الإثنين 2016/08/29

آخر تحديث: 05:34 (بيروت)

"الأقلية" السنية في "لبنان المفيد"!

الإثنين 2016/08/29
"الأقلية" السنية في "لبنان المفيد"!
نصرالله: اقبلوا بما نريد الآن، فغداً لن نقبل نحن به (عزيز طاهر)
increase حجم الخط decrease
يقف الجمهور السني في القرى البقاعية والشمالية المتاخمة للشريط الحدودي مع سوريا، أمام خريطة "سوريا المفيدة" التي باتت ملامحها مرتسمة في الأفق. شريط خلا من أبناء ملتهم، بعد تهجير أهالي حمص والقصير وقرى القلمون، وإبرام اتفاقات قضت بخروج ما تبقى من أهالي المعضمية والزبداني وداريا، وتكثيف القصف على حي الوعر المحاصر، تمهيدا لتهجير من تبقى في حمص.

ويقف "ساسة السنة" في لبنان أمام هاجس نسف اتفاق الطائف أو ما تبقى منه، بحيث يستدل على هذا من المواقف والتصريحات التي يطلقها مسؤولو تيار المستقبل بين الحين والآخر، مذكرين بأهمية الاتفاق وضرورة تنفيذ جميع بنوده.

لم يسبق أن انتاب سنة لبنان هذا الشعور من قبل. تاريخياً، وفي زمن الانتداب الفرنسي، رفض السنة الكيان اللبناني المستقل قولاً وفعلاً. رفضوا الإنضمام إلى دولة لبنان الكبير ونادوا بالوحدة مع سوريا، حتى أن الكثير منهم من رفض احصاء عام 1932، ورفضوا الهوية اللبنانية، فبقي قسم منهم من مكتومي القيد. وبعد مرور سنوات، أدرك بعض زعماء السنّة، ومنهم رياض الصلح، أن مفهوم القومية العربية لا يتناقض مع الوطنية اللبنانية. لم يكن من السهل إندماج السنّة وخصوصاً سنّة الأطراف (البقاع والشمال)، في جسم الكيان الجديد بسبب العامل الجغرافي والتعامل الإقتصادي والاجتماعي لهؤلاء مع الداخل السوري.

ورغم أن صيغة رياض الصلح- بشارة الخوري، التي تحوّلت إلى ما سُمي "الميثاق الوطني" لاحقاً، وكيانية الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أزال الالتباسات التي اعترت نظرة بعض السنة اللبنانيين إلى لبنان الكيان والدولة، قد ساهمت في اندماج هذه الفئة الواسعة من المكوّن اللبناني في جسم الدولة، إلا أن سنّة لبنان لم يخافوا هذا الاندماج لعدم إحساسهم يوماً بالشعور الاقليّ، فعمقهم العربي والسني كانا كفيلين بتبديد أي هواجس.

كلام الصالونات السياسية والاجتماعية السنية صار على المكشوف، مُطعَّمًاً بالمخاوف والهواجس. فبسقوط داريا، وتهجير السوريين السنة من الشريط الممتد من الزبداني فحمص فالساحل، زاد الخوف من امكانية نجاح إيران في فرض دولة "سوريا المفيدة". وهذا ما قد يعطي محور الممانعة انتصاراً يغدو معه القبول بصيغة الحكم في لبنان، أمراً مشكوكاً فيه، خصوصاً أن للسيد حسن نصرالله مقولة لطالما رددها في خطاباته الموجهة إلى الطرف الآخر داخليا: "اقبلوا بما نريد الآن، فغداً لن نقبل نحن به".

مبعث القلق أيضاً، وفق أحد المراجع السنية في لبنان، هو أن الأطراف الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية، لم تعطِ في أي مناسبة انطباعا بأنها ضد تضخم الدور الإيراني في دمشق ومحيطها وصولاً الى الساحل. ومفاوضات الزبداني على سبيل المثال، التي أفضت إلى اخلائها من المدنيين والمسلحين، جرت في تركيا التي تبدلت أولوياتها من المطالبة باسقاط النظام السوري إلى وضع حد للتقدم الكردي في الشمال السوري، رغم محفاظتها على قدر معقول من الثوابت في الشأن السوري. ووسط الحديث عن المصالح الدولية الإستراتيجية وأولوياتها، قد يكون لبنان، وفق المرجع، مجرد تفصيل في المشهد العام. وقد تأتي التسويات على حسابه وحساب صيغة حكمه ودور اللبنانيين السنة فيه.

مرجع سياسي متشائم، يتحدث عن هواجسه بمزيج من الصراحة وخيبة الأمل، فيقول إن "اتفاق الطائف مات اكلينيكيا منذ زمن. وهو اليوم مجرد جثة تُنازع الروح، في انتظار التسويات الإقليمية وميزان القوى الجديد الذي سيفرض نظاماً إقليمياً جديداً، يكون لبنان جزءاً منه. فالطائف، الذي هو عبارة عن تسوية سعودية- سورية لإدارة الحكم في البلد، فقد رعاته الإقليميين". ويسأل: "أين العرب اليوم لبنانياً وأين النظام السوري الذي انتهى وأصبح يعيش تحت وصاية روسية- إيرانية؟".

جماهيرياً، يتراجع الاهتمام بالمتغيرات السياسية المفترضة، لتحلّ مكانه هواجس ومخاوف من عمليات قد تستهدف أمنهم. جزء كبير من الجمهور السني يسأل صراحة عن الأسباب التي دفعت المنظومة الإعلامية لحزب الله للتسويق، وللمرة الأولى بهذا الوضوح، لما يعرف بـ"سرايا المقاومة"، وحديث قائدها "الحاج رامي" عن جيش السرايا وقوامه 50 ألف عنصر لديه مهمات داخلية. جزء كبير من الجمهور يسأل علناً عن هذه المهمات، خصوصاً أن السرايا تنشط في المناطق السنية الخارجة عن سيطرة حزب الله: السعديات- برجا على الساحل الجنوبي، ومجدل عنجر- برالياس الواقعتان على طريق الشام الإستراتيجي لحزب الله، وسعدنايل الواقعة على طريق بعلبك- بيروت، وعرسال الواقعة في قلب جغرافيا "سوريا المفيدة".

تسقط صور تغريبة أهالي الشريط الحدودي الأصليين على سنة لبنان كالسيف على رقابهم. جبل من نار بات يفصلهم عن عمقهم العربي السني الذي أراحهم وشجعهم على الإنخراط في الكيانية اللبنانية. حتى العمق العربي لم يعد، وسط ما يجري في الأقطار العربية، الضامن لسنة لبنان. فأوضاع سنة "بلاد الأرز" أفضل اليوم من أوضاع نظرائهم في كل من سوريا والعراق في ظل التهجير الممنهج الذي يطالهم.

ولكن أي مستقبل ينتظرهم هنا؟ هل يتحولون إلى طائفة تحس بالشعور الأقلي على غرار نظيراتها مع تشكل سورية المفيدة وربما لبنان المفيد لإيران؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها