الجمعة 2017/12/15

آخر تحديث: 11:05 (بيروت)

كمال حمدان لـ"المدن": العونية تشبه الحريرية في المحاصصة

الجمعة 2017/12/15
كمال حمدان لـ"المدن": العونية تشبه الحريرية في المحاصصة
يتجه لبنان إلى انحسار في عملية التبادل والعلاقات الاقتصادية مع السعودية (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease
اهتم الرئيس الراحل رفيق الحريري بتأسيس اقتصاد قائم على الخدمات والمصارف والتجارة وشبكات استثمار خليجية واسعة. وفي ظل الأزمة التي يعيشها لبنان، وما استجد من علاقات متوترة مع بعض الدول الخليجية، لاسيما المملكة العربية السعودية، على ماذا يرتكز الرئيس ميشال عون في التصعيد ضد السعودية؟ هل لدى "العونية" رؤية اقتصادية مختلفة للبنان؟ هل تمتلك "العونية" بعداً اقتصادياً واجتماعياً مختلفاً عن الحريرية السابقة بمعنى اعطاء دور أكبر للدولة في الاقتصاد؟ وهل هناك فرق بين "العونية" و"الحريرية" في الرؤية الاقتصادية؟


في هذه الحلقة الأولى من سلسلة مقابلات عن "الحريرية" و"العونية"، كان لـ"المدن" هذا الحوار مع الباحث الاقتصادي كمال حمدان.

يتجه لبنان إلى انحسار في عملية التبادل والعلاقات الاقتصادية مع السعودية، رغم أن المبادلات بين البلدين لا تتخطى 600 مليون دولار من مجمل التبادل التجاري الكلي للبنان. والسعودية ولبنان لا يستطيعان التخلي عن أسواق بعضهما بين ليلة وضحاها، لكن مستوى التبادل سينخفض. أما بالنسبة إلى تبادل الخدمات السياحية، فقد تراجع أساساً إلى حدود الصفر منذ أكثر من خمس سنوات بسبب الصراعات الاقليمية. وبخصوص اللبنانيين العاملين في السعودية الذين يصل عددهم إلى نحو 250 ألف عامل، علينا أن نكون حذرين كون السعودية لا تستطيع فوراً التخلي عنهم، لاسيما أنهم يحتلون مواقع مهمة ولا يوجد لهم منافسة فعلية، إلا من الأوروبيين والأميركيين. بالتالي، ليس سهلاً على القطاعين الخاص والعام السعوديين استبدال العاملين اللبنانيين بيد عاملة أوروبية. وجل ما يمكن أن يحدث، في أسوأ الأحوال، التضحية ببضعة آلاف كي يحدثوا صدمة للبنان، لكن الترحيل الكامل صعب جداً.

رؤية عون الاقتصادية
حث عون رجال الأعمال اللبنانيين على البحث عن مصادر دخل واستثمارات وتبادل خارج الأطر التقليدية يأتي في سياق الوضع غير المستقر في المنطقة، منذ نحو خمس سنوات، والذي يستدعي البحث عن أسواق جديدة. لكن، خطوة عون هذه مرتبطة أيضاً بمبادرات كثيرة للتيار الوطني الحر حاول تمرريها في ظروف سياسية مختلفة سابقاً. إذ ساهم ببلورة مشاريع عدة، مثل مشروع التقاعد والمخالفات البحرية والمالية العامة. وبشكل عام، لدى التيار جهوداً اصلاحية غير موجودة لدى سواه، ما يجعله متقدماً على الأحزاب الأخرى، رغم أنه جزء من التركيبة الحالية.

يؤخذ على التيار أنه توسّع في المالية العامة، لكنه لم يعمل على وضع رؤية اقتصادية للبلد. وعلى الورق، يملك التيار توجهات برامجية فيها نفس إصلاحي غير أن ترجمتها صعبة على الأرض. فالشروط التفصيلية الموضوعة للتطبيق تحتاج إلى قوى الاجتماعية وتحالفات سياسية يفترض أن تكون مختلفة عن تلك القائمة حالياً. كما أن التفاهمات مع رجال الأعمال ما زالت بطيئة. وفي المحصلة، لم تظهر الخطط الاقتصادية للتيار كمشروع قابل للتطبيق.

يسجل للعهد كسره فراغاً كبيراً في ما يخص الموازنة العامة، بغض النظر عن الملاحظات السلبية الكثيرة عليها. لكن، الرئيس أظهر صموداً استثنائياً في وجه محاولات تطيير الجانب الايجابي من الموازنة، المتعلق بالشق الضريبي لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، أي الضرائب على المصارف. كما استحدث ضمن الاجراءات الضريبية أموراً جيدة تتعلق بالتصريح الضريبي رغم ما يكتنفه من تشوهات. وأقدم الرئيس عون على خطوة كبيرة ولم يتراجع أمام ضغط المصارف التي تملك وزناً كبيراً كون معظم الطبقة السياسية هي المصارف. إذ يساهم العشرات من النواب والمسؤولين في عشرات المصارف، ويملكون أسهماً أو يشغلون مناصب شرفية في مجالس اداراتها. ورغم هذه الايجابيات، فإنه من المبكر الحديث عن توجه لإعطاء دور أكبر للدولة في الاقتصاد. فمن يملك مبضع الاصلاح هو المتهم بتبديد المال العام، والمقصود هنا الطبقة السياسية كلها. فعندما تراجعت مصادر مداخيلها الخارجية من رُعاتها الخارجيين استسهلت مد اليد على المال العام.

ترويكا جديدة؟
من المبكر الحديث عن ترويكا جديدة بين عون والرئيسين سعد الحريري ونبيه بري. فحالياً توجد تفاهمات مؤقتة في انتظار نتائج الانتخابات المقبلة. وفي حال مضى التيار بجرأة أكبر في طريق الاصلاح سيصطدم حكماً ببعض القوى الأخرى. وعلينا ألا ننسى أنه توجد عوائق بنيوية في الاقتصاد اللبناني، كون لبنان من الدول القليلة التي يحرك اقتصادها الاستهلاك. ورغم أن الاستثمار يشكل جزءاً مهماً من الناتج المحلي، لكن نحو ثلثين منه يتركز في العقارات والبناء، أي أن أبعاد النمو ستبقى محدودة.

لقد سلّم لبنان منذ الحقبة الحريرية بالشروط التي فرضت عليه بشأن التخفيضات الجمركية وفتح الأسواق وعمليات تحرير الاقتصاد السريعة. ما جعل الصناعة والزراعة، اللتين كانتا تشكلان نحو 40% من الناتج المحلي قبل الحرب، لا تشكلان أكثر من 18% منه حالياً. بالتالي، لا يكفي أن يعلن رئيس الجمهورية عن نوايا حسنة لتغيير الواقع، لأن المسألة تحتاج إلى تهيئة الشروط الفكرية والسياسية والتحالفات والاستعداد للتضحية.

التشابه بين الحريرية والعونية
يرفض حمدان استخدام مصطلح "الحريرية"، لكنه يعتقد أنه من المبكر التكهن بتغير جذري قد يطرأ عليها. طبعاً هناك تشابه بينها وبين "العونية" في ما يتعلق بالمحاصصة، استناداً إلى ما بدا في التعيينات. وفي هذا المجال، هناك جو عام في لبنان تتحمّل مسؤوليته الطبقة السياسية كلها. فالمحاصصة القائمة وتوزيع النفقات بين المناطق وتوزيع العبء الضريبي بين الفئات الاجتماعية، يعود إلى كون النظام الطائفي يدفع إلى اجراء هذا النوع من الحسابات بين جميع الأطراف.

النظام الطائفي أصل العلل. وطالما أن هذا النظام قائم ستبقى هذه الحسابات قائمة. بالتالي، مهما كان حجم الاصلاح في الخطاب السياسي للتيار العوني ستبقى حدوده قليلة جداً، إذا لم يتجاوز النظام الطائفي. قد يستطيع التيار تخفيف هدر ما هنا أو رفع الانتاجية هناك وتسجيل حضور معين في بعض الملفات، لكن الفرق لن يكون جوهرياً. ذلك أن النظام الطائفي يُولّد ما يعرف بفائض الكلفة، أي كلفة التحاصص، التي تبلغ نحو 20% من الناتج المحلي، التي تُفرض على جميع اللبنانيين، كي تعيد الطبقة السياسية انتاج نفسها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها