الجمعة 2017/11/17

آخر تحديث: 11:52 (بيروت)

موسكو: رئيس وزراء مفقود

الجمعة 2017/11/17
موسكو: رئيس وزراء مفقود
لحظة تحول جديد في الشرق الأوسط (Getty)
increase حجم الخط decrease

يعيش اللبنانيون هذه الأيام على وقع الأخبار العاجلة، التي ترشقهم بها شاشات التلفزيون والمواقع الإخبارية المختلفة. ويعشق اللبنانيون، في العادة، الخبر العاجل المختصر عن القشور والزبد، الذي لا يغوص في عمق الحدث أو الظاهرة. فهم يخشون، في قرارة أنفسهم، الغوص في مرتكزات عيشهم وأسسه، لإدراكهم هشاشة ما بنوه من مرتكزات هذا العيش، طيلة فترة "استقلالهم"، وعرضهم الدائم لهذه المرتكزات للبيع والإيجار بأي ثمن يعرض عليهم من الخارج.

تنقل BBC الناطقة بالروسية عن مراسلها السابق في الشرق الأوسط والمتخصص في شؤونه والمقيم في بيروت حالياً، جيم ميور، قوله في ما يعيشه لبنان حالياً من تطورات، ولماذا أصبح مسرحاً لنزاعات بلدان أخرى، إن لبنان كان مقسماً دائماً، ولم يكن يوماً بلداً واحداً يوالي الناس فيه الدولة، أكثر مما يوالون العشيرة والعائلة أو الطائفة. ولهذا، وبسهولة، أصبح الناس أحجاراً في لعبة غرباء.

ويستطرد الرجل، في التعبير عن معرفة باللبنانيين، ليقول إن الساسة اللبنانيين كانوا دوماً أحجاراً على رقعة شطرنج يجلس إليها لاعبون آخرون. ويستمر هذا حتى يومنا الحاضر، وهو ما تشهد عليه الأحداث الراهنة بوضوح.

وتحت عنوان "رئيس وزراء مفقود"، يعبر الموقع الإعلامي الروسي المعارض RBK عن مخاوفه من أن تؤدي الأزمة الأخيرة في لبنان إلى اندلاع الحرب الأهلية من جديد. وينقل عن بروس ريدل، من معهد بروكنغز الأميركي، قوله إن لبنان هو أحد مواقع المواجهة المزمنة بين السعودية وإيران. ويقول إن الحديث يكثر، في الآونة الماضية، في كلٍ من السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة عن أن توسع النفوذ الإيراني في المنطقة أمر غير مقبول.

وينقل الموقع المذكور عن يوري بارمين، الخبير في المجلس الروسي للعلاقات الخارجية، قوله إن الوضع المرتبط برئيس الحكومة اللبنانية هو استمرار للسياسة الخارجية "معتدلة العدوانية" للسعودية، بعدما أصبح الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد. فهو، إذ يسعى إلى تعزيز دور بلاده في العالم، يقوم بخطوات "ليست محسوبة" دائماً. ويعتبر الخبراء أن الأمير هو "ملهم التدخل السعودي" في اليمن، إلا أن النزاع مع لبنان قد لا يصل إلى الحرب، التي حذر من خطرها وزراء الخارجية الأوروبيون، وفقه.

وينقل الموقع عن بني برينسكين، المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، قوله أن لا أحد في المنطقة معني بالحرب الآن، بمن فيهم حزب الله، الذي "أضعفته الحرب السورية". إلا أن الرجل لا ينفي الخاتمة العسكرية للأزمة "كما يحصل دائماً في الشرق الأوسط، إذ يمكن لشرارة صغيرة أن تولع الحرب".

من جانب آخر، يرى رسلان مامدوف، منسق المجلس الروسي المذكور، أن مقابلة الحريري الأخيرة وحديثه عن الاستعداد للعودة إلى لبنان، إضافة إلى ما أظهرته إسرائيل ومصر وغيرهما من اللاعبين في المنطقة من عدم الاستعداد لتنشيط العمل على "الجبهة اللبنانية"، قد تجعل معالجة الوضع بشكل سلمي أمراً ممكناً. فالسعودية، إذ أدركت أن آمالها في مساندة اللاعبين لها في المنطقة لم تتحقق، ستتراجع ويعود الحريري إلى لبنان.

وينقل الموقع التركي "15 تموز" الناطق بالروسية عن جميل دوغاتش ايبك، الأستاذ المساعد في قسم العلاقات الدولية في جامعة أتاتورك، قوله إن السعودية وتركيا لا تعتبران، على الأرجح، أن الوضع في لبنان يضر بالعلاقات الثنائية بين البلدين. فالصراع في لبنان سيؤدي إلى تخفيض وجود حزب الله في سوريا. ما يُضعف سيطرة الأسد. وإبعاد حزب الله عن سوريا سيرفع من الحاجة إلى وجود تركيا. ما سيخلق ظروفاً مؤاتية لنضال تركيا ضد "المنظمة الإرهابية" PKK/YPG، وفق. كما أن الصراع المحتمل في لبنان سيعقد مناورات الولايات المتحدة وحلفائها تجاه العملية التركية في سوريا ضد PKK/YPG.

إضافة إلى ذلك، فإن حاجة إيران وروسيا المتزايدة لتركيا في معالجة المسألة السورية، يمكنها أن تبدل ميزان القوى لمصلحة تركيا، في رأي الكاتب. لكن، كل هذا مشروط بتطور الأحداث في لبنان. فإذا بدأت السعودية تنشط ضد قطر بدلاً من لبنان، سيؤدي ذلك إلى تأزم جديد في العلاقات مع تركيا.

ويرى الكاتب أن العملية التي بدأت في السعودية، تحت عنوان محاربة الفساد، تشير مع استقالة الحريري إلى لحظة تحول جديد في الشرق الأوسط، كما يبدو. لكن ما يجري الآن لا يجوز تفسيره بتبدل السلطة في السعودية فحسب. فتبدل السلطة في هذا البلد بوسعه أن يخلق جو صراع جديد في الشرق الأوسط. ما ينعكس حتماً على تركيا. وإذا أخذنا بالحسبان وجود تركمان في لبنان، فإن الدبلوماسية التركية ستتبع، وفقه، استراتيجية التروي وتتخذ خطوات ترمي إلى تفادي الصراع. فالتطور اللاحق للأزمة قد يحمل لتركيا أفضليات كما قد يحمل لها تهديداً. وهو ما يلزم الدبلوماسية التركية باعتماد خطوات حذرة.

هكذا، نرى أن ليس الكل من حولنا غارقاً في "الخبر العاجل" وتويتر وغيرهما من تفاصيل القشور والزبد، بل الكل يعرف عمق مآزقنا، وما نحن عليه من حروب قبائل وشيع وفرق تنذر بتغيرات عميقة في بلداننا، تدفع ثمنها شعوب هذه البلدان من دماء بنيها ودمار عمرانها. ولا يفيدنا التلطي وراء استقالة من هنا ونجاح عهد من هناك. فالقصة، كما نعرف نحن، ويعرف العالم من حولنا أن مآزقنا أبعد من ذلك، وتحتاج مواجهتها إلى المصارحة العميقة مع الذات، وليس التلطي وراء قمم جبال الجليد من أزماتنا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها