الجمعة 2016/12/09

آخر تحديث: 00:19 (بيروت)

"النأي بالنفس" لن يكون كافياً لحماية لبنان

الجمعة 2016/12/09
"النأي بالنفس" لن يكون كافياً لحماية لبنان
حسون استخدم منبري بكركي وقصر بعبدا لتظهير موقف رسمي ومسيحي مؤيد للنظام (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
ليس من قبيل الصدفة أن تتزامن زيارة مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون لبنان الأربعاء، ولقائه حصراً رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني، مع كلام الرئيس السوري بشار الأسد لصحفية "الوطن" السورية عن أن انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية هو انتصار لسوريا ولبنان، "خصوصاً عندما يعرف هذا الرئيس بأنه لا يُمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللاسياسة أو ما سُميت سياسة النأي بالنفس".

مقابلة الأسد مع "الوطن" في توقيتها ومضمونها تؤشر إلى مرحلة جديدة في سلوك النظام السوري بعد معركة حلب. يتكلم الأسد بلغة المنتصر وإن اعتبر أنّ "ربح حلب لا يعني نهاية الحرب في سورية، لكن محطّة كبيرة باتجاه هذه النهايةً". كذلك نعى الحل السياسي للصراع في سوريا، معتبراً أنّ "العملية السياسية لم تكن سوى وسيلة لكي يحقق الإرهابيون ما لم يتمكنوا من تحقيقه في الميدان"، و"الحل الوحيد المتاح بالتوازي مع ضرب الإرهابيين هو المصالحات التي تقوم بها روسيا في سوريا". وهذا كلام يؤشر إلى أنّ الأسد لم يعد يشعر بالخطر، وقد حاول الإيحاء في حديثه أنّ النظام لم يعد أسير الأزمة السورية بل بات مستعداً للتدخل في الشؤون الإقليمية التي كان له دور فيها قبل الأزمة ومنها الشأن اللبناني، وليس أدّل على ذلك من نصيحة الأسد لعون بالتخلي عن سياسة النأي بالنفس، فضلاً عن مغازلته النظام المصري ودعوته لتطوير علاقته مع نظام دمشق.

زيارة حسون تأتي في السياق عينه، أي في سياق تأكيد النظام في سوريا أنّه لم يعد أسير الحرب، وبالتالي هو يستعد للعودة إلى لبنان مستبقاً عودته هذه بمحاولة تصوير العهد الجديد موالياً له رغم تأكيد عون في خطاب القسم على انتهاجه سياسة خارجية لبنانية مستقلة عن سياسة المحاور في الإقليم، وهي السياسة الوحيدة التي تضمن الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني خلال ولاية عون بالنظر إلى عمق الإنقسام الداخلي حول التطورات الإقليمية، وبالنظر أيضاً إلى حاجة العهد إلى علاقات جيدة مع الدول العربية والغربية.

لكنّ نظام دمشق لم ولن يبالي بالمصلحة اللبنانية. بل على العكس من ذلك، هو يريد توظيف لبنان لخدمة مصالحه وتلميع صورته باستخدامه منبراً يوجه من خلاله رسائل حيث يريد.

وليس في لبنان منابر محققة للوظيفة التي يريدها النظام السوري للبنان مثل منبر رئاسة الجمهورية التي يتبوأها مسيحي ماروني ومنبر البطريركية المارونية. باستخدامه هذين المنبرين- كما فعل المفتي حسون الأربعاء- يصيب النظام السوري عصفورين بحجر واحد. فهو يستخدم منبراً لبنانياً رسمياً هو رئاسة الجمهورية للقول إن الدولة اللبنانية حليفة له ومؤيدة له في "حربه على الإرهاب"، ويستخدم أيضاً منبراً مسيحياً مارونياً للإيحاء بأنّ المسيحيين في لبنان يؤيدونه أيضاً. وهو ما يخدمه في مخاطبة الغرب حيث ينمو خطاب حماية مسيحيي الشرق من التطرف الإسلامي بكثير من التشويش وتشويه الحقائق.

هذا ما يريده النظام السوري، لكن ماذا عن رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية اللتين استضافتا موفده المفتي حسون؟ هل هما في وارد تحويل قصر بعبدا والمقر البطريركي إلى منبر لنظام دمشق؟ هذا سؤال لم تظهر إجابات واضحة من كلا المرجعيتن عنه بعد. لكنّ  حذف الدوائر الإعلامية في كل من قصر بعبدا والصرح البطريركي ببكركي عبارات من كلام حسون فيهما- حذف إعلام القصر الرئاسي عبارة "صباح حلب الحلو" من البيان الموزع عن كلام حسون بعد لقائه عون. ثم حذف إعلام بكركي كلام حسون عن توجيه الراعي "تحية حب إلى سوريا وقائدها وجيشها وتهنئة بالانتصارات"، لتستعيض عنه بـ"تحية حب من صاحب الغبطة إلى سوريا، آملاً أن يعود السلام إلى سوريا"- دليل إلى أن الرئيس والبطريرك مدركان خطورة الزيارة والمواقف الصادرة عنها.

وتجاوزاً للنقاش الدائر في بيروت عن سبب استقبال كل من عون والراعي- وخصوصاً الراعي- لهذا "الضيف الثقيل"، خصوصاً أنّه لم يزر سواهما من القيادات الرئيسية في بيروت ولم يكن في عداد وفد يضم رجال دين سوريين، فإنّ حسّون وإنّ كان هدفه إحراج مضيفيه إلّا أنّه ما كان ليزورهما لولا اتخاذهما ماضياً مواقف من الأحداث السورية كانت أقرب إلى تأييد النظام. بدءاً من حديث الراعي الشهير عن "بشار الرجل الطيب" بعد لقائه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في الإيليزيه في العام 2011، وصولاً إلى زيارته سوريا مرتين خلال الأزمة وإلقائه خطاب من منبر وضعت عليه صورة الأسد. كذلك مواقف عون في المرحلة الماضية كانت مؤيدة للنظام إلى هذا الحد أو ذاك.

لكن في الآونة الأخيرة لم تصدر عن الرجلين مواقف منحازة إلى النظام. حتى أنّ كلام عون إلى "فرانس- كاتوليك" أخيراً لم يحمل تأييداً واضحاً للأسد. والحال هذه يحاول النظام السوري دفع القيادتين المسيحيتين الأبرز في لبنان إلى إعلان تأييدهما له أو تصويرهما مؤيدتين له، بما يصوّر المسيحيين اللبنانيين جميعاً في صف النظام. وهذا فخٌ خطير حبذا لو يحاذر كل من عون والراعي الوقوع فيه، لا لأسباب مصلحية سياسية بحت متصلة بمقتضيات المرحلة الجديدة في لبنان، بل لأسباب أخلاقية وحضارية متصلة بدور المسيحيين في لبنان والمنطقة وبعلاقتهم مع مواطنيهم المسلمين أيضاً. وتجربة المسيحيين في الحرب اللبنانية وما بعدها يجب أن تكون سبباً كافياً للشك في نوايا هذا النظام تجاه لبنان وتجاههم على وجه الخصوص. وما يجدر استخلاصه من كلام الأسد وزيارة حسون أنّ سياسية "النأي بالنفس" لن تكون كافية لمواكبة المرحلة المقبلة التي ستشهد محاولات من جانب نظام دمشق للعودة إلى الساحة اللبنانية..
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها