الأربعاء 2016/09/28

آخر تحديث: 00:29 (بيروت)

يا ليت التفاؤل الرئاسي في محلّه

الأربعاء 2016/09/28
يا ليت التفاؤل الرئاسي في محلّه
لماذا سينتخب رئيس للجمهورية اليوم بعدما استعصى انتخابه مدّة سنتين وأربعة أشهر؟ (المدن)
increase حجم الخط decrease
عندما تمّ الإعلان عن مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية أواخر 2016 ظنّ كثيرون في بيروت أنّ أمر الرئاسة اللبنانية قد قضي، وبدأ البعض يضرب مواعيد لجسلة انتخاب فرنجية على قاعدة "إذا مش في هذه الجلسة ففي الجلسة المقبلة". لكن بعد وقت قصير تبيّن أنّ أمر الرئاسة أعقد ممّا يظنّ البعض ولا يكفي ترشيح من هنا أو هناك لبتّه.

الإثنين "لبّى الحريري دعوة فرنجية" إلى بنشعي وما كادت قدماه تطآن عتبة المنزل الخشبي حتى ضجّت بيروت بالأحاديث عن حسم الحريري خياره بتبني ترشيح النائب ميشال عون، وعادت التكهنات بقرب انتخاب الرئيس "إذا مش في هذه الجلسة ففي التي تليها"، مع فارق أنّ هذه المرة الرئيس المرتقب هو عون وليس فرنجية.

لكن، في الواقع لا مؤشرات حقيقية راهناً على قرب موعد انتخاب رئيس للجمهورية، تماماً كما كانت عليه الحال قبل تسعة أشهر عندما تبنى الحريري ترشيح فرنجية. والغريب أنّ التفاؤل بقرب انتهاء الشغور الرئاسي يبنى في كل مرّة على معطيات داخلية لا تتصّل بأي متغيرات خارجية قد تسمح بتوقع إنفراجات في ملف الرئاسة. وكأنّ السياسية اللبنانية وبسحر ساحر باتت ترسم في لبنان وكأن علاقات الأطراف اللبنانية، وخصوصاً تيار المستقبل وحزب الله، بالخارج هي علاقات ثقافية وتجارية لا شأن للسياسة بها. هكذا يكفي أن يزور هذا ذاك أو أن يرشّح فلان علانّا حتى تنتهي الأزمة الرئاسية.

الواقع غير ذلك تماماً. فملف الرئاسة اللبنانية هو ملف إقليمي بتشعبات دولية بالدرجة الأولى، أي أنّه عنوان من عناوين الاشتباك الإقليمي- الدولي في المنطقة. فأي تغيّرات "جوهرية" في المعطيات المتصلة به يستدّل عليها أولاً من تطوّرات هذا الاشتباك سلباً أو إيجاباً. فطالما الاشتباك الإقليمي على حاله من الشدّة والعنف فإنّ الوضع في لبنان باقٍ على حاله.

فلماذا سينتخب رئيس للجمهورية اليوم بعدما استعصى انتخابه مدّة سنتين وأربعة أشهر؟ ما الذي تغيّر في الإقليم أو في لبنان حتى يصبح هذا الانتخاب ممكناً اليوم؟ المسألة الرئاسية ليست متعلقة بشخص الرئيس سواء أكان عون أم فرنجية بقدر ما هي متصلة بتوافر الظروف الإقليمية والدولية واستطراداً المحلية السامحة بانتخاب هذا الرئيس أيّا كان اسمه. ولا يبدو أنّ هذه الظروف مؤمنة اليوم.

فالاشتباك السعودي الإيراني متواصل وقد بلغ صفحات "نيويورك تايمز"، حيث كتب ظريف متهماً "الوهابية" بدعم الإرهاب ورعايته، فردّ عليه الحريري رامياً تهمة الإرهاب على إيران. وها هو السيد حسن نصرالله غداة كثرة الأحاديث عن اتجاه الحريري لتأييد عون للرئاسة يعتبر "الوهابي أقسى من الإسرائيلي، خصوصا أنّه يريد إلغاء الآخر ومحوه، وطمس كل ما له صلة بالإسلام وتاريخه". أفلم يكن حرياً بالسيد نصرالله تبريد الهجوم على السعودية لو كان فعلاً متحمساً لمواكبة الإيجابية الرئاسية السائدة في البلد، ولاسيما أنها تصب في مصلحة مرشحه عون؟

كلام نصرالله يصلح دليلاً على أنّ الحزب غير مستعجل لانتخاب رئيس، وهو حتى اللحظة يبدو قادراً على إدارة الأزمة بين حلفائه المختلفين على الملف الرئاسي. كذلك استمرار الفراغ وفق المعطيات الرئاسية الحالية يتيح له تحميل المستقبل مسؤولية تعطيل انتخاب الرئيس وهو ما يدأب على فعله منذ مدّة. وقد أشار نصرالله في حديثه الثلاثاء إلى أنّ "العقدة (الرئاسية) ليست مع حلفائنا بل مع تيار المستقبل". في المقابل يرمي المستقبل كرة التعطيل الرئاسي في ملعب حزب الله، ليرسو المشهد الرئاسي الحالي على تبادل تهم التعطيل بين الفريقين الأكثر تأثيراً في ملف الرئاسة اللبنانية.

وغني عن القول أنّ تبادل التهم بتعطيل الرئاسة بين حزب الله والمستقبل يعني أنّ حلّ أزمة الرئاسة غير ممكن من دون اتفاقهما على بنود هذا الحل. وهذا يعيدنا إلى النقطة الأساسية في ملف الرئاسة ألا وهي ارتباطه بتطورات الاشتباك بين إيران والسعودية. فمن دون بروز تطورات إيجابية على خط العلاقة السعودية- الايرانية فإنّه من الصعب توقّع انفراج رئاسي في لبنان، بمعزل عن الاتصالات السياسية الجارية التي تهدف إلى المحافظة على الستاتيكو السياسي والأمني القائم واحتواء أي تصعيد في في الشارع والحكومة.. إلخ. وهذه نقطة يبدو أن المستقبل والحزب متفقان عليها. فطالما حوارهما الثنائي قائم فإنّ الاستقرار في البلد مؤمن. لا بل أنّ انتخاب رئيس للجمهورية لن يغني عن هذا الحوار في تأمينه.

عليه، ليس التفاؤل في انتخاب رئيس في وقت قريب في محلّه، والأرجح أنّه سيلقى المصير نفسه الذي لقيه التفاؤل الذي ساد قبل تسعة أشهر عقب مبادرة الحريري- فرنجية. بل طرأ عاملٌ إضافيٌ على الساحة الدولية اليوم يجب أن يجعل المتفائلين أكثر روية وهدوءاً، وهو قرب موعد الرئاسة الأميركية. فإلى حين استلام الرئيس الأميركي الجديد مهماته فمن الصعب أن نشهد أي حلول في بؤر التوتر واللااستقرار في المنطقة ومنها لبنان، بل على العكس سنشهد المزيد من الضغط السياسي والعسكري من جانب مختلف أطراف الصراع التي ستسعى لتحسين شروطها الميدانية والسياسية قبل مجيء ساكن البيت الأبيض الجديد. فالزمن ليس زمن حلول و"الكلمة للميدان"، كما قال نصرالله الثلاثاء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها