الجمعة 2016/12/16

آخر تحديث: 01:08 (بيروت)

تقرير ظل عن السجناء: يعذبون سراً

الجمعة 2016/12/16
تقرير ظل عن السجناء: يعذبون سراً
عند توقيف الشخص يتمّ تعذيبه من أجل إنتزاع إعتراف أوّلي منه (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
"عندما اعتقلتني مخابرات الجيش في أيار 2010، كانوا يريدونني أن أعترف بأنني جاسوس لمصلحة الموساد. قيدوني إلى الطاولة. بدأوا ضرب قدمي. بدأ ينتابني شعور غريب جداً، شعور يتمثل بالحر والأبر في يدي وقدمي، وشعرت بأنني على وشك الاغماء. كنت أصرخ وأبكي. فظلوا يكررون: كنت جاسوساً اعترف. في النهاية، وقّعت جميع الأوراق..". - شهادة موقوف



لم يتأخر لبنان عن موعد تقديم تقريره الأوّلي إلى لجنة مناهضة التعذيب سوى 15 عاماً. ذلك أن التاريخ المحدّد لتقديمه كان في العام 2001، في حين أن التسليم تمّ في آذار 2016. أما ذريعة التخلّف عن هذا الإلتزام فكانت، وفق الدولة اللبنانية، "الظروف الإقتصادية والاجتماعية والأمنية الاستثنائية التي مرّ بها لبنان في السنوات 14 الماضية". لكن للمركز اللبناني لحقوق الإنسان رأياً آخر في المسألة. فهو يعزو هذا التأخير إلى "غياب الإرادة السياسية عند السلطات اللبنانية للقضاء على التعذيب".

عليه، أعدّ المركز تقريره الخاص، الذي تناول فيه رؤيته النقدية للبيانات المقدّمة في التقرير الأولي، مقدّماً معلومات بديلة وفاضحاً الممارسة المستمرة للتعذيب في لبنان. وسيقدّم المركز "تقرير الظل" هذا إلى لجنة مناهضة التعذيب خلال دورتها الستين المقرّر إجراؤها بين 17 نيسان و12 أيار 2017. وقد أطلق المركز هذا التقرير خلال مؤتمر صحافي عقد، في 15 كانون الأوّل في فندق Smallville، عرض خلاله رئيس المركز وديع الأسمر أبرز النتائج التي توصّل إليها بعد 20 سنة من توثيق حالات التعذيب في لبنان.

وتشير الإحصاءات التي استند إليها المركز في تقريره إلى أن "60% من الأشخاص الذين اعتقلوا في لبنان لأكثر من سنة في الفترة الواقعة بين 2009 و2015" تعرّضوا لأحد أنواع التعذيب، خصوصاً خلال التحقيقات الأولية أو خلال الاعتقال "الإداري" (أي إعتقال الأجانب).

ويفضح التقرير عدم إلتزام الدولة اللبنانية بأحكام إتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها منذ 16 عاماً، فلم يعتمد منها سوى المادة 3، التي أستند إليها في "حالات قليلة" لمنع ترحيل اللاجئين إلى بلدان يتعرضون فيها لخطر التعرّض للتعذيب. رغم ذلك، يظلّ الإلتزام بهذه المادّة محدوداً جداً بسبب رفض الأجهزة الأمنية في كثير من الأحيان الامتثال إلى مقرّرات المحكمة. بالإضافة إلى عدم إلتزام الأجهزة الأمنية أحياناً بالمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على حق الموقوف بالاتصال بمحاميه، وفق تقرير الظلّ.

من جهة أخرى، يدعو تقرير الظلّ إلى التشكيك في صدقية التقرير الأولي للبنان، لأنه "لا يقدّم معلومات عن الممارسة الحالية للتعذيب في لبنان". فعلى سبيل المثال، يذكر التقرير الأولي زيارة وفد من لجنة مناهضة التعذيب لبنان، لكنه يتجاهل النتائج الوخيمة لهذه الزيارة، "التي أظهرت أن 99 موقوفاً من 216، الذين أجرى الوفد مقابلة معهم، أعلنوا عن تعرّضهم للتعذيب على أيدي الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون، خصوصاً عناصر قوى الأمن الداخلي ومديرية المخابرات العسكرية". بالإضافة إلى "عدم تحدّث الدولة اللبنانية، حتى الآن، عن غرف التعذيب التي تمّ اكتشافها"، وفق الأسمر.

ويقابل تقرير الظلّ إدّعاءات الدولة اللبنانية في تقريرها بالأمثلة والأدلّة المستمدة من الواقع، بما في ذلك شهادات مواطنين وموقوفين تعرّضوا للتعذيب على أيدي القوى الأمنية. ويختزل الأسمر مقاربة الدولة اللبنانية لقضية التعذيب بالقول إنه "عوضاً عن إتخاذ قرار بوقف التعذيب، تعمد الدولة اللبنانية إلى تخبئته".

أما الجهود التي ذكرها التقرير الأولي للبنان في مجال مكافحة التعذيب، فليست سوى مشاريع ومبادرات من المجتمع المدني، وفق تقرير الظلّ. وقد برّرت القاضية نازك الخطيب التي شاركت في إعداد التقرير، وقد حضرت المؤتمر ممثلةً وزارة العدل، حلول المجتمع المدني مكان الدولة وممارسته دورها في مجال التصدّي للتعذيب، بـ"تبني وزارة العدل سياسة الإنفتاح تجاه المجتمع المدني".

على غرار ذلك، يحلّ تقرير الظلّ مكان تقرير الدولة اللبنانية في استعراض صورة دقيقة، ولو بشكل نسبي، عن واقع التعذيب في لبنان، وهو تعذيبٌ يصفه الأسمر بـ"الممنهج، لاسيما في الحالات المتعلّقة بأحداث أمنية، أو في حال كان المدعى عليه من الفئات المهمشة".

ويشرح الأسمر آلية التعذيب في لبنان: "عند توقيف الشخص، يتمّ تعذيبه من أجل انتزاع اعتراف أوّلي منه، بحضور عنصر أمني يحثّه على ذلك للإفلات من الضرب ويقنعه أن بإمكانه قول الحقيقة أمام القاضي. لكن في ظلّ حضور معذبيه أثناء مثوله أمام قاضي التحقيق، يخشى الموقوف أن يتحدّث عن التعذيب الذي تعرّض له ويعترف مرّة أخرى. هكذا، يصبح صعباً سحب الاعتراف، وإن لم يكن حقيقياً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها