الأربعاء 2017/01/04

آخر تحديث: 00:19 (بيروت)

"بيضة القبّان"

الأربعاء 2017/01/04
"بيضة القبّان"
"بيضة القبّان"، انتقلت من الجنبلاطية إلى العونية (المدن)
increase حجم الخط decrease

انتهي العام ومعه الشغور الرئاسي، ونضجت طبخة الحكومة وتم التوافق على بيانها الوزاري ونالت ثقة البرلمان، وكل ذلك ضمن مدة قياسية غير مسبوقة. يتبادل الرسميون ابتسامات التحبب والتآلف ببراءة تشغيلية متجددة، وينصرف المعنيون لإعداد العدّة لـ "أم المعارك" التي يظنها معظمهم حول قانون الانتخاب.

 

القناعة العامة تٌشير إلى أنّ أوان الكأس المرّة قد حان ولم تعد مزاعم "الضرورات الوطنية" صالحة لفرض تأجيل الانتخابات من خلال التمديد، كالعادة. المجلس النيابي الذي بَرَعَ في استثمار الشغور الرئاسي ليُطيل عمر سُلُطاته وصلاحياته بتمديدين مشهودين، ينكبّ اليوم على تسهيل الدروب أمام عربة التمديد الثالث، على نيّة تبطِئة النقاشات حول قانون الانتخاب وتطويل عمليات الكَرِّ والفَرّ ما أمكن بين الـ17 مشروع قانون المعروضة على السلطة التشريعية، لعلّ الأسباب التقنية المترتبة على التأخير الحاصل تنجح في بثّ روح ثامنة إضافية للتمديد الجديد، يُطيل عهده.

 

إعاقة هذه الخطّة، إن كانت مُتاحة، بمعنى التوصل إلى اختصار زمن التمديد التقني إلى الحدّ الأدنى (أقل من ثلاثة أشهر)، وتظهير قانون انتخاب مناسب ومتوافق عليه، ستكون، والله أعلم، واحدة من العجائب الباهرة التي ستخرب بيوت كثيرين من الذين "فوق"، ولاسيّما منهم الذين أكثروا الحديث عمّا أسموه "إعادة الثقة" بالسلطات السياسية. وحده رئيس الجمهورية تصحّ المراهنة على همّته في تقصير زمان التمديد وتقريب الانتخابات، وذلك لأسباب ذاتية أولاً تتصل بالشخص وشخصيته، قبل الأسباب الموضوعية. إلى ذلك فالرئيس هو من القِلّة في البلد ممن "ينام (واحدهم) ملء عيونه عن شواردها..." فلا يهزّ كتلته النيابية أي قانون انتخاب يجري اعتماده، نسبياً كان أم مختلطاً أم أرثوذكسيّاً أم الدائرة الواحدة أو حتى قانون الستّين ذاته. أما إن شاء أن يقلق فأمامه مسألة تحديد موعد الانتخابات المقبلة الذي ينبغي أن يكون "أقرب ما يكون". وهذا  يتطلّب مواجهة طبقة سياسية لا يُستهان بها، والعمل على نزع العِصيِّ من عجلات التوافق على القانون الجديد، ابتداءً من محطة ضرورية هي "طمأنة المتخوّفين الذين لا غِنى عنهم". وزيارة الرسمي المقرّب من رئيس الجمهورية للنائب وليد جنبلاط في دارته في كليمنصو قبيل جلسة الثقة، جاءت تحديداً في هذا الإطار، وحققت مبتغاها بنجاح تام، بدليل منح الكتلة الجنبلاطية الثقة لحكومة الرئيس سعد الحريري.

 

الأقوام الآخرون جميعاً ليسوا في السلّة ذاتها إلا في موضوع واحد: "قلوبهم مع قانون الستّين وسيوفهم عليه"... كما لا يملّ الرئيس نبيه بري من الإعادة والتكرار، إنما من دون أن ينجح في إقناع الجميع أنه فعلاً في هذا الجانب من الملعب. والمشكلة أن اللبناني يتمتع بذاكرة انتقائية وغائية في آن، ولا يمكنه أن ينسى الوعود المُعلنة التي سمعها غير مرة بشأن قانون انتخاب "جديد وعصري"، والتي جرى ابتناء التمديدين السابقين للمجلس النيابي على دويّها، ثم تبيّن أنّها  كانت مجرّد وعود غبّ الطلب... لا أكثر.

 

صحيح أن الرئيس بري لا يسهُل خِداعه وهو الأعلم ببارومتر ساحة النجمة وحراك إبرته صعوداً أو نزولاً، إلا أن تسلسل الأحداث على جبهة البرلمان (فتحاً وإقفالاً، تعطيلاً وتشغيلاً، نِصاباً ولا نِصاب) أثبت أن بوسع الرئيس الإعاقة من دون المقدرة على قيادة المركب في الوجهة التي يريد ولا إلى المرفأ الذي يختار. لذا، فإن مصالحته السارية مع العهد لن تتيح له تقديم العون المطلوب.

 

ومن الجهة المقابلة فإن اليد القوية لرئيس الجمهورية ليست مُطلقة ولا حُرّة بما يكفي لإخراج زير الانتخابات النيابية من بئر المماطلة والتسويف، خصوصاً أن الطبقة السياسية المشكُوّ منها لم تفقد كامل سطوتها بعد. ومرارة إنضاج الطبخة الحكومية التي لم يتم نسيانها بعد أكّدت بما لا يقبل الشكّ بأن مقولة "الأمر لي" لا يسهل فرضها على هذه الطبقة، ليس بعد على الأقلّ. وبعد التمحيص يتبيّن أنّ الكلام الذي يوصِّف المعركة المقبلة على أنها معركة قانون الانتخاب، ليس سوى ضباب للتعمية، تماماً مثل ما تتناقله الأوساط "العليمة" والبطانات الأعلم، ويجري تسويقه على المدى الأوسع على أنه واقع الحال، وهو ليس أكثر من غُبار في العيون. فلا جنبلاط يخشى النسبية، ولا الحريري يفضّل الستّين ولا بري يتقبّل الاستغناء عن عدد من نوّاب كتلته، ولا جعجع يشكك بنيات حلفائه الجُدد.

 

المواجهة الأساسية لم تعد هنا على مستوى قانون الانتخاب (بعد أن حُسم أمره: قليل من كلّ شيء)، ولا على التقسيمات الإدارية التي ستجري الانتخابات على أساسها، بل في ساحة أخرى مختلفة. "أم المعارك" هي التي سيشنّها العهد ضدّ الفساد وهي التي على أساسها ستُخاض الانتخابات المقبلة. هنا مربط الخيل. فالفساد هو الروح التي أطالت عمر النظام السياسي المتداعي وجعلته عصياً على الانهيار. ومواجهة الفساد على الطريقة العونية، إن حصلت، ستكون بكل بساطة، مواجهة مع معظم الآخرين.... وبالتالي تهديداً للهيكل برمّته.

 

الرئيس عون وحده يمكن أن يراهن على اكتمال نِصاب دولة يحول ساستها دون قيامها.

 

هذا يعني أن الرهان يرسو مجدداً على العونية السياسية لخوض المعركة. فمعادلة الثقل السياسي الداخلي أو ما تسمّيه الأندية المحلية بـ"بيضة القبّان"، انتقلت كما بات واضحاً من الجنبلاطية إلى العونية. وهذا يجعل الغد مُرتهناً لما سيكون بإمكان العهد تحقيقه على حساب الطبقة السياسية العتيقة والمتمكِّنة.

التفاؤل هنا من حُسن الفِطَن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب