الجمعة 2016/12/09

آخر تحديث: 16:44 (بيروت)

الميكانيك: الشركة "تأكل" من رواتب الموظفين

الجمعة 2016/12/09
الميكانيك: الشركة "تأكل" من رواتب الموظفين
الشركة طلبت من الموظفين عدم الحضور الى العمل ريثما تعود الأمور الى طبيعتها (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
في وقت تستمر فيه اضرابات اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في لبنان، والتي ترفع شعار إعادة خدمة الميكانيك إلى كنف الدولة، وإلغاء تسليم إدارتها الى الشركات الخاصة، فضلاً عن رفض قانون السير الجديد ورخص السوق الجديدة، ترتفع في أرجاء مراكز المعاينة أصوات الموظفين الذين يدفعون ثمن الاضرابات وتوقف عمل شركة "فال" التي تشغل مراكز المعاينة.

الشركة التي انتهى عقد تشغيلها القطاع، وتنتظر تلزيم المشغل الجديد، وهو شركة SGS، تحاول اليوم "التنعّم" بسلطة ممددة لها بفعل إبطال مجلس شورى الدولة لمفاعيل المناقصة الجديدة. والتنعم بالسلطة التي باتت شبه مطلقة في ظل غياب رقابة الدولة، أفضت إلى حسم مبالغ مالية من رواتب الموظفين، بعدما لوّحت الشركة بإيقاف الرواتب، منذ منتصف شهر تشرين الثاني المنصرم.

ايقاف الرواتب عُدّل إلى اقتطاع اجزاء من راتب كل موظف، بالإستناد إلى مدة العمل ومدة العطل التي أخذها الموظف. علماً أن الشركة هي من اعطت الموظف الحق في عدم الحضور إلى العمل، ريثما تنتهي الاضرابات وتفتح ابواب الميكانيك، وفق مصادر في أحد مراكز المعاينة، لـ"المدن". وتؤكد المصادر أن الشركة ابلغت الموظفين بضرورة العودة إلى منازلهم، على أن تطلبهم للعمل ريثما تستقر الأمور. وبعد يومين أو ثلاثة، تنبّه جزء من الموظفين للعبة كانت تدبّر من قبل الشركة، فعادوا إلى مراكزهم، مطالبين بالإلتزام اليومي بدوام العمل، بغض النظر عن حضور السيارات للمعاينة أم لا. وبالفعل، فإن اللعبة تُرجمت في الواقع، وحسمت الشركة ما يوازي أجرة أيام العطلة، متذرعة بأن التعطيل رتّب خسائر على الشركة، ولا يجوز تحميلها وحدها قيمة الخسائر. حتى ان الشركة- وفق المصادر- رأت أن ما دفعته للموظفين، ليس إلاّ "كرم أخلاق" منها، فهي غير ملزمة بالدفع في ظل هذا الواقع.

ما يشكّل العقدة الأبرز بالنسبة إلى الموظفين، ليس حسم الرواتب، إنما غياب الجهة الضامنة لحقوق العمال، والاستمرار في تحاصص مرفق عام مهم بالنسبة إلى المواطنين.

في ما يخص الجهات الضامنة للحقوق، تشير المصادر إلى عدم وجود جهة نقابية رسمية لعمال الميكانيك، إذ هناك مجموعة من العمال تجتمع وتنسّق نشاطاتها ومواقفها مع الاتحاد العمالي العام، من دون أن يكون لها اوراق رسمية في وزارة العمل تؤكد وجودها كنقابة رسمية. وهناك مجموعة أخرى تنسق تحركاتها مع الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، إلا أن لديها أوراقاً في وزارة العمل، لكن الوزارة لم توقع الأوراق حتى اليوم. مع الإشارة إلى أن هناك مجموعة أخرى من الموظفين، مدعومين من القوات اللبنانية، يحاولون تشكيل نقابة.

هذا الصراع الداخلي لتشكيل نقابات موزّعة، تتحدث بإسم الموظفين، يُضعف موقف الموظفين أنفسهم، خصوصاً أن طرفاً أساسياً من بين العمال، يدور في فلك قطب سياسي يهيمن على تحركات السائقين، ويربط المطلب المحق بالمصالح الضيقة. إذ إن إعادة المعاينة إلى كنف الدولة، هو مطلب محق، يؤيده معظم الموظفين، ويؤيدون اعتماده بالنسبة إلى أكثر من قطاع، لكن استعمال هذا المطلب لدعم مصلحة ضيقة، هو أمر غير مرغوب به.

وأبرز مظاهر المصلحة الضيقة، هو رفض طرف سياسي بارز، نتائج المناقصة الجديدة لأن من فاز بها يعبّر عن "خط تيار المستقبل". وعليه، لا مصلحة لبقية الأطراف في هيمنة تيار المستقبل على المعاينة بالكامل.

أما شركة "فال"، فهي المستفيد الأول والأخير من هذا التعطيل، فاستمرار الوضع على ما هو عليه يعني انتفاع الشركة من أي ظرف جديد، فضلاً عن محافظتها على صفتها الرسمية كمشغل ممدد له. وبما أن تسليم المتعهد الجديد قد لا يدخل حيز التنفيذ، أو قد تُعاد المناقصة كلياً، يعني أن "فال" تحظى بأولوية الاستمرار بالعمل. وخسارتها غير واردة، لأن طبيعة عملها لا يدخل في حسابات الربح والخسارة، فحتى وإن طالت الازمة، فإن السيارات ستعود لإكمال فحوصاتها والحصول على براءة الذمة، وبالتالي ستدفع التكاليف.

وهنا، تُثار علامات الاستفهام حول القرار الأخير الذي يقضي باعفاء السيارات من رسوم الميكانيك. فهذا القرار شكّل ذريعة للشركة لتشهر سلاح الخسارة في وجه الموظفين، لأن الاعفاء يعني عدم قبض الشركة أي رسوم، وتحصيلها أي أرباح.

بوادر حل أزمة الاضرابات غير ظاهرة حتى الآن، وقد لا تظهر طالما أن التحركات مستندة إلى قرار سياسي. وشركة "فال" مستفيدة من الستاتيكو الحاصل، في مقابل شرذمة صفوف العمال وغياب النقابات العمالية الحقيقية. وعليه، فإن الثمن الأكبر حتى الآن دفعه عمال الميكانيك، والخوف، هو دفعهم لاحقاً لضريبة الصراع السياسي في هذا القطاع. فهل تكون الضريبة عبارة عن تسريح اعداد كبيرة من الخدمة، أو حتى حسومات جديدة من الرواتب المقبلة؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها