الأربعاء 2017/01/18

آخر تحديث: 00:56 (بيروت)

"تفاهم معراب".. سنة أولى "ميثاقية"

الأربعاء 2017/01/18
"تفاهم معراب".. سنة أولى "ميثاقية"
قام تفاهم معراب على أنقاض استقطابات ما بعد الـ2005
increase حجم الخط decrease
الأربعاء تقع الذكرى السنوية الأولى للتفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الذي عرف فيما بعد بـ"تفاهم معراب" نسبة إلى المكان الذي عقد فيه، أي مقر القوات في معراب بكسروان. سنة ليست وقتاً طويلاً في عمر أي تحالف سياسي، لكنّها في الوقت نفسه ليست فترة قصيرة، خصوصاً أنّ السياسة اللبنانية شهدت في السنة المنصرمة أحداثاً كانت محورية لهذا التفاهم، ولاسيّما الانتخابات البلدية في أيار الماضي والانتخابات الرئاسية في أواخر تشرين الأول الماضي، وهما استحقاقان أساسيان بالنسبة إلى ركني هذا التفاهم.

أي مراجعة لتجربة "تفاهم معراب" الفتية يفترض أن تنطلق من معطى مفاده أنّ هذا التفاهم أبرم في توقيت مناسب وموافق لديمومته. ليس المقصود بالتوقيت هنا التطورات السياسية التي سرّعت في إبرام هذا التفاهم، وخصوصاً إعلان الرئيس سعد الحريري تأييد النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. المقصود أنّ الاتفاق جاء في وقت وصلت التحالفات السياسية في البلد إلى "نهاياتها"، بعدما قامت بعد 2005 ثنائية تحالفية غير مسبوقة في تنوعها الطائفي والسياسي في تاريخ لبنان. أي أننا منذ 2005 ومع "تمأسس" الاحتقان السنّي الشيعي في البلد- بعدما ما كان مثل هذا الاحتقان قد برز في عراق ما بعد صدام- كنّا أمام تحالفات استقطابية حول كل من الفريقين الشيعي والسني، وكان المسيحيون منقسمين بين هذين الاستقطابين. عملياً، تفاهم معراب أنهى- أو هو دليل على انتهاء- هذين الاستقطابين بشكلهما القديم، وأسسّ لاستقطابات جديدة أكثر وضوحاً في فرزها الطائفي والمذهبي بحيث صار لكل مجموعة طائفية "كيان سياسي" يختصر تمثيلها في النظام السياسي. فبعدما كنّا أمام ثنائية شيعية- سنيّة تستقطب المسيحيين، صرنا أمام ثلاثية مسيحية- سنّية- شيعية ليست سوى مثالثة مقنّعة.

إذاً، الثلاثية هذه لم تكن لتبصر النور لولا انهيار الثنائية تلك لمصلحة أحد أطرافها ألا وهو الطرف الشيعي المتمثل بحزب الله. أي في مكان ما قيام التفاهم المسيحي كان في لحظة انتصارية لحزب الله في السياسة المحلية. وهذا أمر لا يمكن أغفاله عند استعادة تجربة "تفاهم معراب" الذي لم يأخذ له شعاراً واضحاً لكنّ خطابه ارتكز على "الميثاقية والشراكة"، ما يعني أنّ ديناميته هي في وجه كلا الفريقين السني والشيعي لانتزاع الحقوق المسلوبة منهما.

والحال هذه برز في وجه هذا التفاهم منذ لحظة إعلانه تحديات عديدة. التحدّي الأساسي والدائم تمثّل في قدرته على تأكيد "استقلاليته". بمعنى أن يقدر على تحقيق مطالبه من دون الإنحياز إلى أي من الفريقين السني والشيعي، وإلّا فقد "كيانيّته" وهي شرط موضوعي لنشوئه، وساهم في خلق اختلالات جديدة سترتد عليه في نهاية المطاف.

التحدي العملي الأوّل الذي واجهه "تفاهم معراب" كان في الانتخابات البلدية حيث سعى بجدّ وكدّ إلى تأكيد تمثيل المسيحيين بنسبة 86% بما يوافق النسبة التي قال أحد مراكز الإحصاء إنّها لمؤيديه بين المسيحيين. لكنّ هذه الانتخابات لم تؤكد هذا الحجم التمثيلي لتحالف التيار والقوات وإنّ أثبتت أنه تحالف قوي في مواجهة خصومه الذين اضطروا إلى التكتل رغم مشاربهم السياسية المتنوعة لمضايقته أكثر منه للفوز عليه. وهذا بالتأكيد سينسحب على الانتخابات النيابية، إذ يتوقّع أن يكون هذا التحالف الأقوى مسيحياً لكنّ المعركة الانتخابية لن تكون نزهة بالنسبة إليه في أكثر من دائرة، وهذا يشكك  في نهاية الأمر في قوته نفسها. علماً بأنّ التفاهم نفسه لم يفلح طيلة السنة الماضية بتوسيع جبهته لتضم طرفاً ثلاثاً ورابعاً.. إلخ، بالرغم من أنّه أعلن سعيه إلى ذلك، وهذا في النهاية نقطة سلبية تسجّل عليه طالما دافعه مسيحي في المقام الأوّل.

التحدّي الثاني كان في الانتخابات الرئاسية وما بعدها. هنا، نعود إلى مقاربة هذا التفاهم ضمن الخريطة "الوطنية" وتعقيداتها. والسؤال: هل هذا التفاهم الذي ولد في لحظة "انتهاء" الاحتقان السني الشيعي بفوز الطرف الشيعي، هو جزء من هذا الفوز أم مستقل عنه.. أو إنّه يتقاطع معه من دون أن يكون جزءاً منه؟ واقع الحال أنّ هناك انزياحاً مسيحياً باتجاه هذا الفوز، وهو ما يظهر من حركة القوات اللبنانية المستجدة باتجاه حزب الله. هذا لا ينفي أن لـ"تفاهم معراب" دينامية خاصة تتقاطع مع ديناميات سياسية/ طائفية أخرى، لكنّها تتحرك بشكل أساسي وفق أولويات خاصة. لكنّ مشكلة دينامية هذا التفاهم أنها تواجه دينامية أقوى منها باعتراف ركني التفاهم نفسيها. إذ ما معنى أن يقول رئيس الجمهورية ميشال عون إنّ مسألة سلاح حزب الله مسألة إقليمية خارج سيطرته، وهو قول أيدتّه القوات أخيراً. هذا الكلام وإن كان واقعياً إلّا أنّه يؤكد أنّ تصحيح الخلل "الميثاقي" بانتخاب عون رئيساً جاء في سياق خلل سابق عليه، أعمق وأقوى منه، ولا ينفك استمراره يحاصر "الرئيس الميثاقي"، وبالتالي "تفاهم معراب".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها