الثلاثاء 2017/01/31

آخر تحديث: 10:47 (بيروت)

|7/24| عون وكلفة التوريث

الثلاثاء 2017/01/31
|7/24| عون وكلفة التوريث
الظروف التي تتوافر للعهد الأول لا جزم بأن تستمر في الثاني ولأجله (المدن)
increase حجم الخط decrease
يبدو سؤال ميشال عون، الآن، عما إذا كان يريد التجديد لنفسه ولاية ثانية، أو التمديد لسنوات، بلا معنى، أو بمعنى شخصي يمكن أن يأخذ منحى سلبياً أو إيجابياً، إلا إذا رُبط بالبحث عن معنى عهده. والمعنى، ها هنا، يتعلّق بسلوكه ومشروعه وسياسته في بناء الدولة.


وإذ يبدو جميلاً منه، ومريحاً ومطمئناً، أن يُعلن من بداية عهده أنه لن يسعى لتجديد أو تمديد، وهذا دليل احترامه الدستور وينفي الطمع لديه، إلا أنّه لا يُنسينا واقع "انتخاب" رئيس الجمهورية. وهذا الواقع لا يقول إن الرئيس هو من يقرر من يخلفه. ويقول أيضاً أن لا قوة وحدها تقرر من يُنتخَب رئيساً.

وإذا كان من حق الرئيس أن يتمنى ويحلم إلى من ستؤول الرئاسة من بعده، إلا أنه لا يحق له بتاتاً أن يعمل، من موقعه في الرئاسة، لمصلحة خلفه الذي يتمنى أن "يُنتخَب" رئيساً. فذلك سيكون توريثاً، إضافة إلى كونه تسخيراً للمنصب والمؤسسات، والدعاية طبعاً، في سبيل تلك الغاية الشخصيّة أو السياسيّة الحزبية أو العائلية.

ازاء هذا، الأجدى برئيس الجمهورية الذي لم نرَ خيره من شرّه بعد، وللبلد عموماً، أن يكون لعهده معنى. والمعنى ها هنا، تكراراً، هو بناء الدولة، لا "بناء" الخليفة. وأوّل خطوات ذلك وأسسه، بالتوازي والتوازن مع تحسين الوضع الاقتصادي الاجتماعي وحماية الثروة الغازية والنفطية "السياديّة" واستثمارها تنمويّاً والأمن والاستقرار والحفاظ على الحريّات، هو قانون انتخابي ديمقراطي.

وقد جرّب لبنان من هذا كثيراً. جرّب كثيراً من نهايات العهود، مما يعني أن العهود لم تبنِ عهوداً ودولة وحتّى خليفة وبالكاد حصّلت تجديداً مبتوراً وتمديداً مأسويّاً وفارغاً. وكل إثنين من رؤساء الجمهورية، تقريباً، التقت نهايتا عهديهما وتشابهتا، مع كثير من الاختلافات أكيد. بشارة الخوري وكميل شمعون انتهى عهد كل منهما بأزمة لا تقل الأولى (انتفاضة ضد الفساد وأمور أخرى 1952) عن الثانية (ثورة- حرب 1958) خطورة. سليمان فرنجية والياس سركيس، الأول انتهى عهده باندلاع الحرب، والثاني انتهى عهده بتجددها. بشير الجميل ورينيه معوّض أغتيلا قبل أن يصلا إلى قصر الرئاسة. إميل لحود وميشال سليمان، اللذان مُدِّدَ لهما، انتهى عهد كل منهما بفراغ رئاسي.

أمّا ميشال عون الذي يريد أن يفتتح فصلاً آخر من تاريخ رئاسة الجمهورية، أو رؤساء الجمهورية، كأن يشبه نفسه وليس رئيساً آخر، فيبدو في حقيقة الأمر بين تجربتين: فؤاد شهاب وشارل حلو.

ولأن العهد، أي الرئيس وممارسته في السنوات الست، هو مما يَصنع النهاية، يمكن أن يشبه عهد ميشال عون عهدَ فؤاد شهاب. وهذا أمل وتمنّ. ويمكن أن يشبه عهد خليفته عهد شارل حلو. وهذا ما لا نأمل ونتمنى.

فالأول بنى دولة ومؤسسات مازالت تقاوم الحروب وممارسات الطاقم السياسي، ودوزن سياسة إقليمية تُبعد لبنان عن المحاور وهو الذي وصل إلى الرئاسة بتسوية دولية إقليمية. لكنّه، حين اختار، وفق الظروف الدولية والإقليمية والمحليّة، رئيساً خلفاً له رشّح شخصاً (شارل حلو) أسس للانقضاض عليه وعلى مشروعه، لا انتقاماً أوديبيّاً بقدر ما هو تواطؤ مع الطاقم السياسي والظروف الدولية والإقليمية، وبقدر ما هو ثمن دفعه الوريث وعهده، والبلد عموماً. فالتوريث، الذي بدأ ترشيحاً، غلّب الظروف التي تحمي الخليفة وعهده على ما يحمي البلد ومشروع السلف والدولة. غلّب السطوة الإقليمية المتمثّلة بمصر جمال عبدالناصر والسلاح الفلسطيني في لبنان على الوطنية والدولة، وكان اتفاق القاهرة الذي كان حصان طروادة في لبنان وجعل "الثورة" الفلسطينية دولةً في الدولة وحرباً في الحروب. وغلّب التوريثُ أيضاً السطوةَ المحليّة المتمثّلة بالمخابرات والطاقم السياسي على الدولة والمؤسسات والسياسة والحريّات والإقتصاد.

لعل تجربة الترشيح- التوريث هذه من أقسى التجارب وأكثرها دلالة على استحالة التوريث الرئاسي اللبناني ومأسويّته. ولا تقل عنها مأسويّة عملية التوريث اللاإرادي من بشير الجميل إلى شقيقه أمين. فهذه التجربة كانت اغتيالاً طويلاً ومتعدد الشركاء للبنان والدولة.

الأمر، أي التوريث الرئاسي، صعبٌ ومكلفٌ في لبنان، البلد الصغير الواقع فوق صفائح دولية وإقليمية متحرّكة. والظروف التي تتوافر للعهد الأول وتحيط به لا جزم بأن تستمر في الثاني ولأجله. بل يُرشّح أن تتوافر ظروف نقيضة، انقلابية وربما انتقامية. وهذا بعض ما يوحي بأن كأس التوريث أو الترشيح، إلى كونها ضد الديمقراطية والدستور، وإلى كونها تغلّب وهم الاستمرار الشخصي على استمرار الدولة والمؤسسات، مُرةٌ مثل التمديد أو التجديد أو الانقلاب أو الانتقام أو الاغتيال أو الحرب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها