الإثنين 2016/05/30

آخر تحديث: 07:57 (بيروت)

واكتمل عقد الثنائيات الطائفية

الإثنين 2016/05/30
واكتمل عقد الثنائيات الطائفية
المستقبل يلوذ بسنيّته (تصوير: علي علوش)
increase حجم الخط decrease
على الإيقاعين السوري والعراقي، سارت الانتخابات البلدية وتحالفات القوى الطائفية والمذهبية اللبنانية. الجميع استُدرج إلى المستنقع الكانتوني، في وقت كانت الثنائية الشيعية هي السباقة، والتحقت بها الثنائية المسيحية في بداية العام الحالي، وانتظر "السنة" الإستحقاق البلدي لتنظيم الأطر، وسلك تيار "المستقبل" هذا المنحى، من بيروت إلى البقاع، وصولاً إلى الشمال.
كل ذلك قد يبدو مباحاً على الصعيد الانتخابي، لكن المحظور الذي سيلامسه الخطاب المستجد هو ما سيرسيه في مرحلة ما بعد الانتخابات، سواء بقي الخطاب على حاله، أم تغّير وعاد إلى جذوره الأساسية خصوصا لدى "المستقبل"، وتلك القائمة على "العيش المشترك، والمناصفة".
بعيد زيارة الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق عبد الرحيم مراد، المملكة العربية السعودية، سرت مداولات في لبنان حول المسعى السعودي المستجد للمّ شمل الطائفة السنية. دخل عامل المصالحات، وأسهمت في تعزيزها الإجراءات السعودية التصعيدية ضد "حزب الله"، ومطالبتها بموقف لبناني واضح تضامني معها، ما دفع الساسة "السنة" إلى التقارب، فكانت اللقاءات التي عقدها الرئيس سعد الحريري وميقاتي، محمد الصفدي وعبد الرحيم مراد وغيرهم.
قبيل ساعات من فتح صناديق الإقتراع في الشمال، خرج الأمين العام لتيار "المستقبل" أحمد الحريري في خطاب جديد نسبياً. أكد الحريري أنه قبل عودة الحريري وبعدها تمكن من توحيد المرجعية الروحية السنية، بعدما كانت الأمور ذاهبة إلى مكان لا يخدم الطائفة السنية والمصلحة الوطنية، في اشارة الى انتخاب المفتي عبداللطيف دريان. ولفت إلى أن المرحلة اليوم هي "لوحدة الصف: "نرى "حزب الله" وحركة "أمل" كيف يجتمعان، وكيف اجتمع الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، وبالتالي، الأحرى بنا، أن نتوحد ونوحد كلمتنا حتى نحافظ على موقعنا داخل النظام".
للوهلة الأولى يبدو أن الكلام مبرّر انتخابياً، لكنه قد يؤسس إلى حالة أكثر إنقساماً، ولا سيما في ضوء التوتر المتنامي بين "المستقبل" و"القوات"، والذي يعطي الإنقسام طابعاً طائفياً مستحدثاً بما يتخطى الإنقسام المذهبي، أي على قاعدة مسلم مسيحي. أكثر من ذلك فإن الصورة تبدو منقسمة إلى ثلاث ثنائيات، شيعية، مارونية، وسنية، وبذلك يكون "المستقبل" استدرج إلى الملعب الشيعي- الماروني، متخلياً عن ثوابته بالعيش المشترك بغض النظر عن النسبة، مؤكداً استمراريته في نهج الإعتدال.
عملياً، إن "وحدة الصف السني"، بحسب تعبير "المستقبل"، تأتي رداً على التحالف العوني- "القواتي". سياق الإتهامات المتبادلة بين حلفاء الأمس وخصوم اليوم، يظهر بواطن اللاوعي لدى فئات واسعة من اللبنانيين، بأن الخلاف يتعدّى السياسة، وأن بوادر الإنقسام لا تزال أقوى من أي أمر آخر. لتعود صورة "الكانتونات" اللبنانية إلى الذاكرة، إذ تبدّت مشهديتها الإنقسامية في مختلف المناطق، ما بين الضاحية والجنوب للثنائية الشيعية، زحلة وكسروان للثنائية المسيحية، بيروت وطرابلس للثنائية السنية. وبالتأكيد فإن هذه التقسيمات تبقى غير شاملة أو دقيقة، إذ إن هناك العديد من الإختراقات في كل تلك المناطق.
الأكيد، بغض النظر عن الشكليات والتصورات، ثمة واقع لبناني جديد قد يظهر في الأيام المقبلة، قائم على هذه الثنائيات والتحالفات الطائفية التي تطرح نفسها في مواجهة بعضها البعض، والتي تهدف إلى الحفاظ على مواقعها في النظام اللبناني، مدعومة بتحالفات تنويعية من هنا وهناك. حتى أن المسار الجديد الذي اتّخذه "المستقبل" يبدو قابلاً للتحالف مع الخصم المكرّس نفسه كحالة سياسية واقعية، على التآلف مع أي طرف آخر قد يشكّل حالة مستقّلة في المستقبل، تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى الوزير أشرف ريفي.
هذه التحالفات القائمة، وخصوصاً السنية منها، وبما أنها ستكون في مواجهة مع التحالفات الطائفية الأخرى، فمن المفترض فيها التوجه نحو التوتر الطائفي أكثر، بمعنى أن الخطاب سيحمل وجهاً آخر من وجوه التطرف تحت ظلال "الاعتدال"، وهذا من شأنه تسعير المواجهة طائفياً. الدليل الأبرز على ذلك، هو لجوء "المستقبل" إلى التحالف مع "الجماعة الإسلامية" في كل المناطق، ومع "الأحباش" في طرابلس. وهي صيغة مبتدعة للجمع بين المتناقضات من الطائفة الواحدة. هذا الإنقسام تعزّزه أيضاً، نسبة اللوائح التي جرى التصويت بها في بيروت، إذ إن هناك نسبة لا بأس بها عمدت إلى تشطيب المرشحين المسيحيين للمجلس البلدي، وأضافت مكانهم مرشحين سنة من لوائح أخرى، حتى أن المعلومات تؤكد أن التأخير في صدور نتائج بيروت، كان بهدف فرز الأصوات على نحو يحفظ ماء وجه الجميع، ويحفظ المناصفة المكرّسة، ولا يظهر حجم التشطيب "المسلم" للمرشحين المسيحيين، خصوصا أن بعض الناخبين المسيحيين عمدوا إلى تشطيب المرشحين المسلمين.
اللافت، أن حجم الإنقسام هذا، يوحي بمزيد من التوسع، وزيادة التشرذم على الساحة اللبنانية، والأخطر، أنه يتلاقى في مكان معين وإن بنسبة وشكل مختلفين عما يجري من تقسيم بالدم في سوريا والعراق. لكن مسار الامور، وضرورة القوى للحفاظ على حالاتها، تسهم في إعادة البلاد إلى ما قبل الطائف، وإن من الناحية السياسية لا الدستورية.
عند توقيع إعلان النوايا، عاب كثر في تيار "المستقبل" أن جعجع ذهب إلى ملعب "حزب الله". كانت قيادة "المستقبل" تعتبر أن الفرز الطائفي سياسياً يخدم "حزب الله" ونظرته إلى النظام السياسي مستقبلاً. ويومها رفع البعض شعار رفض تقوقع "المستقبل" ضمن البيئة السنية، بوصفه آخر متاريس حماية الطائف.
عملياً، لم ينسف "المستقبل" هذه القراءة عبر خيار الثنائية السنية فحسب، بل اتخذ خطوة إضافية على طريق الاعتراف بالثنائيات الأخرى، خصوصا في بيروت بعدما تحالف معها، ومنحها حق تقرير المصير في الحصة المسيحية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها