الثلاثاء 2017/01/24

آخر تحديث: 00:42 (بيروت)

العهد يتخلّى عن "المطران البرتقالي"؟

الثلاثاء 2017/01/24
العهد يتخلّى عن "المطران البرتقالي"؟
الشكاوى على المطران نصار لم تكن جميعها من طبيعة سياسية (خالد الغربي)
increase حجم الخط decrease
تفاعلت خلال الأيام القليلة الماضية قضية مطران صيدا وتوابعها للموارنة الياس نصار، بعدما تبلغ من السفير البابوي المونسيور كابريال كاتشيا ضرورة تركه أبرشيته والتنحي عن رعايته لها في مهلة أقصاها الخامس والعشرين من كانون الثاني الجاري.

المطران نصار صاحب "الحضور القوي"، على ما يقول أحد رؤساء بلديات جوار صيدا لـ"المدن"، كان منذ توليّه مطرانية صيدا في 12 شباط 2007 مطراناً "إشكالياً" بامتياز، إذ وما إنّ تسلّم مسؤولياته حتّى دبّ خلاف بينه وبين عدد من كهنة رعيته على خلفية تشكيلات قام بها لهؤلاء أثارت حفيظتهم. لتنشب بعدها خلافات بينه وبين بعض المزارعين في منطقة الرملية بعد رفعه بدل إيجار الأراضي المملوكة من المطرانية هناك والتي يستخدمها هؤلاء. كما نشبت خلافات بينه وبين مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبده أبو كسم مدير مدرسة مار في درب السيم، على ما يروي أحد أبناء الرعية لـ"المدن"، من دون أن تتمكن "المدن" من الاطلاع على مضمون هذه الخلافات وطبيعتها. ويبدو من المعلومات التي استقتها "المدن" من غير مصدر في منطقة صيدا أنّ ولاية المطران نصار كانت كلّها على هذا المنوال من القلاقل والخلافات مع الكهنة ومع بعض الأحزاب السياسية وحتى مع البطريرك الماروني الذي يقال في المنطقة إنّ نصار تناوله بالانتقاد غير مرّة على خلفية مواقفه السياسية.

فعلاقة نصار، الذي يقال إنّه كان في عداد "قوات- حبيقة" زمن الحرب، مع النائب وليد جنبلاط صاحب النفوذ القوي في النطاق الجغرافي لأبرشية صيدا المارونية التي تمتد إلى دير القمر وتشمل منطقة جزين كانت غالب الأحيان "متوترة، بل سيئة". وقد كان لافتاً امتناع نصار عن مرافقة البطريرك بشارة الراعي أثناء زيارته إلى المختارة في أيلول 2012 اعتراضاً يومها على عدم حضور الزعيم الدرزي القداس الاستقبالي للراعي في دار المطرانية. علماً بأنّ نصار كان يهاجم جنبلاط جهاراً نهاراً ويقول إنّ "زمن الأحادية السياسية في الجبل قد ولّى". لكن هذه العلاقة تحسنت لاحقاً حيث التقى نصار جنبلاط ونجله تيمور غير مرّة، لكنّها لم تتحوّل إلى الايجابية. أمّا المشكل السياسي الأساسي للمطران نصّار فكان مع القوات اللبنانية وذلك بعدما قال الأخير في مقابلة صحافية في تشرين الثاني 2013 إنّ "رئيس القوات سمير جعجع غير جدير بأنّ يكون في موقع القيادة، ونحن مع قائد جديد للقوات لا تكون يداه ملطخة بالدماء". هذا الكلام أثار حفيظة القوات، بطبيعة الحال، وقد زار وفد قواتي من الأبرشية بكركي وطالب البطريرك بالتدخل لدى المطران نصار وثنيه عن مهاجمة جعجع والقوات. ومعلومٌ أنّ نصار عونيّ الهوى إلى حد وصفه بالمطران "البرتقالي". وقد كان إعلام التيار الوطني الحر فضلاً عن بعض الإعلام القريب من 8 آذار يدافع عنه ويضع خطابه وتدابيره الإدارية في سياق مسار إصلاحي بدأه في وجه الفساد داخل الكنيسة وفي المجتمع، بينما كان توجّه إعلام القوات عكس ذلك.

ويشير أكثر من متابع لمسيرة نصار- جميعهم من أبناء رعيته- إلى أنّ العديد من الشكاوى ضدّه رفعت إلى بكركي، وذلك بعد فترة وجيزة على توليه المطرانية، إذ "قام خلافٌ بينه وبين عدد كبير من كهنة الرعية (في الآونة الأخيرة وصل عدد معارضيه من الكهنة إلى 30 من أصل 42)، ناهيك بالخلافات مع لجان الأوقاف، ومع الأحزاب السياسية. أي أنّ المطران نصار لم يترك للصلح مطرحاً، وكان يكابر على المشاكل في رعيته وقد فاقمها خلافه مع القوات، كما كان خلافه مع الكهنة يأخذ طابعاً غير مألوفٍ أحياناً، إذ منع اثنين منهم مرّة من مشاركته القداس". ويعتبر هؤلاء أنّ "موظفة في دار المطارنية تدعى س.ح. تتحمل جزءاً أساسياً من المشكلات التي وقع فيها المطران، إذ باتت هي المرجع لبت قضايا عديدة، منها ما يتصل بشؤون الكهنة والأوقاف. ما أثار حفيظة هؤلاء".

ويبدو من المعلومات التي استقتها "المدن" من غير مصدر أنّ الشكاوى على المطران نصار التي وردت إلى بكركي لم تكن من القوات وحدها، فالخوري ج.ح. الذي عيّن قيماً عاماً على أملاك الأبرشية تقدّم بشكوى عن اختلاسات تحصل في المطرانية، بحسب ما يروي أحد الفعاليات الرسمية في المنطقة لـ"المدن". ويضيف أنّ التحقيق في هذه الشكوى بيّن وجود "شيء من هذ النوع". بالتالي، يقول الشخص نفسه، إنّ ما يحكي عن سبب سياسي للاجراءات المتخذة ضدّ نصار ليس دقيقاً إذ أنّ هناك أسباباً إدارية ومالية وراءها، منها ما يتعلّق أيضاً بقضايا ذات صلة بمشاريع سكنية مخصصة لمسيحيي المنطقة بهدف مساعدتهم على البقاء في بلداتهم. وكانت قد وردت "شكاوى من أشخاص دفعوا أموالاً من دون نتيجة ومن دون جواب في مشروعي جزين والرميلة اللذين يقوم بهما المطران نصار"،  على ما جاء في مرسوم صادر عن بكركي بتاريخ 18 آذار 2015، والذي قضى بتعيين راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر زائراً بطريركياً على أبرشية صيدا المارونية، بعدما بتت محكمة بطريركية في الشكاوى المرفوعة ضدّ نصار. علماً بأنّ مصادر المطران نصار قالت يومها إنّ "الاتهامات التي توجه إلى راعي الأبرشية لا تستند إلى أدلة وبراهين، بل إلى خلفيات سياسية".

السؤال المطروح الآن لماذا عودة هذه القضية إلى الضوء بعد نحو عام على تعيين المطران مطر بمثابة "وصي" على مطرانية صيدا؟ ولماذا دخل الفاتيكان على هذه القضية بعدما كانت بكركي تتولاها قبلاً؟ ثمة رأي يقول إن تدخل الفاتيكان هو لعدم إحراج البطريرك الراعي، مع العلم أنّ المحكمة الأسقفية كانت قد أرسلت تحقيقاتها إلى روما لإطلاع الدوائر المعنية فيها عليها. كذلك يطرح البعض سؤالاً عن الوسائل المتاحة أمام نصار للدّفاع عن نفسه بعد تبليغه القرار المذكور من جانب السفير البابوي. ومعلوم أنّ نصار توّجه إلى روما بعد تبلغه القرار، ويقول مصدر في التيار الوطني الحر لـ"المدن" أنّه "حققّ خرقاً في روما بلقاء أحد القريبين من الباب"، من دون أن يفصح عن معلومات إضافية. لكن يبدو من حديث المسؤول إياه أنّ التيار العوني "لا يؤيد رسمياً" المطران نصار "لأننا لا نستطيع التدخل في شؤون كنسية، وإن كنا لا نمنع مناصرينا من تأييده والتحرك لدعمه". علماً أنّ من يراجع كيفية تناول إعلام التيار سابقاً مواقف نصار يجد أن التيار كان مؤيداً لها ومدافعاً شرساً عن قائلها. فهل ذهب المطران نصار هو الآخر ضحية التفاهم القواتي- العوني، بحيث لا يريد التيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون أنّ يكون تأييدهما لنصار سبباً لمشكلة مع القوات؟ أم أنّ التيار أصبح عاجزاً عن "تغطية" نصار بعدما فتح معركة بوجه "الجميع"؟ 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها