الثلاثاء 2014/11/25

آخر تحديث: 19:13 (بيروت)

واقعية سعد الحريري

الثلاثاء 2014/11/25
واقعية سعد الحريري
بإمكان سعد الحريري الإنتظار وأن يبقي للخبث مكاناً (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

 

طبّع تيار المستقبل علاقته مع حزب الله منذ أن قرّر الدخول إلى حكومة المصلحة الوطنية التي يرأسها تمام سلام الآن، بعد أن كان منذ بداية الثورة السورية، قد رفض أي حوار مع الحزب قبل خروج الأخير من القتال الدائر في سوريا. أسماها آنذاك المبادئ الوطنية التي تحكم أي حوار أو كلام يُمكن أن يكون مع الحزب.

 

لكنّه، سُرعان ما ترك هذه المبادئ، وعاد إلى الواقعية السياسية، بعد أن اقتربت النار السورية من لبنان. قبل المستقبل بأن يتشارك والحزب طاولة واحدة، في حكومة جمعت الأضداد. وتحت شعار ربط النزاع، صار التعامل مع الحزب بحُكم الضرورة والظروف. التعامل، في مجلس الوزراء، ساهم في تهدئة الوضع اللبناني، وحدّ كثيراً من الإنكشاف الأمني الذي كان قبل ولادة الاتفاق على الحكومة الجامعة.

 

بربط النزاع، بدا أن الرئيس سعد الحريري صار يُقارب الأمور بطريقة فيها الكثير من الواقعية، وبمعنى آخر، صار يُدرك موقعه وقدرته وما يُمكنه فعله وما لا يُمكنه المكابرة فيه وعليه. مثلاً، اقتنع المستقبل أن قرار حزب الله بالعودة من سوريا ليس بيده، وهو ما كان واضحاً منذ بداية الثورة السورية. حال اقتناعه بهذا الأمر، جعله ينحو إلى تسوية مرحلية، تُعيده إلى السلطة مقابل ترك الحزب في المستنقع السوري، ومشاركته بالحد الأدنى في النأي بلبنان عمّا يحصل هناك.

 

وربط النزاع الذي كان، قرّب المستقبل من الواقع، فلم يعد التيار يرى الأمور من فوق، كما لم يعد سعد الحريري يتابع ما يحصل في لبنان من وراء البحار. من دون أن يعود فعلياً، صار الحريري أقرب إلى الواقع اللبناني، وتواجده في الحكومة عبر وزرائه، كان له الأثر الأكبر في هذا الاقتراب، والخروج من دائرة الحسابات المؤجلة، لاسيما بعد تأكده أن معركة سوريا طويلة، والرهان على نهاية وشيكة للنظام لم تعد قائمة، وهو ما اقتنعت به دوائر القرار في الرياض، والحريري معها.

 

امتد ربط النزاع. فصل المستقبل في علاقته مع حزب الله كما فعل قبله النائب وليد جنبلاط. اليوم، بدأ الحديث عن حوار بين تيار المستقبل وحزب الله، حوار حول رئاسة الجمهورية وحول تلافي الفتنة السنية الشيعية. ما استدعى ربط النزاع، هو نفسه ما يستدعي اليوم هذا الحوار. والمستقبل مُستمرّ بالإقتراب من الواقع أكثر فأكثر، وهو ما يفعله الحريري، الذي على ما يبدو اكتشف أخيراً أن ملفات المنطقة أكبر بكثير من قدرة لبنان على احتمالها، وبالتالي، فإن التهدئة اللبنانية في منطقة تملؤها العواصف، يُبقيه وتياره على قيد الحياة إلى أن تأتي ساعة الفصل، والربح والخسارة، وهي مؤجلة كتلك المفاوضات الإيرانية ـ الغربية، والتي معها رُحلت ملفات المنطقة بغالبيتها، إلى أجل بعيد، يقرب منتصف العام المقبل.

 

وهذا التيار الذي اعتاد في السابق على رفع الشعارات الكبيرة. يبدو أنه توقف عن الوقوع في الخطأ نفسه، وهذا ما هو واضح منذ قيام الحكومة، وبدا أكثر وضوحاً حين وقف مروان حمادة أمام المحكمة الدولية، إذ التزم هذا التيار بما قاله قبل ذلك سعد الحريري عن أهمية فصل مسار المحكمة عن الواقع الداخلي اللبناني، وهو ما حصل مؤخراً، فلم يظهر من ينتشي لمحاكمات تُبيّن تورط النظام السوري ومنظومته في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهذا ما يُسجل في خانة المستقبل وليس عليه.

 

واليوم، وعلى أبواب الحوار، يُقيّم الحريري الواقع انطلاقاً من ملفات المنطقة، ليتضح أن اللبناني منها على آخر اللائحة، وبالتالي فإن ربط النزاع الحكومي لم يعد كافياً لتخفيف الاحتقان أو منع الإنفجار في لحظة غياب دولي عن لبنان. ولهذا، هو يدخل هذه المرحلة الجديدة مع الحزب. هو أساساً، يُدرك أن وجوده ينتهي حين يُصبح العنف هو السائد، لبنانياً. وهو أيضاً، يُدرك، أو اقتنع أن القدرة على مجاراة لاعب مُسلّح عبر السياسة، شبه معدومة، ولا يُمكن أن توصله إلى نتيجة.

 

كُل هذا، قرّب سعد الحريري من الواقعية السياسية. لكن، يُمكنه، أن لا يُسقط بعض الخُبث من حساباته. حزب الله في الوحول السورية، ولن يخرج منها في الأمد المنظور. نظام بشار الأسد صار بحكم المنتهي مهما أُعطي من أوكسيجين مرحلي. المحكمة الدولية تسير بسلاسة. وله هو أن ينتظر، ولم لا، بإمكانه الحوار مع حزب الله لتهدئة مطلوبة، وبإمكانه أن يُبقي بعض الخبث طيّ الكتمان.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها