حكي جردي: الرائد إبليس

خلق الله الملائكة من نور، طلب منهم السجود لآدم فامتثلوا، كان الجنّي إبليس هناك، لم يسجد لأن الله خصهم وحدهم بأمر الطاعة، بالرغم من ذلك اتـُّهِمَ بالعصيان، لكنه لم يتذلل ولم يعترض، قال كلمته وأدار ظهره ومشى مغادرا الجنة التي لم يجد فيها إلا الاستكانة والقبول، هو منذ ذلك الحين ينحت اسطورته في الاسئلة.

إبليس هو أول من تمرد على النظام، له الفضل في ال "لا" الأولى.

**  **  **  **

منذ مئات السنين وأهل هذه البلاد يلعنون إبليس لأنه رفض السجود.

**  **  **  **

كل خضوع مذَلَّة وكل مذلة جهل وحماقة وغباء، العقل نظير الحرية وهي صنوه، احتاجها يوم بدأ خطواته الأولى ويحتاجها كي يبقى ويستمر ويكبر.

**  **  **  **

الحاكم العادل هو الذي يذهب إلى رعيته ولا يتفاخر بجلوسه على عرش داعيا الناس إليه، يمشي بينهم ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، يساعدهم على حل مشاكلهم والحصول على حقوقهم ويمنع عنهم الظلم ويقيم فيهم العدل، يفعل ذلك كي لا يعيش وحيدا ويموت وحيدا.

**  **  **  **

عندما يبدأ أهل هذه البلاد بالتفتيش عن الأسباب الحقيقية لأفعالهم العامة والخاصة وينزلون إبليس عن شماعة أخطائهم مانحينه صك براءة بمفعول رجعي، يكونون قد عبروا الخطوة الأولى الصحيحة صوب التقدم الذي يستهدف خير الإنسان أولا وأخيرا.

**  **  **  **

عبر رحلات الحج الكثيرة التي حفلت برمي أعداد لا تحصى من الحجارة، لم يذكر أحد من الرواة أو الحاضرين أن دماً سال من جبين هذا الشيطان، في كل تلك المعارك خرج منتصراً، لكن معركة هذا العام كانت الأقسى والأصعب، تدافع الحجاج وداس بعضهم البعض الآخر حتى الموت بدل أن يتراحموا ويتساعدوا ويتعاطفوا: لعل إبليس قد ضاق ذرعا بكل هذه الكراهية وأراد توجيه رسالة لقومٍ لعلهم يعقلون.

**  **  **  **

كل سنة يقام مهرجان ريو دي جانيرو، يقصده الملايين من شتى الأنحاء والملل، يسهرون ويرقصون ويشربون ويفرحون بسلام ومحبة خالصين.

**  **  **  **

في كل دولة عربية ثمة إبليس يتسلط على حياة الناس ويسرق أحلامهم وحقهم في العيش الحر والكريم، لم يحدث يوما أن أهل هذا الحجيج المؤمن رمى حجرا واحدا عليه، لا بل فعلوا العكس، ولطالما سبّحوا بحمد السلطان وتمتعوا بمكارمه.

**  **  **  **

الفضيلة من عند الله والرذيلة من عند الشيطان، التماس الغفران مقرون بارتكاب الأخطاء والمعاصي، التوبة بابٌ للجَنَّة، الإنسان الكامل في أعماله صنو الله، الله فرد صمد لا يشبهه أحد، لولا إبليس لصارت هذه البسيطة أرض الآلهة، الله الإله الأوحد لا شريك له، إبليس الوحيد الذي اجتهد منذ الأزل كي يُبْقي الله وحيدا على عرشه، الواجب يقضي بحمده وشكره.

**  **  **  **

أركان الإسلام خمسة، الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج. في كل مجتمعاتنا نستطيع أن نتبين بسهولة فائقة عشرات بل مئات الاشخاص الذين يؤدون هذه الأركان بالتمام والكمال، وأن نلحظ بشكل فاضح عدم قيامهم بممارسة الفضيلة: يظلمون ويرابون ويسرقون المال العام وحقوق الطبقات المهمشة.

**  **  **  **

قد لا يقود الدين إلى الفضيلة لكن الفضيلة تقود الإنسان حتما إلى إدراك ذاته في الخير، هي ركنه الاساسي كي يمشي صوب مجتمع أكثر رحمة ومحبة.

**  **  **  **

التوبة باب من أبواب الجنة، هي تجبّ ما قبلها لأن التائب عن الذنب كمن لا ذنب له، ما الذي سيحدث لو أن إبليس أعلن توبته وامتنع عن الوسوسة والخنوس؟!!!

**  **  **  **

لولا وسوسة إبليس في أذن آدم لما قبل أن يأكل التفاحة من يد حواء ولما قام الله بإنزالهما إلى الأرض: معشر بني الإنسان مدين بالشكر لهذا الخناس.