الجمعة 2015/03/27

آخر تحديث: 09:41 (بيروت)

أصوات الانفجارات تُسمع بوضوح

الجمعة 2015/03/27
increase حجم الخط decrease

حتى قبل أن يعود الطيارون المشاركون في "عاصفة الحزم" الى قواعدهم بعد الغارات الاولى التي شنوها على اليمن فجر الخميس، كان الانطباع الاول هو ان التوسع الايراني في المنطقة العربية قد انتهى، وستتهاوى تباعا مناطق النفوذ الايرانية التي اطلقت في طهران في الاونة الاخيرة أوهاماً امبراطورية لم يسبق لها مثيل.

لم ينتظر أحد لمعرفة ما اذا كان الطيارون قد أصابوا أهدافهم بدقة، وما إذا كانت الغارات الجوية وحدها قادرة على حسم واحدة من أعقد الازمات التي تشهدها المنطقة العربية. إكتفى الجميع  بهذا التطور الاستثنائي : تحالف عسكري يضم الغالبية العربية الساحقة، يتشكل بسرية مطلقة، ومن دون زعامة او قيادة اميركية او غربية، بل ربما من دون مساعدة مباشرة من الغرب، يجتمع قادته في غرفة عمليات واحدة ليضع خطة موحدة للحرب، يحدد ساعة الصفر لانطلاق الطائرات الحربية التي تجمعت في مطارات مشتركة (سعودية) وهي تحمل أعلام اكثر من عشر دول عربية.

هو بحد ذاته إنجاز عربي لا بد من تسجيله هنا، بغض النظر عن طبيعة الحرب وأهدافها ومداها، لانه يخفي الى حد بعيد حالة التشرذم والانشقاق التي حولت الحدود العربية المشتركة الى جبهات قتال او على الاقل الى معابر تهريب للميليشيات المسلحة او الشبكات الارهابية التي إستباحت اكثر من بلد عربي، وتحولت المواجهات في ما بينها الى قضية قائمة بذاتها تكاد تختصر تاريخ العرب وتنحدر به الى مستوى الفتنة المذهبية الاكثر وحشية وهمجية، والتي بددت فحوى الربيع العربي.

بالطبع لم ينطلق الطيارون من بلدان مدنية او علمانية، كما ان تحالفهم المفاجىء لم يكن على الارجح وليد الارادة الذاتية وحدها. ثمة حزم اميركي ظاهر في رفض التورط المباشر في اي نزاع محلي او اقليمي، وفي دعوة القوى المحلية والاقليمية الى الاتكال على نفسها، وعلى الله، من اجل تدبير شؤونها من دون الحاجة الى طيارين اميركيين او اوروبيين ذوي رواتب عالية، او الى طائرات اميركية او اوروبية باهظة الكلفة، خصوصاً وان الاسلحة والذخائر متوافرة بكثرة في مخازن جميع الجيوش العربية، وهي لا تستخدم الا على الجبهات الداخلية..

ولعل هذا بالتحديد ما يكتسب التحالف العسكري الجديد قيمة اضافية، تؤهله للتحول الى حلف سياسي راسخ، يخوض تحت عنوان "الاعتدال العربي"، الذي كان حتى الامس القريب يوازي الشتيمة، معركة إثبات الوجود أولا ثم تقديم اوراق الاعتماد، في مواجهة جميع اشكال التطرف الداخلي الذي يهدد دوله، وفي مواجهة الاستخفاف الخارجي بقوته وتأثيره، الذي كان يقتصر على إستجداء العون الخارجي او على تلقي الضربات المتلاحقة دون ردها.

هذا التأهيل لحلف الاعتدال العربي ما زال في بدايته وهو سيكون شاقاً جداً، لكنه حتمي، اذا ما استمرت سخرية الحلفاء ولامبالاتهم وعنجهية الاعداء وتحدياتهم. وهي مستمرة على الارجح. ولن يكون اليمن سوى إختبار أولي، بالغ الصعوبة، برغم ما توحي به الضربات الجوية الاولى التي تشكل في المقام الاول، خطاً أحمر يرسم لإيران وشركائها اليمنيين يمنعها من التمادي في مساعي السيطرة الكاملة على ذلك البلد العربي الحساس بقربه من الحرمين، ومن خطوط النفط.

 لكنه خط مرسوم على رمال متحركة. لا يمكن لاحد في ذلك التحالف المفاجىء ان يدعي النصر في اليمن، قبل ان يتم القضاء على الرئيس السابق علي عبد الله صالح وفريقه وجيشه، وقبل ان ينكفىء الحوثيون الى جبال صعده، ويسلموا بأنهم ليسوا غالبية لدى الزيديين اليمنيين، وقبل ان تتشكل جبهة شمالية-جنوبية مشتركة تحيي مسيرة المصالحة الوطنية وتطلق عملية سياسية تستجيب للحد الادنى من مطالب الجيل اليمني الشاب.

هي أهداف تكاد تكون مستحيلة، او حتى خيالية. وقد سبق ان صيغت في المبادرة الخليجية الاولى، ثم إنهارت بسرعة، ما أفسح المجال لواحد من أخطر التدخلات الايرانية في جنوبي شبه الجزيرة العربية، وحفز على تشكيل التحالف الراهن الذي يخوض حرباً فعلية تسمع اصوات انفجاراتها بوضوح في طهران كما في جميع العواصم العربية والاجنبية.. حيث يدور الهمس عن قرب سقوط مشروع حزب الله في بيروت، وقرب انهيار نظام بشار الاسد في دمشق، وقرب تصدع الهيمنة الشيعية في بغداد.. وقرب إعلان إيران ان مشروعها الامبراطوري وبرنامجها النووي يتفككان معاً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها