الجمعة 2014/10/24

آخر تحديث: 00:51 (بيروت)

السيرة السورية لاتفاق الطائف

الجمعة 2014/10/24
increase حجم الخط decrease

كانت الذكرى الخامسة والعشرون لاتفاق الطائف، مناسبة للتسلية والترفيه، اكثر مما كانت فرصة للتأمل والتدبر. كانت استعادة النصوص والوقائع والاسرار، وقصة المحاضر الخفية، مملة كالعادة، وكذلك كانت الفكرة المكررة القائلة بان ذلك الاختراع اللبناني، يمكن ان يكون علاجاً شافياً لكل ما تعاني منه الأمة من أزمات وإضطرابات.. ما يبرر اكثر من اي وقت مضى التقدير بل الرجاء بان تتوصل شعوب سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها الى ما انجزه اللبنانيون في مثل هذه الايام من العام 1989.

الذكرى افتقدت مرة أخرى نقاشاً جوهرياً لم يفتح حتى الان بشكل جدي حول موقف سوريا من ذلك الاتفاق ودورها في تنفيذه. وهو نقاش كان محظوراً في سنوات الوصاية السورية، لكنه ما زال معطلاً لإسباب تعزى بالطبع الى سطوة حلفاء دمشق، الذين يمنعون الخوض في مثل هذا التحدي، السياسي، ليس فقط من اجل تصحيح التاريخ الرسمي المزيف لتلك الحقبة، بل أساسا من اجل تصويب النظرة الى المستقبل، والى تلك العلاقة الجدلية المعقدة بين البلدين والنظامين اللذين يواجهان الان، معا، لحظة الحقيقة الواحدة.

في المرويات اللبنانية التي شاعت في عهد الوصاية ولا تزال ترد على اكثر من لسان ان الاتفاق هو نتاج تفاهم اميركي سعودي سوري.. وهي مغالطة كبرى حان الوقت لتجنب الوقوع فيها بشكل نهائي: لم تكن سوريا حاضرة في الاتفاق الذي كان منذ اللحظة الاولى موجهاً ضدها بوضوح وبحسم. كان جوهره الفعلي مبنياً على فكرة ان الحرب الاهلية اللبنانية استنفدت ولم يعد الردع السوري مطلوباً ولا مرغوباً، بل تحول الى عبء وعائق على الجميع. دعي  اللبنانيون الى الطائف للتوصل الى إعلان نواياهم بتجميل نظامهم الطائفي، والى إعلان أمانيهم بخروج الجيش السوري من الاراضي اللبنانية على مراحل، المرحلة الاولى تنص على إعادة الانتشار الى البقاع، وهي التي حمل مضمونها المبعوثان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل والوسيط العربي الاخضر الابراهيمي  الى الرئيس السوري حافظ الاسد في دمشق باعتبارها قراراً من مؤتمر الطائف، وكاد يتهمهما يومها بالعمالة لانهما أغفلا وجود الاحتلال الاسرائيلي في بقية الاراضي اللبنانية..

إثر اللقاء قرر الاسد اسقاط الاتفاق وتصفية الموقعين عليه او إبعادهم عن السلطة، وهو ما شرع في تنفيذه بالفعل.. الى أن غيرت اميركا رأيها فجأة، في مستهل حرب الخليج الثانية، وفي ضوء الاشتباه بتحالف الجنرال ميشال عون والرئيس العراقي صدام حسين، وارتأت تجديد التفويض لسوريا برعاية الوضع اللبناني، وبتولي الاشراف على" تنفيذ" اتفاق الطائف..الذي لم تكن في المناسبة بنوده وتفاصيله المتواضعة، الخاصة بتعديل بعض أسس النظام اللبناني، مستحبة من جانب النظام السوري، الذي كان يميل في العمق الى الالتزام بمواقفه المسبقة من مختلف الطوائف اللبنانية وموازين القوى في ما بينها.

نجحت دمشق بسرعة يومها في احباط الاتفاق المناهض لها، وتمكنت بسهولة من الحؤول دون المضي قدماً في تنفيذه، مستندة الى حلفاء محليين أقوياء فرضوا طوال خمس عشرة سنة التحريم على اي بحث في انهاء الدور العسكري والسياسي السوري، بعدما ارتقوا به في مرحلته الاخيرة من رادع أمني محلي الى عمق استراتيجي في مواجهة المحتل الاسرائيلي..فأصبح اي حديث عن ثقل هذا الدور وطول مدته بمثابة خيانة وطنية وقومية لا تغتفر.

ليست هناك سردية اخرى لاتفاق الطائف، الذي كان يفترض ان يؤسس لانقلاب سياسي على سوريا، ولم يدم سوى بضعة ايام او بضعة اسابيع، ما زالت تشكل حجة لاستعادة ذكرى منقوصة عن محاولة متسرعة لفك "وحدة المسار والمصير" بين نظامين ما زالا حتى الان يحاربان معا، بالاعتماد على الاساليب والادوات نفسها، وعلى الحلفاء انفسهم الذين كانوا منذ اللحظة الاولى معارضين لذلك الاتفاق..ويتوقون الى مؤتمر تأسيسي يشطبه من الذاكرة نهائياً.     

       

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها