الإثنين 2016/06/27

آخر تحديث: 18:33 (بيروت)

انفجارات القاع: عودة سؤال السيادة

الإثنين 2016/06/27
انفجارات القاع: عودة سؤال السيادة
لبنان أمام فصل جديد من الاحتدام السياسي (حسن عبدالله)
increase حجم الخط decrease
الاختراق الانتحاري في القاع، فجر الإثنين، دلّ في تداعياته على أمر أساسي مفاده أنّه في موازاة التهديد الخارحي الذي يواجهه لبنان تكراراً بفعل امتدادات الحرب السورية منه وإليه، تتفاقم الأزمة السياسية الداخلية على نحو أكثر حدّة مما كانت عليه في الفترة الماضية. واللافت أنّ انفجارات القاع أظهرت بسرعة قياسية، مقارنة مع التفجيرات الانتحارية السابقة التي ضربت لبنان خلال السنوات الماضية، عمق الخلاف اللبناني/ اللبناني حول مسائل الأمن والسيادة. إذ ما إن أفاق الناس والسياسيون من نومهم وعلموا بوقوع التفجيرات في البلدة البقاعية الحدودية حتى برز السجال حول من يحمي لبنان أثلاثية الجيش والشعب والمقاومة أم القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية حصراً؟ فضلاً عن صدور بعض الأصوات المؤيدة لـ"الحماية الذاتية" تحت أعين الدولة لكن من خارج "نظرية" الجيش والشعب والمقاومة.

إذاً، نحن أمام فصل جديد من الاحتدام السياسي بدأ قبل تفجيرات القاع وسيستمر بعدها وبوتيرة تصاعدية على الأرجح. وهو احتدام يستعيد عناوين كان اللبنانيون انشغلوا عنها في الفترة الماضية بأمور معيشية وحياتية بدءاً بقضية النفايات وصولاً إلى ملفات الفساد المثارة كلها. ولا شك في أنّ أبرز هذه العناوين المستعادة هو عنوان السيادة وارتباطه العضوي بموضوع الدفاع والحماية الأمنية. والحقيقة أنّ هذا العنوان ليس مستجداً على الواقع اللبناني إذ شكلّ محوراً أساسياً إن لم يكن المحور الأساسي للواقع السياسي/ الأهلي اللبناني. لدرجة أنّه يمكن القول إنّ سؤال السيادة هو "جوهر" السياسة اللبنانية "التاريخية"، وإن اختلفت أشكال مقاربة هذه السيادة وديناميات المطالبة بها والذود عنها.

لكن الأساس أنّ هذا السؤال لم يغادر الحياة اللبنانية يوماً وإن خبا في فترات معينة آخرها فترة ما بعد ضمور الاحتقان السياسي "الآذاري". وليس بلا دلالة أن يجري الحديث في لبنان خلال الفترة المذكورة عن "موت السياسة"، إذ إنّ "موت السياسة" في هذا البلد يعني إلى حد بعيد موت سؤال السيادة المطروح منذ قيام الكيان اللبناني.

اليوم، نحن أمام عودة سؤال السيادة وتشعباته من الباب العريض. وإذا كان من الصعب توقّع وتيرة الاحتدام السياسي ومستواه اللذين ستفرضهما عودة هذا السؤال في ظل تفكك "الجبهة السيادية" وبروز تحالفات سياسية جديدة على انقاضها، يبدو من الصعب أيضاً تصوّر بقاء مستوى السجال حول السيادة والسياسة الدفاعية والأمنية في حدوده الدنيا على ما كانت الحال في الفترة الماضية. فالواقع أنّ اللحظة السياسية الراهنة مختلفة عن تلك التي فرضت تراجع سؤال السيادة بعدما مالت موازين القوى بوضوح لمصلحة "حزب الله"، ابتداءاً من العام 2008.

اليوم طرأت متغيرات كثيرة على وضعية "حزب الله" سواء الحربية، في ظل الضغوط العسكرية التي يتعرض لها في سوريا، أو المالية بالنظر إلى الضغوط المصرفية التي يواجهها بعد قرار الكونغرس الشهير في هذا الشأن.

هذا الأمر لا يدفع إلى القول إنّ موازين القوى في لبنان بدأت تميل إلى خصوم "حزب الله" على تعددهم وخلافاتهم في ما بينهم. لكن في الوقت نفسه "حزب الله" اليوم غيره في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً في بدايات رحلته السورية حيث استطاع أن يحقق بعض "الانجازات"، بعد معركتي القصير والقلمون واللتين تراجعت بعدهما التفجيرات الانتحارية في الضاحية الجنوبية، باستثناء تفجير برج البراجنة الأخير. وقتذاك حصل ما يشبه "التطبيع" السياسي والأهلي مع "حزب الله"، سواء بصورة مباشرة كما فعل "تيار المستقبل" في الحكومة والحوار الثنائي برعاية الرئيس نبيه بري، أو غير مباشرة بتخفيف خصوم الحزب الآخرين نبرة هجومهم عليه. طبعاً، تبدّل أولويات القوى السياسة فرضت في مكان ما هذا "التطبيع"، لكن كذلك كان ثمة ما يشبه الاتفاق على دور لـ"حزب الله" في حماية لبنان، أو أقله لم يكن هناك انزعاج من دور كهذا للحزب. هكذا، بدت الأمور طيلة السنوات الماضية بغض النظر عن خلفية تعاطي خصوم الحزب معه.

راهناً، هناك شعور عام بأن "حزب الله" في وضع صعب. لم يعد الحزب قادراً على إقناع اللبنانيين بسهولة أنّه قادرٌ على حمايتهم من الإرهاب الآتي من سوريا، بعد غرقه في الوحول السورية وتكبده خسائر فادحة هناك طالت قيادات بارزة فيه. ناهيك بالضغوط المالية عليه والتي قد تخيف فئات من جمهوره فضلاً عن لبنانيين آخرين متعلقين بالنظام المصرفي اللبناني. وما يفاقم حراجة موقف "حزب الله" أنه حتى نظرياً لم يعد سهلاً عليه القول إنّ معركته في سوريا لحماية لبنان. فحلب بعيدة جداً عن بلاد الأرز، فضلاً عن أنّ اللبنانيين في غالبيتهم العظمى باتوا مدركين لصعوبة "الحسم العسكري" في سوريا، وبالتالي، باتوا على يقين بأنّ الحرب هناك طويلة، وكلما طالت غرق فيها "حزب الله" أكثر وأغرق معه لبنان. بمعنى آخر أنّ النظرة الإيجابية التي سادت في أوساط لبنانية مختلفة حيال تدخل الحزب في سوريا في بدايات حربها تحوّلت إلى سلبية اليوم، أو أقلّه تحولّت إلى نظرة "لا مبالية" تقول في سرّها "ليتدبّر الحزب أمره، المهم أن لا يتحمل لبنان تبعات ما جناه هو على نفسه".

لكن، في المحصلة من الصعب تصوّر بقاء لبنان بمنأى عن تداعيات إرتباك الحزب في سوريا. وهذا تحديداً ما قد يعيد إنتاج السؤال السيادي في لبنان، خصوصاً أنّ الحزب ما زال يكابر عليه. وغالب الظن أن "السجال السيادي" لن يأخذ في مدى زمني قصير المساحة التي شغلها في الواقع السياسي ما بعد العام 2005. لكن المرجح أنّ نشهد عودة تدريجية لهذا السجال الذي يزيد بالضرورة من تأزم الوضع الداخلي، خصوصاً في ظل انسداد أفق "الحل السياسي".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها