الإثنين 2017/01/16

آخر تحديث: 00:12 (بيروت)

حزب الله والقوات والنورس ثالثهما

الإثنين 2017/01/16
حزب الله والقوات والنورس ثالثهما
حوار عن بعد قد بدأ بين القوات اللبنانية وحزب الله
increase حجم الخط decrease

تراجع اهتمام الناس بالسياسة في الأيام القليلة الماضية بسبب "الهجوم المنظم" الذي شنته أسراب طيور النورس على محيط مطار بيروت والذي استدعى تفّتق عبقرية مسؤولي طيران الشرق الأوسط عن استدعاء صيادين لصدّ هذا الهجوم ومنعه من أذية الطائرات. بعدما كانت اللجنة الوزارية المتخصصة بشؤون النورس قد طرحت حلولاً عدّة لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة التي يواجهها لبنان على نحو غير مسبوق، منها توظيف أشخاص لكش النورس. وإن كانت هذه الوظيفة موجودة في غير دولة، إلّا أنّ وجودها في لبنان يزيد عبثاً على عبث إذا ما استعيد أصل المشكلة، وهي مشكلة النفايات مضافة إليها مشكلة نهر الغدير المزمنة التي تمثّل تعدياً صارخاً على البئية في لبنان بحماية سياسية وأهلية وأمنية.

أمام هذا الواقع العبثي والمأسوي في آن معاً يصبح السؤال عن معنى السياسة وجدواها في لبنان ملّحا. حتى القول إنّ انخراط الشباب في العمل السياسي يمكن أن يصلح الوضع يصير قابلاً للمراجعة. لأنّ لبنان بمجتمعه ودولته وصل إلى حد من التقهقر والهشاشة لم يعد ممكناً معه الإصلاح بالسياسة وحدها. وهذا سبب من أسباب تراجع الاهتمام بالسياسة وتراجع قدرتها على صناعة "الحدث" في لبنان، فترى أنّ حدث النورس يطغى على كل السياسة في البلد بحيث يصبح أي موقف سياسي ثانوياً إلّا إذا كان يحمل جديداً غير متوقّع. وهذه مواقف قليلة الحدوث إجمالاً. وقد شهدت الفترة الماضية مثلها كالمصالحة بين الدكتور سمير جعجع والرئيس ميشال عون وترشيح الرئيس سعد الحريري للأخير.. إلى درجة أنّ السياسة اللبنانية بعد التسوية الأخيرة فقدت كثيراً من جاذبيتها، بعدما أسقطت هذه التسوية كلّ "غير المتوقّع" من السياسة اللبنانية.

في اليومين الماضيين وإلى جانب أخبار النورس التي ملأت وسائل الإعلام ووسائط التواصل، كان الكلام عن الحوار المتوقّع بين القوات وحزب الله يأخذ حيزاً إعلامياً ضئيلاً، لكنّه الأكثر إثارة للاهتمام بين الأخبار السياسية المختلفة كمسألة قانون الانتخاب التي تدور على نفسها من دون نتيجة، وموضوع التعيينات الإدارية والأمنية الذي سيعكس مرّة جديدة طبيعة التسوية الرئاسية.

الكلام عن هذا الحوار يصدر في الغالب الأعمّ عن شخصيات القوات اللبنانية بعدما قال فيه حزب الله كلمته من بكركي أخيراً عندما صرّح السيد إبراهيم أمين السيد بأنّ "الظروف في لبنان ستفرض نوعاً من التواصل (مع القوات)، ونأمل أن يصل إلى مدى سياسي معين، ونحن منفتحون على هذا الموضوع". ذلك بعدما تحدث السيد حسن نصرالله عن أنّ "القوات مكوّن مسيحي ووطني وازن". وهو كلام يعدّ تحولاً في لغة نصرالله تجاه القوات. وهو لا شك مرتبط باستعداد الحزب فتح باب الحوار معها، وإلا لما قاله نصرالله ولما أضاف إليه السيّد من بكركي. بل يمكن القول إنّ الحوار بين القوات والحزب قد بدأ فعلاً وإن لم يكن بالمباشر وعبر وفدين من الحزبين.

إنّه حوار من بعيد انطلق منذ كلام نصرالله هذا وبعده كلام السيّد من الصرح البطريركي، في وقت كانت القوات قد برّدت مع الحزب منذ التحوّل الذي شهدته سياستها لحظة تفاهمها مع التيار الوطني الحر. ويبدو من وقوف الحزب عند كلام نصرالله وبعده السيد في موضوع الحوار مع القوات في مقابل إفراط قواتي في الحديث عنه بشيء من الارتباك أحياناً، كأنّ الحزب يترقب مدى استعداد القوات للحوار معه وذلك يخفضها سقفها السياسي في مسألة سلاحه وتدخلاته الاقليمية. وهو ما يمكن ملاحظته في خطاب القوات أخيراً، وصولاً إلى تبنيها نظرية الرئيس عون في شأن سلاح الحزب القائلة إنه مسألة إقليمية أكبر من قدرة الدولة على احتوائها. وهذا يعني عملياً تحييد مسألة السلاح عن النقاش السياسي الداخلي. وهذه حجة ستستخدمها القوات لـ"تبرير" الحوار مع الحزب.

إذا كان من الواضح أنّ هناك استعداداً قواتياً للحوار مع الحزب الذي مهّد لمثل هذا الحوار، إلا أنّ السؤال المطروح هو عن هدف الجانبين من الحوار، وعن المدى الذي يمكن أن يبلغه هذا الحوار وترجماته العملية عشيّة الانتخابات النيابية.

غالب الظن أنّ هذا الحوار المرتقب يتحرك ضمن بعدين متداخلين: إقليمي ومحلي. من الناحية الاقليمية تضطّر التطورات الميدانية والعسكرية في المنطقة ولاسيما في سوريا القوى السياسية اللبنانية إلى مراجعة مواقفها لتنسجم مع الواقع الجديد. فبالنسبة إلى حزب الله ستكون له مصلحة أكيدة في تبريد علاقاته في الداخل اللبناني في ظل التطورات السورية المتسارعة والمفتوحة على احتمالات شتى. ما قد يؤثر على وضعيته هناك ويجعله أكثر اهتماماً بـ"استقرار" الداخل اللبناني. أمّا القوات فهي بلا شك تراقب الوضعين الاقليمي والعالمي عن كثب، حيث بدّل انتشار الإرهاب أولويات دول كثيرة، وحيث فرض الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب معطيات جيوسياسية جديدة في المنطقة أراح حزب الله وحلفاءه وأقلق حلفاء القوات. وهذا لا ريب في تأثيره على حركتها السياسية الداخلية.

أمّا في البعد المحلي، فمنذ لحظة تقارب القوات مع التيار أصبح توقع ذهابها باتجاه حزب الله ممكناً أكثر، كما أصبح مجيء حزب الله في اتجاهها وارداً أكثر أيضاً. فبطبيعة الحال سيؤدي تفاهم القوات مع التيار المتحالف مع الحزب إلى تقارب بين الحزب والقوات. ناهيك بأنّ هذا التقارب يريح التيار ويسعف القوات في تقوية تفاهمها معه عشية الانتخابات، التي لا بد أن تتقاطع مصالح هذه الأطراف الثلاثة فيها بأكثر من دائرة. لكنّ هذا التقارب لا شك سيفرض من جهة أخرى تحديات على القوات، ولاسيما بشأن علاقتها مع تيار المستقبل الذي، رغم حواره مع الحزب، إلا أنّ التجاذب بينهما مستمر بدفع من التجاذب الإقليمي العريض. وهذا يرجّح أن تكون له ارتدادات في الانتخابات المقبلة. وبالتالي، الخريطة السياسية المعقدّة لا تفسح في المجال كثيراً لأي من القوى السياسية للمناورة وتوسيع هامش حركتها وتحالفاتها من دون المخاطرة بخسارة حلفاء آخرين. في وقت ليس في الإمكان ضمان أي تحالفات جديدة بالنظر إلى تعقيدات المشهد السياسي المستجد، حيث كل طرف يبحث عن إعادة تموضع ولو بحد معيّن. ما يجعل تقاطع المصالح بين خصوم الأمس أكبر. لكنّ السؤال عن حدود هذا التقاطع وفرص نجاحه طالما هو ضيّق في الأساس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها