الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 00:32 (بيروت)

كي لا تصبح المجزرة قدراً

الخميس 2014/08/21
increase حجم الخط decrease

لم تكن مجزرة الكيماوي هي المجزرة الأولى التي يتعرض لها السوريّون، فقد سبقتها مجازر كثيرة لا تقل بشاعة عنها. المجازر هي فقط محطات أكثر فجاجة للمذبحة المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام. هي بالضبط هويّة النظام الذي يعتبر استخدام إرهاب الدّولة في حدوده القصوى أداة من أدوات السياسة، وفناً من فنونها التي لا يتقن غيرها.

لا تكمن الكارثة فحسب في أن تاريخ 21 آب / أغسطس 2013 انقضى ومعه أكثر من ألف وثلاثمئة شهيد من المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء جراء قصف مناطق متفرقة في غوطة دمشق بالسلاح الكيماوي، وهي التي شهدت أصلاً جرائم بالقصف العشوائي، والقنص، والبراميل، والحصار اللإنساني، حالها حال معظم المدن والبلدات السوريّة. بل تكمن أيضاً في أنه قد تلاها "توزيع للحلوى" شماتةً وفرحاً بهذه الجريمة من جانب بعض السوريين في مناطق أخرى من البلاد، كمؤشر كارثي على تفتت الهويّة السوريّة بفعل السلوك الأمنيّ للنظام، وخطابه الأصوليّ،المنفلت من كل عقال أخلاقي وإنساني. حتى غدا "الآخر" السوري شيطاناً في عين "الآخر" السوري. هي باختصار تجسيدٌ لثقافة ممنهجة في تذرير المجتمع، وأحد تجلّيات شعار "الأسد أو نحرق البلد"، ومظهر من مظاهر سرقة الوطنيّة السوريّة.

لا شك أن هذه المجزرة الفظيعة لم تكن لتحدث لولا يقين المجرم بأنها ستمر كسابقاتها من دون حساب. فقد اختبر النظام العطالة الدوليّة في محطات سابقة، وفي كل مرة يصبح الصمت العالمي شريكاً في الجريمة، وسبباً في تعميمها على مناطق أخرى من البلاد،ولا بأس من تحمل القليل من العبث الإعلامي، وبعض الإدانات الدوليّة الشفهيّة. كان يلزمه فقط أن يمنع أي تحقيق مستقل من دخول المناطق المنكوبة فوراً، ليفتح المجال لكل نظريات المؤامرة، وضياع المسؤوليّة. وهو ما حدث في مفارقة تبدو أنها ليست آخر الخناجر في الجسد السوري. فلجنة المفتشين الدوليين كانت موجودة في دمشق للتحقيق في ثلاثة مواقع أخرى كانت قد تعرضت سابقاً للقصف بالسلاح الكيماوي، وفنادقهم تبعد كيلومترات قليلة عن الغوطة،ولكن السلطات السوريّة رفضت دخول المحققين إلى الأماكن الجديدة،متذرعة بالبروتوكول الموقع في حينه الذي لايتضمن سوى المواقع الثلاثة المحدّدة مسبقاً، بحيث لم يكن الوجود الدولي عاجزاً فحسب عن منع المجزرة، بل مشجعاً للجاني على الإقدام عليها.

حتى اللجنة الدولية الأخرى التي قبل بها النظام لاحقاً، خرجت بتقرير لا طعم ولا لون له. فعلى الرغم من أن التقرير أكد استخدام السلاح الكيماوي وغاز السارين ضد المدنيين، وفي أماكن مختلفة، لكنه لم يحدِّد المسؤول عن تلك الجريمة. فقد صرح رئيس الوفد الدوليّ آنذاك السيد آكي سيلستروم قائلاً: "ليس للجنة الدوليّة ولاية على ذلك "!.

مرة أخرى، العطالة تدوم، والحق يضيع، وتتبدد المسؤوليّة، ويستمر تعميم المجزرة لمناطق أخرى، وبأدوات جديدة.

كان ذلك كافياً لكل ذي عقل ووجدان لتحديد هويّة الفاعل، وخاصة أن المجزرة تشكل امتداداً لجريمة العصر المستمرة على مدار سنوات في حق السوريين، وأمام مرأى ومسمع العالم. غير أن بعض الأصوات والأقلام غير البريئة ساهمت في تمييع الحقيقة لمصلحة القاتل، بحجة (الموضوعيًة) تارةً، و(حريّة التعبير) تارةً أخرى مستغلة حقيقة الفوضى الأمنيّة الحاصلة في طول البلاد وعرضها، وتنامي الجماعات الجهاديّة، وارتفاع العمليات الإرهابيّة التي تطال المدنيين، متناسيين أن هذا الإرهاب هو نتاج نظام الطغمة، والوجه الآخر له. إنه منطق وثقافة المجزرة نفسه، المؤسس على العقل الأصوليّ المتمرس في نزع المعنى الوطنيّ والإنسانيّ عن الآخر المختلف لتبرير قتله.

بعد مرور سنة على هذه المجزرة المؤلمة، تبقى الكارثة مستمرة، والسوريّون يموتون، بالكيماوي وبغيره. وحالهم يقول:لا فرق بين السارين أوالبرميل، ولا بين السيف أوالأسيد،ما دمنا نموت. أوقفوا النظام، كي لا تصبح المجزرة قدراً على السوريين.
increase حجم الخط decrease