الثلاثاء 2017/10/17

آخر تحديث: 07:56 (بيروت)

طرابلس: خطة طوارئ

الثلاثاء 2017/10/17
طرابلس: خطة طوارئ
مطلوب خطوات للوقاية من توترات اجتماعية وامنية وسياسية
increase حجم الخط decrease

لا داعي لإضاعة الوقت... ولا داعي لمزيد من المناورات. بات ملحاً أن ندخل مباشرة في صلب الموضوع في ما يختص بالنهوض بطرابلس والشمال استباقاً لأي انفجارات اجتماعية أو سياسية. وبات ملحاً أن تكون هناك خطة طوارئ، أو خطة تدخل "معجلة مكررة" للتصدي لبعض المشكلات الحادة الفورية، وإطلاق مسار تنمية المدينة وبناء دورها المستقبلي بشكل متواز.

مقترح خطة طوارئ تنموية
ثمة خطط وطنية وقطاعية ومحلية موجودة، أولها الخطة الوطنية لترتيب الأراضي في لبنان التي اقرتها حكومة سابقة، وهي الوثيقة التخطيطية الوطنية الأكثر أهمية، وهي مصممة على أسس موضوعية وعلمية. والحاجة إلى تحديثها لا تقلل من أهميتها،ومن المفيد اعتبارها نقطة انطلاق بدل هذه  العشوائية الوطنية والمحلية. وهناك عدد من الخطط المحلية التي قامت بها البلديات وجهات وطنية ودولية.

في هذا السياق اقترح ما يمكن اعتباره خطة طوارئ للتنمية في طرابلس، او خطة تنمية معجلة، تتطلب توحيد الإرادات للشروع فيها، بدل الاقتصار على مناقشة جزئيات غير مترابطة، ومن ضمنها مشاريع جزئية مهمة (مثل الواجهة البحرية في الميناء). ولا أزعم أن هذه الاقتراحات وحدها هي السليمة ولا هي استدراج للمناقشة في استبدال فكرة بأخرى، بل هو اقتراح يتعلق بتقديم مقاربة لتدخل متكامل متعدد الابعاد. وهذا هو المهم. وبحكم ما تراكم من دراسات وتوصيات واقتراحات، اقترح خطة عمل معجلة تتضمن التدخلات التالية، ولا يعكس ترتيبها في ما يلي أي أولوية، بل يجب تنفيذها بالتوازي:

- لتأمين فرص عمل فورية. وهذه حاجة ملحة، يجب الشروع فوراً بتنفيذ برنامج اشغال عامة ممنهج ومجدول على مدى 3 سنوات على الأقل، يتم من خلاله إيجاد آلاف فرص العمل للشبان والشابات في طرابلس والشمال. ويتم ذلك من خلال تنفيذ مشروعات مجلس الانماء والاعمار، ووزارات الاشغال والطاقة والمياه، والمشاريع المخطط لها من البلديات، بما في ذلك تأهيل مناطق النزاع، ومعظمها لديه موارد ومخصصات، على أن يتم تنفيذها وفق جدول زمني من خلال مشروع اشغال عامة بدل عقود المقاولة التقليدية. مثل هذا الأمر ممكن ومنفذ في أماكن كثيرة من العالم، ويمكن هنا للدعم الفني من المنظمات الدولية أن يكون مفيداً بدل أنواع أخرى من الدعم الأقل فائدة.

- للوقاية من توترات اجتماعية وامنية وسياسية، من الضروري المبادرة الى إيجاد حل سريع ونهائي قانوني للموقوفين من أبناء المدينة دون محاكمة منذ سنوات. وهذا ملف متفجر، وطريقة التعامل معه غير مجدية لا بل ضارة في بعض جوانبها. وما نقترحه هو إخراج هذا الملف من الاستخدام السياسي (لاسيما على أبواب انتخابات مزعومة) واقتراح حلول تنطلق من منظومة حقوق الإنسان والموجبات الدستورية والقانونية للدولة في هذا الملف. ويجب أن لا نوافق اطلاقاً على ما يجري تداوله من مشروع عفو عام سيكون على قاعدة 6 و6 مكرر، وتكون نتائجه اطلاق المجرمين والسارقين وتجار المخدرات والمتورطين حقاً في الإرهاب بما سيكون له أثر سلبي على كل لبنان. المطلوب مبادرة فورية تقودها نقابة المحامين مع دعم المجتمع المدني الطرابلسي، من أجل الإمساك بهذا الملف، واشراك نقابة بيروت والقضاء ولجنة حقوق الإنسان في المجلس النيابي لمعالجة هذا الموضوع بالجملة، وتسريع إنجازه على قاعدة إدانة من تجب إدانته وتبرئة من يجب تبرئته، ووضع حد لهذه الفضيحة التي تتمثل في كون قادة المحاور قد حوكموا وخرجوا من السجن وتحولوا إلى "أبطال" يزورهم المسؤولون الرسميون، في حين أن شباناً ومراهقين كانوا تحت قيادتهم وجرى استدراجهم إلى حمل السلاح أو اشتبه بهم، لا يزالون موقوفين دون محاكمة.

- في جانب مكمل لما سبق، آن الأوان لأن تكون هناك مصالحة مجتمعية حقيقية في مدينة طرابلس بعد سنوات طويلة من المواجهات التي يختزلها خط التماس بين جبل محسن والتبانة (وهو نزاع أبعد من ذلك بكثير). ويبدو أن الأقطاب السياسيين المتنازعين قد تصالحوا أكثر من مرة في الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية، ثم تنازعوا. والمصالحة لا تتم دون معرفة الحقيقة والحد الأدنى من العدالة. والعناوين باتت معروفة: في المدى المباشر هناك محاكمة مرتكبي تفجيري التقوى والسلام؛ والشروع في مصالحة مجتمعية تتضمن تنقية الذاكرة من تداعيات مجزرة التبانة عام 1986، والتعويض المادي والمعنوي عن ضحاياها وعن الضحايا الآخرين من كل الأطراف كي تكون مصالحة حقيقية ومستقرة. إن الامتناع عن ذلك يعني وجود رغبة ضمنية في ابقاء النزاع كامناً مع إمكانية ايقاظه مستقبلا.

- في المجال البيئي قضيتان بالغتا الأهمية من الناحيتين البيئية والصحية في آن، هما تنظيف مجرى نهر أبوعلي، ومعالجة جذرية ومستدامة لجبل النفايات ومجمل مشكلة النفايات على أسس بيئية باتت معروفة من الجميع. ولا داعي للأطالة هنا.

- في التعليم لا يمكن السكوت عن كون المؤشرات التعليمية في طرابلس والشمال هي من الأدنى في لبنان على أكثر من صعيد. ولا بد من استراتيجية كاملة للنهوض بالتعليم في الشمال (وفي لبنان) باعتبار ذلك مدخلاً رئيساً لأي تنمية فعلية. وفي ما خص خطة الطوارئ المقترحة هنا، لا بد من أن تتضمن ثلاثة مكونات تسير بالتوازي: أولاً، معالجة التسرب المدرسي من خلال خطة شاملة تشترك فيها دائرة التربية ونقابات المعلمين والنقابات والمجتمع المدني. ونشدد على كونها خطة شاملة لا على مشاريع تقوم بها الجمعيات هنا وهناك. وثانياً، برنامج لأنشاء روضات أطفال على نطاق واسع وممنهج في المدراس الرسمية وعدم ترك ذلك لمبادرات القطاع الخاص والجمعيات وحدهما. وثالثاً، مواكبة تسريع انجاز البناء الجامعي الموحد بتجميع قوى مدنية واكاديمية نواتها الأساتذة الجامعيون أنفسهم والخريجون والطلاب، من أجل صياغة الانتقال من صيغة الفروع المجزأة إلى إدارة جامعية موحدة في مجمع جامعي موحد، له دور حاسم في البحث والإنتاج المعرفي والتأهيل لسوق العمل، ولجعل المشروع الجامعي هذا مكوناً قائداً ودافعاً للتنمية الحالية والمستقبلية. وطبعاً، يقتضي ذلك الانتفاض على منطق التوظيف السياسي والاستخفاف بالمتطلبات الاكاديمية والتوزيع الطائفي الذي لم يؤد إلا إلى تدهور مستوى التعليم وتحويل التعليم الجامعي إلى بطالة مؤجلة.

- بالنسبة إلى النشاط الاقتصادي ودور القطاع الخاص واصحابه  ناشطون جداً، إلا أن عيونهم شاخصة بالدرجة الأولى نحو تعزيز موقعهم في بيروت ونحو دورهم المأمول في سوريا. ولا يكفي أن ينصب الاستثمار على القطاع العقاري وبعض الخدمات (فورة المطاعم والمقاهي مثلاً)، بل يجب الاهتمام بالقطاعات الواعدة في طرابلس والشمال (الحرف والصناعة والزراعة والسياحة الثقافية والبيئية...الخ)، والشراكة التنموية مع البلديات والقطاع العام. وفي هذا الصدد، لا بد أن يتحملوا المسؤولية مع القطاع العام للبدء في الاستثمار في تجهيز المنطقة الصناعية شمال طرابلس (وثمة اتفاق عليها في المخططات التوجيهية كلها). وكذلك البحث في وظيفة اقتصادية لمنطقة المصانع المهملة في البحصاص والشروع في الاستثمار فيها وتأهيلها لهذا الدور. هكذا يعزز الدور الاقتصادي لطرابلس، وتخلق فرص العمل.

- بالنسبة الى الفقر هل يكفي أن نستمر في القول إن طرابلس هي أفقر مدينة على شاطئ المتوسط ولا نفعل شيئاً لاخراجها من هذا الواقع؟ والتجربة تؤكد أن السياسات التوزيعية لا تكفي ولا تعالج أسباب المشكلة. ولا بد من وضع خطط محلية مكملة ومحفزة لأي برامج وطنية من أجل الحد من الفقر في المدينة والشمال عموماً، بما في ذلك المراجعة الجذرية للتدخلات الراهنة. وفي هذه الصدد يجب تخصيص جهد للمقاربة المكانية وتحسين أوضاع الاحياء الفقيرة، وتخصيص جهد للعشوائيات الأربع: المنكوبين، والشرفة (أبو سمرا)، وحي التنك في كل من الميناء والغرباء (الزاهرية). والأفكار هنا كثيرة لكن المهم ان يجري توحيد الجهود في اطار خطة واحدة بدل التشتت القائم.

هذه أفكار محددة نعتقد أنه يمكن أن تشكل خطة طوارئ أو خطة معجلة للتدخل المتكامل. وهي لا تشمل كل ما يجب القيام به أو ما يمكن القيام به، إذ إننا نفترض أن الاعمال والتدخلات والبرامج الجارية ستستمر ويجب أن تستمر. لكن الأساس هنا هو أن يجري اعتماد حزمة واضحة ضمن توجه متسق وأن يبدأ العمل عليه بشكل مستمر كي يعطي نتائج.

قبل أن اختم أتوقف عن نقطتين بالغتي الأهمية:

النقطة الأولى هي أن الأداء البلدي متخلف جداً عن متطلبات التنمية وإدارة الأوضاع في المدينة. وربما بات على المجالس البلدية أن تقلع عن المكابرة والخلافات الداخلية كي تطلب مساعدة فعلية في تحسين أدائها بعيداً من الإجراءات الفولكلورية.

النقطة الثانية هي أنه لا بد للمجموعات الجادة من جمعيات ومنظمات وباحثين وإعلاميين وناشطين ونقابيين أن ينتقلوا إلى مستوى أرقى من العمل المدني الضاغط من أجل دفع عملية التنمية. وذلك من خلال تبني خطة طوارئ عاجلة على درجة من التكامل (سواء أكان ما اقترحناه هنا أو غير ذلك)، والانتقال من ردة الفعل إلى الفعل المنهجي الضاغط على جميع الأطراف، تحت عنوان هذه هي خطتنا للعمل الفوري.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها