الأربعاء 2017/01/04

آخر تحديث: 01:24 (بيروت)

لبنان فايسبوك وتويتر

الأربعاء 2017/01/04
لبنان فايسبوك وتويتر
الخطاب الطاغي اليوم هو خطاب مواقع التواصل (المدن)
increase حجم الخط decrease
في موازاة الخطاب السياسي الرسمي "الموحَّد" إزاء مأساة سقوط ثلاث ضحايا لبنانيين في الهجوم الإرهابي الذي استهدف "ملهى رينا" الشهير في تركيا ليلة رأس السنة، كانت وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى نحو مستغرب، تشهد سجالات واحتدامات كلامية لأسباب متصلّة بهذه المأساة نفسها. كأنّ يدور سجال محتقن بين فئة تقول إن هؤلاء الضحايا شهداء وأخرى تنفي عنهم هذه الصفة، أو أن تخرج بعض الأصوات الشامتة بمقتلهم في مكان للّهو. وليس خافياً أنّ هذه الاحتقانات الكلامية ذات خلفيات طائفية متنوعة، وهذا ما يدعو إلى الخوف مما وصلت إليه حال "مجتمعات المجتمع" من انفعال وتوتّر وانجرار نحو خطاب الكراهية والشماتة والعنف.


طبعاً، لا تعكس سجالات مواقع التواصل الاجتماعي حقيقة المجتمع كاملة. لكنّها، مع ذلك، هي التي تسود النقاش الاجتماعي/ السياسي والإعلامي عقب كلّ حدث أمني أو سياسي يجرجر وراءه احتقانات سياسية/ طائفية.. وهذا دليل على غياب أي خطاب بديل من هذه الأدبيات المنفعلة، وإلّا لكانت بقيت هامشية ولم تأخذ هذا القدر من التفاعل في المجتمع. والحال هذه أولّ ما يجب استخلاصه من كل هذا الانفعال على شبكات التواصل الاجتماعي هو أنّ مناعة لبنان ضدّ العنف والكراهية المتفشيين في الإقليم واللذين باتت إرتداداتهما تهدد العالم بأسره، ضعيفة جداً، بل تكاد تكون معدومة.. وهذه المناعة لا تتأتى من الجهوزية الأمنية ومن الاستقرار السياسي الذي يُمتدح صبحاً ومساءً هذه الأيام فحسب، بل يعزّزها أساساً خطاب سياسي واجتماعي وثقافي مدرك حساسية الأوضاع التي تمر بها المنطقة والعالم والتي تكثّف من احتمالات العنف الأهلي/ الطائفي/ الإثني في كل مكان، على نحو يفيد الإرهاب ويوفّر له بيئة استثمارية أوسع.

يحيلنا هذا إلى واقع السياسة اللبنانية، الذي شهد في الآونة الأخيرة تسوية بين أفرقائه الرئيسيين أتاحت ملء الفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة "وفاق وطني"، في تطور يتوقّع أن ينعكس إيجاباً على الوضعية اللبنانية برمتها وأن يزيد من قدرات لبنان الدفاعية ازاء التطورات الدراماتيكية في عموم المنطقة، ولاسيما في سوريا القريبة التي ستدخل حربها عامها السادس قريباً وليس هناك من/ ما يؤكد أنها شارفت نهايتها بعد اتفاق وقف إطلاق النار الروسي- التركي.

لكنّ ما طفا على صفحات التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين عقب مجزرة "ملهى رينا" هو نذير شؤم. ففي موازاة اندفاعة أركان التسوية الأخيرة لتأكيد فتح صفحة جديدة في لبنان ستخرجه من أزمته المستمرة منذ سنوات وتعيد الاستقرار والازدهار إلى ربوعه، يتبيّن، من سجالات فايسبوك وتويتر، أن أقوى خطاب في المجتمع اللبناني اليوم هو خطاب الاحتقان والانقسام الطائفي والمذهبي. وقوّة هذا الخطاب ليست "منه وفيه"، إنما سببها غياب أي خطاب بديل مؤثّر. فالسياسيون الذين كانوا لفترة قريبة يتساجلون في ما بينهم ويتبادلون التهم بتعكير صفاء "الميثاقية" والعيش المشترك ليسوا قادرين اليوم على منع خطاب الكراهية بين اللبنانيين حتّى ولو اتفقوا في ما بينهم. والمدارس والجامعات لا تقدّم خطاباً "وطنياً" يتجاوز خلفياتها الطائفية والمذهبية. ووسائل الإعلام ليست واعية بمعظمها دورها في هذا الظرف الدقيق، بل هي تلحق "السكوب" من دون الحد الأدنى من الضوابط المهنية والأخلاقية. وقد بات عملها تحكمه شروط التنافس في ما بينها لا المعايير القيمية. فضلاً عن أن هناك حزباً لبنانياً ينخرط في حروب المنطقة أينما "دعت الحاجة". وهذا أمر ارتداداته كبيرة على لبنان، بل أكبر من قدرته على التحملّ. ومهما حاولت التسوية السياسية الأخيرة تغييب هذه المشكلة فهي لمّا تزل حاضرة.

فعلاً ما يحصل يدعو إلى الخوف وإلى الاشمئزاز والقرف في آن معاً.. الاشمئزاز من الخطاب الاختزالي (إذ يعمم قول شخص مسلم على الإسلام والمسلمين جميعاً، والأمر نفسه بالنسبة لقول أحد المسيحيين) والمتوتر على مواقع التواصل والذي يعكس أنماط تفكير وعيش فئات واسعة من المجتمع اللبناني تقبل على هذه المواقع على نحو منقطع النظير. والخوف من أن تغدو هذه اللغة هي اللغة السائدة ولا لغة غيرها تخاطب العقل وتسعى لإنتاج مشروع لبناني يعطي معنى لهذا البلد الصغير الذي يذكّرنا ضيوفه الأجانب بأنّه يصلح لأن يكون "نموذجاً" وسط كل هذا التداعي في المنطقة.. لكن يبدو أنّ النموذج اللبناني الطاغي والأقوى، في الراهن، هو نموذج الانقسام والكراهية على فايسبوك وتويتر!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها