الأربعاء 2017/11/22

آخر تحديث: 21:20 (بيروت)

تراجع الحريري.. هزيمة السعودية؟

الأربعاء 2017/11/22
تراجع الحريري.. هزيمة السعودية؟
الحريري سيعزز منطق التسوية وسيكون أقرب إلى عون وحزب الله (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
أسئلة كيرة طرحتها خطوة الرئيس سعد الحريري بالتراجع عن استقالته، أو بالتريث كما وصفها، وإلى مَ استند في خطوته هذه؟ هل هي منسقة مع السعودية، بناء على الاتصالات الدولية التي قادتها فرنسا ومصر؟ أم أنها موجهة ضد السعودية بعد عودته إلى لبنان، وحصوله على دعم محلي ودولي واسع، حصّن من خلاله وضعيته؟ لا جواب واضحاً حتى الآن، إذ يغلب الضياع على مختلف الأفرقاء في لبنان، مع تأكيد فكرة واحدة، هي أن الحريري اتخذ خطوة تراجعية، وهذه ستدفع كثيرين إلى الذهاب للقول إنه فعلاً كان محتجزاً في السعودية ومجبراً على الاستقالة، وعاد وتراجع لأنه لا يرغب بها ويريد استمرار التسوية.

لا شك أن ثمة هرطقة سياسية ودستورية غير مشهودة. رئيس حكومة يقدّم استقالته، وبعد 18 يوماً يعود عنها، ولا يعلن التراجع معتبراً أنها فترة تريّث لخمسة عشر يوماً. وهذا طرح غير موجود لا في العرف ولا في القانون. ولا شك أن الخطوة تراجعية بكل ما للكلمة من معنى. وتأتي ضمن سياق تراجعي واضح بدأه الحريري في إطلالته التلفزيونية، وفيما بعد خلال لقاءاته، وصولاً إلى موقفه من القصر الجمهوري.

لعل الحريري يفكّر في الحفاظ على مظلّة الأمن لنفسه وللبنان وليقول إنه حرّ في تصرفاته، وهو رمى الكرة في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله. وأعطى مهلة للتريث للحصول على تنازلات مقابلة، أبرزها النأي بالنفس. مع الإشارة إلى أن هذا النأي بالنفس أشار إليه عون في خطاب الاستقلال، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، حين خرج بكلام تهدوي نفى فيه مشاركة الحزب في أي عمل عسكري في اليمن، كما فتح الباب أمام إمكانية الانسحاب من سوريا والعراق، طالما أن المعركة مع داعش انتهت.

لكن لا شك إذا ما كان الحريري يفكّر بهذه الطريقة، وهو بالتأكيد اتخذ هذه الخطوة بالتنسيق مع السعوديين، يعني أن السعودية قد هزمت في لبنان، وسيخرج عون ونصرالله ليعلنان الانتصار على السعودية، استناداً على التلاحم الوطني والموقف الموحد للبنانيين. ولكن في مقابل ذلك، فإن الإخراج السيء للتراجع، والفارق الشاسع بين مضمون خطاب الاستقالة وموقف التراجع عنها، يعني أن السعودية تراجعت إلى حدّ بعيد عن خطواتها. هذا على الأقل في الشكل، استباقاً لأي أمر يمكن أن يحصل في الأيام المقبلة. لكن الأكيد أن الصورة والانطباع، هما أن لبنان هزم السعودية في أسرع معركة فتحتها المملكة.

بمعزل عن التفاصيل السياسية أو التكتيكات، إذا ما كانت موجودة أصلاً، ظهر الحريري في المعركة الأخيرة، بأنه غير قادر على حسم قرار أو موقف. وهذا من شأنه أن ينعكس سلباً على وضعيته السياسية، وعلى شخصيته وشعبيته. إذ إنه لم يسجّل في التاريخ حدث مشابه لما جرى معه، أو تعرّض له. وهو مجدداً أمام خيارين، فإذا ما كانت السعودية قد تراجعت عن خطواتها التصعيدية في لبنان، فهذا يعني أن الحريري سيعزز منطق التسوية أكثر، وسيكون أقرب من أي وقت مضى إلى عون وحزب الله، بمعزل عن كل المواقف التي سيعلنها. بالتالي، هو سيكون في حضن الحزب، كما أظهرته الصور مرتمياً بين أحضان عون في العرض العسكري بعيد الاستقلال. أما في حال كانت السعودية مصرّة على الاستمرار في التصعيد ولا تريد التراجع، لكنها تريد اتخاذ الخطوات من ضمن التركيبة واستمرارها، والاستناد إلى برنامج العمل الذي سيعود الحريري به، فهذا يعني أنها فشلت في إخراج هذا السيناريو التصعيدي، لأن السحر انقلب على الساحر.

يحيل البعض التريث أو التراجع إلى المساعي الأوروبية، وبالتحديد الفرنسية والمصرية، والتي دفعت في اتجاه سحب فتيل التوتر والتصعيد، والعودة إلى الخيارات السياسية في المواجهة، وقد يكون هذا هو الصواب في مسار الاعتراض السياسي، أو رفع السقف لتحسين شروط التفاوض، ولكن ذلك يستقيم لو كانت بداية الأزمة أطلقت على هذا الأساس، لا أن تنطلق من تصعيد كبير، ويتدرج الخطاب التراجعي، لأن ذلك لا يحقق المبتغى، بل يعكس الصورة، ليظهرها في موقع الانهزام.

لا شك أن ما يحصل، لا ينفصل عن المسار الدولي حول إمكانية الوصول إلى تسوية شاملة في المنطقة، وقد تكون إيران قدّمت بعض أوراقها التفاوضية تمهيداً للتنازل، إنسجاماً مع الحراك الدولي المتسارع حول سوريا. وهذا ما دفع الحريري إلى التريث، مقابل إعلان نصرالله الاستعداد للخروج من اليمن والعراق وسوريا بعد نهاية داعش، بالإضافة إلى الإعلان الإيراني عن نهاية داعش. ما قد يؤدي إلى إعادة تموضع الحزب، تمهيداً للتسوية الكبرى. الميزان في هذا المجال، سيكون أزمة اليمن، وقد يكون تريّث الحريري مرتبطاً بانتظار ما يمكن أن يتحقق في اليمن من تنازلات إيرانية. فإذا ما تحقق شيء ما تريده السعودية، يعني أن مسار التسوية انطلق، أما في حال عدم تقديم إيران أي تنازل جدّي، قد يفتح المجال أمام تصعيد أكبر، ولكن بمعزل عن النتائج، فإن الصورة الإعلامية، أظهرت السعودية في موقع المتراجع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها