 2017/02/01
الورقة البيضاء.. ومعناها
ظهر أسلوب التصويت بالأوراق البيضاء في القرن التاسع عشر (Getty)
increase حجم الخط decrease
لطالما تم الخلط بين الورقة البيضاء وغيرها من أساليب الاحتجاج الانتخابي. فبين اعتبارها من الأوراق الملغاة أو احتسابها أصواتاً معترضة، يُساء تصنيف هذه الأصوات.


في واقع الأمر، يشترك التصويت بالورقة البيضاء (أو الملغاة عن قصد) مع المقاطعة الانتخابية الفاعلة في كونهما من أساليب الاحتجاج الانتخابي. لكنّ، لكل منهما رسالته الخاصّة، التي يجب تمييزها. ولكلّ منهما دلالته الخاصّة.

ظهر أسلوب التصويت بالأوراق البيضاء أو الملغاة كشكل اعتراضي في القرن التاسع عشر. فبينما قامت الدول الأوروبية بوضع معايير صارمة لتحديد الأوراق المحتسبة كأصوات "صحيحة"، كان كثيرون يقومون بالتعبير جماعياً عن اعتراضهم على المرشحين عبر كتابة عبارات احتجاجية قاسية على الأوراق الانتخابية.

في دراسة عن انتخابات العام 1881 في فرنسا، وجد باحثان فرنسيان أن نسب الأوراق الملغاة بلغت 20% في بعض المناطق الفرنسية. وقد احتوت هذه الأوراق على إنتقادات لاذعة لجميع السياسيين، كأسلوب اعتراضي على أدائهم وقلّة وفائهم بالوعود التي كانوا يطلقونها أثناء الحملات الانتخابية.

في هذه الدراسة يشدد الباحثان على نوعية الجمل (ويعددانها)، التي وجداها في الأوراق الملغاة، إذ كتبها أشخاص يعتقدون بجدوى التعبير عن أرائهم بالمرشحين، بينما هم لا يشكّكون بنزاهة العملية الانتخابية التي يشاركون فيها. وأظهر الباحثان كيف كانت تتحول هذه الأوراق الملغاة تدريجاً إلى حالة سياسية كبيرة ومنظمة. ومع الوقت، إزدادت شهرة هذه الطريقة لتشمل أغلب البلدان الأوروبية.

تطور هذا الأسلوب حجماً ونوعاً مع الوقت، فبلغ عدد الأصوات البيضاء والملغاة في انتخابات عمدة بوستن، في العام 1975، 10 آلاف صوت، وهو رقم تجاوز الفرق بين المرشحين. وقد عزا كثيرون ذلك إلى فضائح الفساد المستشرية في أجهزة الولاية الرسمية وعدم اقتناع الناخبين بالبدائل. وقد أحدثت هذه الانتخابات ضجة في وسائل الإعلام، وطرحت أسئلة عن ثقة الجمهور بالسياسيين وأثر الفضائح المتتالية على نظرة المواطنين إلى الأشخاص الذين يديرون الشأن العام.

ومن أشهر حالات التصويت الجماعي بالأوراق البيضاء، كانت انتخابات الأرجنتين النيابية في العام 2001، حيث فاق عدد الأصوات البيضاء 21% من إجمالي المقترعين في رد واضح على الركود الإقتصادي الذي شهدته البلاد، وتأكيداً لعدم اقتناع كثير من المقترعين بالأشخاص المرشحين. بينما شهدت عمليات انتخاب حديثة نسباً أعلى، مثل انتخابات كولومبيا الرئاسية، في العام 2014، التي تجاوزت فيها أعداد الأوراق البيضاء 30% من إجمالي الأصوات.

ومع الوقت أخذت هذه الحركة الاعتراضية تشكل مظهراً قانونياً من مظاهر الانتخابات. فبدلاً من اعتبارها أصواتاً ملغاة، بدأت الدول تعتبر الأصوات البيضاء بمثابة امتناع عن اعطاء الثقة بأي من المرشحين. لذلك، أصبح احتساب هذه الأصوات حقاً من حقوق المواطن لإحصاء صوته عند رغبته بالمشاركة في العملية الانتخابية من دون اعطاء صوته لأحد المرشحين. وأصبح لبنان من الدول التي تقوم باحصاء الأصوات البيضاء في دورات الانتخاب النيابية والبلدية على حد سواء.

وتشهد أسبانيا، في الوقت الراهن، حركة منظمة لحماية حق المواطنين باحتساب أصواتهم البيضاء، تحت إسم "حركة المواطنين للصوت الأبيض المحتسب". وتشرح الحركة أن أهدافها تقوم على حماية حق الأسبان بالتصويت بورقة بيضاء عندما لا يلائمهم أي من الخيارات السياسيّة الموجودة.

في جميع هذه الحالات كانت الورقة البيضاء مشاركة عمليّة في الانتخابات، لكنّها شكل من أشكال الاعتراض على المرشحين الموجودين وعدم الاقتناع بجدوى التصويت لأي منهم. فالورقة البيضاء، إذاً، لا تتعدى الاعتراض على الخيارات، ولا تشكّل أسلوب اعتراض في وجه آلية أو قانون الانتخاب، أو الجهة المنظمة له. كما أن الورقة البيضاء كفيلة بالطعن بمؤهّلات المرشّحين الموجودين، لكنّها لا ترقى إلى الطعن بمشروعيّة الانتخابات نفسها.

وهنا نقطة اختلاف الورقة البيضاء عن أسلوب المقاطعة الفاعلة، فالأخير يشمل الاحتجاج على الجهة المنظّمة للانتخابات والقانون المعتمد ومشروعيّة الانتخاب نفسها. لذلك، فإننا نجد أن أسلوب الورقة البيضاء راج بقوّة في الدول الديمقراطيّة التي تحترم أنظمتها حريّة الرأي والشفافيّة والنزاهة الانتخابيّة، بينما كان خيار المقاطعة هو الطاغي في الدول النامية التي أرادت فيها المعارضة الطعن في مشروعيّة الانتخابات نفسها ونزاهتها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها