الإثنين 2016/01/18

آخر تحديث: 13:42 (بيروت)

من فيلتمان الى نصرالله

الإثنين 2016/01/18
من فيلتمان الى نصرالله
increase حجم الخط decrease

عزيزي السيد حسن نصرالله،

أحسب أنك تتابع، كما العالم إجراءات التطبيع بيننا وبين إيران، أكان عبر تبادل السجناء أو رفع العقوبات التي فرضتها بلادي على إيران، بعد إشعار من وكالة الطاقة الذرية بوجوب ذلك نتيجة التزام ايران بالاتفاق النووي مع الخمسة زائداً واحداً.  

رأيت أن أتجاوز إصرارك على تصنيف بلادي، الولايات المتحدة الأميركية، بأنها ستبقى "الشيطان الأكبر" قبل الإتفاق النووي وبعده، مدركاً أن هذا لزوم الدعاية السياسية، وجزء من لغة الإشتباك الداخلي بين فريقك، الحرس الثوري، وفريق ما يسمى الإصلاحيين، بقيادة الرئيس حسن روحاني المتحالف مع الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني وعدد آخر من القادة والشخصيات الطامحة لتقليص دور الحرس في الحياة السياسية والوطنية الإيرانية.

لعلك تدرك أن البدء بتنفيذ الإتفاق هو خطوة تاريخية لكل الاطراف المعنية فيه، لا سيما الجمهورية الإسلامية في إيران. وشيئاً فشيئاً ستجد إيران نفسها مضطرة للتأقلم مع هذا الواقع الجديد لأسباب تتصل بمصلحتها في الالتزام بالاتفاق وتنفيذه بصرامة. نقول في أميركا، إنّه ليس بوسع المرء الاحتفاظ بالكعكة وأكلها في آن، فإما أن يبقيها لتفسد بين يديه أو يأكلها ويستمتع بمذاقها. وهكذا هي ايران اليوم. الإبقاء على الثورة سيؤدي الى تعفنها بين يدي النظام وأهله، أما “أكلها” فسيضخ في الجسم الايراني مغذيات حيوية، تفتح له آفاقاً إقتصادية للنهوض والتنمية الحقيقية. إنها مفارقة مسلية في الواقع، تنبهت لها وأنا أكتب لك. المفارقة أن أبناء الثورة سيأكلون ثورتهم، وليس كما هي حال الحكمة الكلاسيكية التي تقول إن الثورة تأكل أبناءها.

لعلك تعلم، من موقعك القيادي في حزب الله، أن ما يسميه الخبراء هنا في واشنطن بـ"الإنتقال الايراني من الثورة الى الدولة"، يعني تقليص أدوار المليشيات العاملة لدى إيران، ومنها بطبيعة الحال حزب الله. أدرك أن ثمة من يقول، مع ذلك، أن إيران ستستمر في نهج رعاية المليشيات المذهبية تحت عنوان محاربة الارهاب. لكنك تعلم ونعلم ويعلم العالم أن هذا الخيار في الحقيقة ليس أكثر من قناع تُلبسه إيران لراعية الحرب الاهلية السنية الشيعية داخل العالم العربي. هذا يعني أنها قد تفتح صفحة جديدة مع شياطين العالم، لكنها ستبقي على الارجح منطق الاستنزاف والتحدي قائماً في علاقتها مع العرب. ولعل دوركم في هذه المهمة لن يكون صغيراً، وتتضح بعض ملامحه في بيروت، حيث انكم تعطلون الانتخابات الرئاسية حتى بعدما رشح خصومكم السيد سليمان فرنجية، والذي اعرف متانة علاقته بكم وبسوريا نتيجة انخراطي الكبير في السياسية اللبنانية خلال عملي كسفير في لبنان.

وكي أكون صريحاً معك، لا أرانا نمانع كثيراً، مضيكم في هذا المسار. فأياً تكن الاسماء الدعائية التي ترغبون في منحها لما تقومون به، في لبنان وسوريا تحديداً وفي والعراق واليمن، والقصف السياسي والخطابي على المملكة العربية السعودية، الا أن الامر لا يعدو كونه إنخراطاً في الحرب الاهلية التي ذكرتها لكم.

وفي الواقع، لا أحد يتوقع منا ان نكون أكثر حرصاً على مقدرات طائفتكم الكريمة المادية والمعنوية من إيران نفسها، التي ترى النزيف الحاصل، ونراها لا تطلب الا المزيد من ذلك.

تذكر أن حزبكم شن حملة سياسية دعائية مكثفة، في سياق المعركة مع المحكمة الخاصة بلبنان، مفادها أن بلادي خصصت خمسمئة مليون دولار لتشويه صورة حزب الله. لن أدخل في تفاصيل هذه الموازنة التي ذهب منها الكثير منها لدعم الجيش اللبناني وللهيئة العليا للإغاثة وتمويل جمعيات المجتمع المدني التي يدور بعضها في فلك حلفاء لكم ومقربين منكم.

أعترف لكم أننا سنفرح لتشويه صورة حزب الله، وأننا دعمنا نسبياً فريقاً سياسياً يناصبكم الخصومة والعداء ربما. لكن هذا الفريق كان مخيباً للآمال بسبب التزامه الوطني. وأذكر بين ما أذكر المفاوضات الشاقة التي خضناها مع رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة ابان حرب تموز ٢٠٠٦، وكنت شاهداً على اتصال بينه وبين كوندوليزا رايس، وزيرة خارجيتنا آنذاك، ولا زلت اذكر الذهول من منطق السنيورة الذي كاد أن يبدو لي رئيس حكومة حزب الله. أما الناشطون الذين تتهموننا برعايتهم فهم من الاصوات الليبرالية الحادة التي كانت ولا زالت ترفع اولوية رفض الحرب الاهلية، ومنها صدرت أقسى الإنتقادات لفريق الرابع عشر من آذار. من الأقدار السياسية المريرة أن أجد نفسي ممتناً لكم ولحزب الله أكثر من امتناني لمن وصفتموهم يوماً بـ“جماعة فيلتمان”. ولا أخفيكم أن هذا عنوان أشعرني بالاطراء وبسلطة لا أمتلكها، وهو امرٌ مغرٍ لديبلوماسي مثلي يعمل ضمن ماكينة هائلة هي الخارجية الأميركية.

نعم أنا ممتن لكم سماحة السيد. فكل الاموال التي نُتهم بدفعها، وكل الرعاية التي نتهم بتوفيرها، ما كانت لتحقق جزء الجزء مما حقّقتموه عبر سياساتكم وانخراطكم في الحرب الاهلية العربية لتشويه صورة حزب الله. ما كان يمكن لأي حملة اعلانية اعلامية سياسية ان توصل حزبكم الى ما انتهى إليه اليوم، كميليشيا مذهبية مكروهة من غالبية العرب، بعد أن كان تجار التمور في مصر مثلاً يضعون صورتكم على منتجهم لرفع نسبة المبيعات.

وعليه، اذا كان من موازنة خصصت لتشويه صورة حزب الله فأنت أحقّ بها من أيّ شخص أو فريق آخر، وإيصالها لك بات أسهل مع رفع العقوبات المصرفية عن إيران. قد لا يكون الوقت أنسب مما هو الآن لقبول هذه الأموال، خصوصا بعدما سمعنا عن صعوبات مالية تعانونها في بيروت بسبب الرقابة المالية التي تفرضها حكومة بلادي على "مصادر الإرهاب”.

نحن دولة مؤسسات وأرى أن لكم في ذمّتنا أموالا لتشويهكم صورة حزب الله. ستجدون عبارة “نثق بالله” مطبوعة على عملتنا، وعلى سبيل الدعابة أقول لكم أننا مستعدون لجعلها “نثق بالله وبحزبه”!

زودونا برقم حسابكم، وشكراً لكم.

جيفري فيلتمان

    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها