الجمعة 2016/04/29

آخر تحديث: 09:39 (بيروت)

زاروب الحرامية...

الجمعة 2016/04/29
زاروب الحرامية...
increase حجم الخط decrease

يعتقد المتسرِّعون من أثمان المفكّرين السياسيين أنّ أساس مشكلة البلد اليوم تُختصر بشغور كرسي رئاسة الجمهورية. يشدّ على مشدّ هؤلاء ويناصرهم تاريخياً جناب سيد بكركي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي وقع أخيراً على جملته المفضلة: "إن الباب لكل الأمور اسمه رئاسة الجمهورية".

لكن حقيقة الأمر تبدو لنا مختلفة، أساسها كما نراه من موقعنا أمام فنجان القهوة، ليس مبنياً من مواد كرسي بعبدا بالتحديد ولا هو مرتهنٌ لتربّع شخص بعينه عليها. فالشغور الرئاسي، وليعذرنا أصحاب "الفهّامات"، ليس سبباً بل نتيجة، وبالتالي فإن الغرق في محاولات حلّه المُضنية وغير المُجدية، أشبه ما يكون بإهمال  معالجة المرض والإنصراف لمواجهة أعراضه الجانبية. وهذا، كما يعلم تسعة أعشار اللبنانيين، لا يُنقذ المريض ولا يقضي على الداء.

والواقع أن اليوم هو يوم عمل وليس يوم تنظير، والمرحلة التي يمرّ بها البلد خطيرة، تحتّم على الغيارى كشف المسكوت عنه والإضاءة على السبب الحقيقي للشغور الرئاسي، قبل أن يؤدي تواصله واستمراره إلى استفحاله وتحويله عُرفاً مكوِّناً داخل نسيج النظام السياسي القائم، يتجلّى بعد حين بجمهورية تتواصل من دون رئيس. ولا يمكن تجنّب هذا المصير العجيب إلا بفضح السرّ وكشف القطبة المخفية والتي تتمثّل في نقطة واحدة محددة: الرغبة الشريرة لدى البعض في ارتكاب جريمة تغيير قانون الإنتخاب النيابي المعمول به. إن العبث بالقانون الحالي أو محاولة تعديله أو تطعيمه أو تحديثه أو تبديله... ستنعكس مباشرة وبشكل كارثي على النظام السياسي القائم برمّته. ففي روح هذا القانون الستيني وجسده يكمن، ليس فقط مآل رئاسة الجمهورية، بل مصير النظام برمّته، بما في ذلك قدرته الاستمرارية وطاقته السحرية على ابتلاع كلّ ثائر أو تغييري أو آدميّ أو صاحب رؤى، وإعادة إنتاجه طاغية متسلّطاً يتفرّع لمواسم الخس داخل الراس.

فقد بات واضحاً للجميع أن صياغة أي قانون انتخاب عصري بديل للموروث الموجود، سيؤدي تطبيقه إلى كارثة حتمية تُطيح بالزعامات الوطنية التي خرجت من الزواريب إلى سدّة الحكم، وتستأصل شأفة الرعاع والأفاعي ممن يرابطون على أبواب جنّة الإدارة... ينهبون المال العام ويبيعون الوظائف والمناصب لمن يدفع أكثر، تماماً كما تعلّموا من الوُلاة الترك الذين ساموا المشرق صنوف الهمجية والتوحش على امتداد أربعمائة سنة من الطاغوت لم تقم خلالها أي ثورة شعبية ضدّهم. وأمام إصرار المصرّين على إصلاح القانون أو تغييره، وربما تخوّفاً من المصير البائس المترتب على ذلك، إرتأت حكمة رئيس المجلس النيابي التراجع عن تهديد "المجتمع العوني- القوّاتي"،  والإحجام عن عقد جلسة تشريعية بمن حضر، ثم تعمّده إخراج صندوقة القوانين من القبو وإقامة جنازة جماعية لها في مبنى ساحة النجمة، وتشييعها إلى مقبرة اللجان... مرة أخرى أيضاً.

هذا بالنسبة للقانون المذكور. أما بخصوص شؤون الدولة والحكم الأخرى وفي طليعتها فضيحة الإنترنت التجسسي غير الشرعي والسرقات المالية الموصوفة الناجمة عنه والمتصلة به، فمن المُريح أن يأخذ المواطن علماً بانتهاء أسابيع التفظيع الكلامي وهدم الجدران على الرؤوس، وما تخلل ذلك من تحقيقات واستقصاءات وصراخ سياسي على شاشات البثّ المباشر، مع إراحة الملف من جلبة التجوال بين النيابات العامة العسكرية والتمييزية، حتى عودته الميمونة في النهاية إلى القضاء العسكري. نقول إنه من المُريح أن يأخذ الأقوام علماً بأن الأحكام القضائية المنتظرة على أحرّ من شوّايات الدجاج، قد صدرت أخيراً، وبدا أنها من النوع الذي يمكنه أن يُثلِج صدر من يشاء. وكان يمكن أن تكون أفضل لو نظرت العدالة بعين المسؤولية إلى إنترنت الباروك الأول (قبل سنوات) والذي طُوَيَ ملفّه في حينه بقدرة قادر معروف - مجهول.

وبينما يستعد رئيس الحزب العوني الوزير جبران باسيل لـ"تحرير جزين" مرة ثانية، بلدياً ونيابياً في آن واحد، لا يجد خصمه الشيعي هناك سوى الإصرار المتجدد على محاصرة... جهاز أمن الدولة (!) وكأنه مُلكية خاصة لحليف الحليف، مع واحدة من أكثر النكات الديمقراطية سواداً والمتمثّلة بـ"حرمان هذا الجهاز الأمني من الحصول على داتا الإتصالات للقيام بواجبه الأمني"(!). وفي غمرة هذا الحقد الاستراتيجي المتبادل، يسها عن البال أن الظرف الأمني اليوم لا يختلف عمّا كان عليه منذ سنوات حين (هربوا من الإنتخابات بالتمديد)، بحيث يُثبت بما لا شك فيه أن ذلك التمديد كان "ضربة كُمّ" تشريعية وغشّاً صافياً لا مبرر واقعياً ولا قانونياً ولا دستورياً له.

على هذا الإيقاع البنّاء تستمر الفوضى ويتواصل "دقّ الميّ" في زاروب الحرامية، كما تستمر التحقيقات "الجادة والمحترفة والرصينة... ألخ من قبل القيادات الفلسطينية في عاصمة الشتات وجواراتها امتداداً إلى جميع الأراضي اللبنانية السائبة، لتحديد، ليس الإسم فقط، بل أيضاً رقم الضمان الاجتماعي للعميل الإسرائيلي الذي دسّ المتفجرة في سيارة القيادي الفتحاوي المغدور،  وتحت مقعده تماماً (تجنّباً للخطأ)، مع تحديد هوية الراصد الذي غطّى وسهّل للفاعل تنفيذ عملية الدس بأمان، فضلاً عن الأشخاص الآخرين (الثالث ومن بعده) والذين  لا نعرف بعد الأدوار التي لعبها كلٌ منهم على وجه الدقة والتحديد. وفي سبيل بثّ الاطمئنان ونشر التفاؤل الوطني هوّنت صحيفة "النهار" اللبنانية المسائل ناقلةً عن لسان قيادي فلسطيني لم تذكر إسمه، تأكيده أن "ليس من الصعوبة معرفة الجهة التي وقفت وراء الاغتيال"، ما يعني أن إماطة اللثام عن شخصية الجهة المجرمة لن يكون مستحيلاً جديداً يُضاف إلى اللائحة، وأن التحقيقات لن تنتهي كما جرت العادة في خزانة الغبار والعفن إلى جانب أشباهها المتراكمة منذ انطلاقة "فتح" في 1/1/ 65، لا سيّما وقد علمت الجريدة إياها (على أمانتها) أن الأمل يمكن عقده على ما توفّر مما أسمته "جملة من المعطيات الحسية..." إلى آخره من الكلام الذي يمكن أن يعني أيّ شيء.

وفي عزّ هذه الزحمة، لا يبقى أمام فاقدي الأمل بالغد سوى... حكومة المصلحة السلامية "ينقّون" على رأسها مع إبقاء العين عليها، ليسارعوا كلما لزم الأمر إلى الإمساك بتلابيبها في اللحظات الأخيرة قبل أن تُلقي بنفسها من صخرة الانتحار التي... تتدرّب مع محيطها كي تصير "أرضاً خاصة".

وفي هذا السياق لا يجوز لأيّ كائن انتقاد الرئيس سلام بعد أن بلغ صبره غاية المنى. فالمشكلة ليست معه بل تكمن في صديقه الشخصي أسوأ وزير بيئة في تاريخ الحكومات العربية، الذي كلّما نسيه الناس، يُطلّ على الشاشة بين عديد الوزراء، وهو المعروف أنه  لا يقوم بأيّ عمل منتج (على ما يعلم وزير الزراعة)، اللهم إلا اهتمامه المشكور بهندامه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب