الخميس 2014/10/30

آخر تحديث: 22:53 (بيروت)

إحلم يا مصري بكوريا الشمالية

الخميس 2014/10/30
increase حجم الخط decrease

بعد معركة غير معلومة التفاصيل حتى الآن، واستشهد فيها أكثر من ثلاثين جندي مصري، تحركت القيادة العسكرية والسياسية في مصر لأن الأمور وصلت لمرحلة خطرة، فلم تعد هذه "حرب على الإرهاب"، بل هي "حرب وجود". وخلال الأيام الماضية، أكثر الاجتماعات التي عقدها الرئيس عبدالفتاح السيسي والقيادة، لم تكن مع القادة العسكريين الذين لم يحاسب أي منهم بدعوى التقصير، بل مع الإعلاميين الذين حوسبوا على التقصير!

يجتمع الرئيس شخصياً مع رؤساء التحرير، وتتابع مؤسسة الرئاسة بشكل يومي ودقيق كل ما ينشر في الصحف أو يبث عبر الشاشات. ولأننا في حرب وجود، يتم استدعاء كل الصحافيين الذين يتصل وجودهم بوجود الأجهزة الأمنية المصرية، لتبدأ ماكارثية جديدة يبلغ فيها الصحافيون عن بعضهم البعض. أسامة كمال، المذيع في قناة "القاهرة والناس"، يسأل صلاح دياب على التلفزيون عن الإخوان المسؤولين عن موقع "المصري اليوم". ومصطفى بكري يخطو خطوات سابقة، ليقدم قوائم بإعلاميي الطابور الخامس الذين يجب إعدامهم.

هذه حرب وجود. وقرار السيسي هو: لنغلق جميعاً عيوننا، نشبك أيدينا ونجلس أو نقف في دائرة، نتنفس بعمق، نحافظ على وحدتنا، ونردد بسعادة غامرة: سنبنى دولتنا .. سنبني الدولة المصرية العظيمة "قدّ الدنيا". لن نكون سوريا، لن نكون العراق، لن تسقط الدولة. بل ستصبح دولة قوية عملاقة. ووسط رسائل الخوف التي يبثها إعلام السيسي كل يوم، الحلم هو بدولة قوية على طراز كوريا الشمالية.

في بداية الألفية، كانت سيطرة نظام حسني مبارك تمتد إلى الوسائل الإعلامية كافة، لكن بسبب الانترنت، ارتفعت أسهم الإعلام البديل الذي يمتلك بعض الجرأة ويتحدث عما لا تتحدث عنه الصحف والقنوات الأخرى. وفي هذا المناخ كانت الفرصة مناسبة لتظهر صحف ووسائل إعلام مستقلة حاولت تقديم صحافة وإعلام جديد، ونجحت في بناء قاعدة جماهيرية معقولة. الآن، حينما يجتمع السيسي مع رؤساء التحرير، يشمل الاجتماع رؤساء تحرير الصحف القومية والمستقلة. ويذهب رؤساء التحرير بأنفسهم ليقدموا طقوس الولاء والطاعة والتبرؤ من زملائهم غير المطيعين. وبلغ التعميم الإعلامى أقصي درجاته حالياً في مصر، وجدار الخوف الذي كان يكثر الحديث عنه بعد 25 يناير بأنه انكسر وتم تجاوزه، يعاد بناؤه تحت إشراف القوات المسلحة.

لا صحيفة أو وسيلة إعلامية مصرية غطت أخبار تهجير سكان مدينة رفح والشريط الحدودي مع غزة. وغالبية الصور التي تم نشرها لعمليات تفجير المنازل، تم التقاطها من غزة من خلف أسوار الحدود، التي سيتم رفعها لتصبح جداراً عازلاً حقيقياً كما وعدت المصادر السيادية.
في صفحات جريدة يومية، يتناقش إثنان من محبي السيسي في "الهولوكست" كتجربة ناجحة لمواجهة الإرهاب وإقتلاع شر الإخوان، وكيف يمكن تطبيقه في مصر. وحتى لا نصبح كالعراق أو سوريا، يُساق المصريون نحو نموذج كوريا الشمالية.

الانتخابات تؤجل يوماً بعد يوم، ولم تعد هناك حاجة للبرلمان. فالرئيس يصدر القوانين والتشريعات بلا نقاش. وحتى إذا كانت غير دستورية، لا أحد يراجعه أو يوقفه. والمجال السياسي أُغلق بالمفتاح. والمفتاح مع عبد الفتاح السيسي.

أخبار العقود والاستثمارات التي يفوز بها الجيش وشركاته، أصبحت ركناً ثابتاً في الصحافة، بداية من الاستحواذ على الرخصة الرابعة لشبكة المحمول، حتى بناء أكثر من 500 مركز شبابي وملعب في أنحاء الجمهورية. الاقتصاد يتم التهامه، ومساهمة القطاع الخاص تظل قائمة على أعمال الجيش من الباطن.

لا إعلام، لا سياسية. والتجارة والاقتصاد بلا منافسة، إذ أن اللعب في مقابل وحش الاستثمارات العسكرية الذي يبتلع الأسواق وينافس على كل السلع، من تصنيع الحلويات والكعك، وصولاً إلى مشاريع المقاولات. حتى الشارع والجامعات تم تأميمها مؤخراً مع قرار السيسي بتأمين جميع منشآت الدولة من قبل الجيش، واحتساب أي اعتداء عليه بصفته اعتداء على منشأة عسكرية وتحويل المخالف إلى المحكمة العسكرية.

هذا الضغط المستمر سيولد بكل تأكيد انفجاراً لا يمكن توقعه أو التنبؤ به. وكيف يمكن توقعه والتنبؤ به إذا كنا أصبحنا عميان لا نعرف ما يحدث في البلد في ظل اعتماد الإعلام والقائمين عليه سياسة التعمية والتعميم؟ هذا الضغط لا يترك منفساً. حتى مساحات اللهو واللعب، ملاعب كرة القدم خاوية، والسيسي يدعم ويؤيد مرتضى منصور في حربه على الأولتراس.

لا عمل لا لهو. ما المطلوب منا؟ ترتفع الأذرع متضرعة. والإجابة في دماء شباب مجندين، ماتوا ويموتون في سيناء من دون محاسبة مسؤول أو مقصّر، وفي صور تفجيرات البيوت وصور مواطني الشريط الحدودي في سيناء وهم يحملون بقايا أثاث منازلهم في جريمة تهجير جماعي.

ما المطلوب منا؟ وكيف نحيا؟ صوت السلطة التي تتقدم في هرولة وهلع نحو نموذج كوريا الشمالية، لا يبخل علينا بالإجابة. كونوا إرهابيين أو موتوا في حرب الإرهاب، أو "اتهجّروا وسيبوا البلد".    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها