الجمعة 2016/02/05

آخر تحديث: 15:03 (بيروت)

حاول أن تفهم...

الجمعة 2016/02/05
حاول أن تفهم...
increase حجم الخط decrease

"حزب الله" يؤيد بشكل تام ونهائي لا لُبس فيه، رغبة الجنرال ميشال عون في  الوصول إلى سدّة رئاسة الجمهورية، ولا يني يكرر موقفه هذا ويُؤكد أنّ للرجل عليه "دين في الرقبة إلى يوم القيامة"... (هذا بينما زعيم المردة يدير "الأذن الصمّاء" ويتابع لهاثه متابعة من لم يسمع).

الحزب ذاته وبلسان أمينه العام شخصياً، يرى في سليمان فرنجية " حليفي وصديقي ونور عيني".

بالمنطق البديهي يُمكن أن تُؤدّي هاتان المقدّمتان إلى تساؤلٍ ساذج وغاية في البساطة، مفاده أنه طالما الحزب يناصر ميشال عون إلى هذه الدرجة الإستثنائية، حتى ليقدِّمه على "الحليف والصديق ونور العين"، فما الذي منعه ويمنعه من توجيه إشارة لهذا الحليف، ولو بالتلميح، بالانسحاب لصالح عون، في حين أن الكل يعلم أن إحدى العقبات الأساس التي تحول دون وصول عون، تتمثّل بترشيح النائب فرنجية؟!

نعم، ما الذي منع ويمنع الأمين العام من توجيه هذه الكلمة السحرية...، ولو فعلها ورغب إلى فرنجية أن "يهوِّنها"... لما تردد زعيم المردة في التلبية، فيهون الصعب وربما تفكّ عقدة الرئاسة ويُفسح المجال أمام مرشح الحزب الوحيد الأوحد للوصول إلى حيث يصبح للجمهورية رئيس...؟

على هذا التساؤل سوف يجيب الأقل ذكاء بما كان أعلنه السيد حسن نصرالله نفسه في كلمته الأخيرة من أنه حتى لو إنسحب رئيس "تيّار المردة" وإصطفّت كامل قوى "8 آذار" خلف "الجنرال"، فثمّة إحتمال بأن يلجأ "تيّار المُستقبل" ومن معه إلى خيار عدم تأمين النصاب". وهذا احتمال وارد بالفعل. لكن، أليس السيّد، ومعه دولة الرئيس الحليف، أعلنا، كُلٌ من طرفه وعلى طريقته، أن لا رئيس من دون مشاركة جميع الأطياف قاطبة في عملية الإنتخاب، وأن لا رئيس من دون حصوله على مباركة الجميع من دون استثناء. فكيف يتصوران أن يتحقق ما يقررانه...؟ ليس بالطبع "بنورٍ يقذفه الله في الصدر"، بل بالضرورة بل بخفض جدران العناد والتعالي وخوض عمليات تواصل مباشرة وحقيقية مع قيادات الطرف المقابل، وتحديداً مع الرئيس الحريري نفسه، مع بذل جهود إضافية في هذا السبيل بمعونة صافية من "إبن الخط" و"نور العين" بك بنشعي سليمان فرنجية الذي بات، بعد اللقاءات والتفاهمات، أقرب ودّاً إلى الحريري وأخبَر بشِعابه.

في خطابه الأخير أبدى السيد نصرالله ثقته التامة بالإنتصار الذي تحقق، وهو لا يخدع نفسه. وبناء على قناعته، ينبغي عليه كـأيّ "منتصر" المبادرة بمدّ اليد بل الأيدي جميعاً للشريك في الوطن، في سبيل إعادة بناء ما بات في أمس الحاجة إلى إعادة البناء؟ ولا يخفى على السيد بالطبع أنه وإن انتصر في السياسة، فهو لم ينتصر على الوطن ولا على الشركاء.

صحيح أن هذه الخطوات ليست سهلة كمثل توصيفها والحديث بشأنها. لكن، متى كان إنقاذ البلاد والعباد سهلاً كما  تثاؤب الناعس؟

وعلى الجهة المقابلة، ثمّة ظروف فاعلة تساعد على تقبّل اليد المدودة، حين تمتدّ، أولها وأبرزها مصلحة الرئيس الحريري (اللبناني والسعودي) في نوع من التوافق العادل الذي يساعد على إعادة تأهيل آلياته كمرجع سياسي، وضمان حقوقه وتياره ومن وما يمثل، في سبيل استعادة السلطان من جديد والاطمئنان إلى المستقبل، ولا سيما في زمن "شحّ المال السعودي"، وهو الذي  سبق له إطلاق شعار الحوار "الضروري والشرعي" مع "حزب الله" من منصة "البيال". هكذا إنجاز لا يمكن أن يتمّ إلا بتفاهم حُبّي مع الطرف الآخر، يتجلّى على أحسن ما يكون بحكومة توافقية تشكل الطريق الوحيد لاستعادة الحريري شعبيته التي لا بقاء له من دونها، ولاستعادة الوطن والمواطن الأنفاس بعد سنوات التيه والعذاب والإنهيارات، وقبل كل ذلك وبعده، لوصول مرشح "حزب الله" إلى سدة الرئاسة.

وتزداد حاجة الحريري إلى ذلك في ظل المخاوف المشروعة التي ينبغي أنه يعانيها بسبب ما يُمكن اعتباره نوعاً من الإنقلاب المسيحي الذي ترتّب على "يوم معراب"، ضدّه وضدّ قانون الانتخاب الذي يفضله وحتى ضد اتفاق الطائف الذي يضمن له سلطانه.

كل هذا بينما يتأكد يومياً أن الرهان على بك بنشعي يتجه نحو الخسران المبين... والأسباب شتّى، في طليعتها مخاشنة رئيس تيار المردة نفسه للحليف العوني وتركيزه الهجوم عليه وتعييره إياه بالصوت الشيعي في بعبدا وجبيل وكسروان وجزين "الذي لولاه لكان عدد أعضاء كتلة العماد عون قد تناقص الى حدود أصابع اليد الواحدة". كل هذا وفرنجية وكل مهتم يعلم علم اليقين أنه في ظلّ المعادلات القائمة، فلا امكانية لوصوله الى قصر بعبدا من دون مباركة ورضا جنرال الرابية.

الاكتفاء بهذا القدر يُبقي الكلام في حدود الأمان. لكن ثمة بعد وقائع يُفضّل عدم وضعها على الطاولة اليوم، لترك فرصة للتهوين. فوضع بعض النقاط على الحروف، قد يخدم الحقيقة أحياناً، لكنه لا يخدم الغرض الذي ينبغي أن نتوخّاه في هذه المرحلة، وهو "الخروج من المولد ببعض الحُمّص"..على الأقل. وعسى ألا تضطر الأحداث إلى إعلان كل شيء ذات غد قريب.

وحتى ذلك الحين: حاول أن تفهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب