الأربعاء 2014/10/22

آخر تحديث: 08:56 (بيروت)

سّنة وشيعة للقتل

الأربعاء 2014/10/22
increase حجم الخط decrease

تتواجه السعودية وايران في حرب بالوكالة تأخذ اشكالا عقائدية وسياسية واعلامية وعسكرية، تخاض تحت رايات مذهبية(سنّة وشيعة) وتمتد لتشمل دول العالم الاسلامي.

لمَ والى أين؟.

لقد جنّدت الدولتان جيوش الاتباع ليواجهوا بعضهم في حرب لا هوادة فيها. فالسعودية التي تعتبر نفسها زعيمة العالم الاسلامي، ايران خارجه على خلفية كونها شيعية والشيعة وفق الفقه الوهابي السعودي خرجوا من الاسلام، ترى في ايران خطرا على مصالحها الوطنية وعلى نفوذها في العالمين العربي والاسلامي وتعمل على محاصرة النفوذ الايراني وتطويق حركة ايران بالتحالفات والعلاقات السياسية مع الدول والجماعات السياسية السّنية. ايران من جهتها تعتبر السعودية عدوا سياسيا ومذهبيا حيث السّنة نواصب خرجوا عن الاسلام، وفق الفقه الشيعي الصفوي، بتعبير الشهيد علي شريعتي، ولابد من اعادتهم اليه بتشييعهم، وتسعى الى الحد من نفوذه عبر محاصرته ونقل الصراع الى عقر داره بتأليب الشيعة والاسماعيلية السعوديين عليه.

لم تكن الثورة الاسلامية في ايران عام 1979حدثا عاديا بل زلزالا ما تزال ارتداداته مستمرة حتى الآن. لم تطح الثورة بنظام الشاه فقط بل وبمعادلات سياسية وعسكرية وأمنية، كما غيرت توازنات اقليمية راسخة، وقادت الى رفع معنويات قوى سياسية ومجتمعية عربية واسلامية كانت تتطلع الى التغيير الذي يخرجها من حالة الدونية وانعدام الوزن، وشجعتها على الحركة علّها تحدث تغييرا في اوضاعها العامة.

غير ان سياسة قيادة الثورة، على الضد من وعودها الاولى، واقامتها نظاما شيعيا، واعتبارها المذهب الجعفري الاثني عشري الدين الرسمي للدولة وتجريم أي تحرك خارجه، وتبنيها سياسة تصدير الثورة الى الدول الاسلامية، العربية بخاصة، أثار موجة من الهواجس والمخاوف وردود الفعل السلبية عبرت عن نفسها بانفجار الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثماني سنوات وراح ضحيتها مئات الالاف من المواطنين في البلدين بالإضافة الى هدر مليارات الدولارات وتدمير البنى التحتية.

وبما ان نظام الامن السائد في منطقة الخليج العربي، أو الخليج الفارسي وفق التسمية الايرانية، يرتكز الى تعهد غربي بحمايته وحماية دوله العربية، بما في ذلك نشر قوات غربية بعامة وامريكية بخاصة في مياهه وعلى اليابسة في هذه الدول، جعل الصدام المباشر بين دول الخليج وايران ينطوي على خطر اندلاع مواجهة كبرى خاسرة ومدمرة لإيران، فقد غيّر التحرك الايراني تكتيكه في المواجهة من سياسة تصدير الثورة الفاشلة الى سياسة مد النفوذ عبر اختراق المجتمعات العربية والاسلامية بإعلان المرشد العام للثورة قائدا للمسلمين، ورفع شعار تحرير فلسطين واحتضان حركتي حماس والجهاد الاسلامي ومدهما بالسلاح والمال، واستقطاب الشيعة في هذه الدول باللعب على مظلوميتهم وتنظيمهم وتمويل انشطتهم وتحويلهم الى قوة اجتماعية وسياسية فاعلة وتشكيل اذرع عسكرية منهم وتدريبها وتسليحها لتكون ادوات ايران داخل هذه الدول: فيلق بدر وعصائب اهل الحق وجيش المهدي وكتائب حزب الله العراقي في العراق، وحزب الله في لبنان، وحركة الحوثيين أو انصار الله في اليمن، حزب الوحدة  في افغانستان، حزب الله  في السعودية، جمعية الوفاق في البحرين، بالإضافة الى نشاط محموم لنشر المذهب الشيعي بين ابناء المذاهب الاسلامية الأخرى( السّنة والموحدون الدروز والعلويون والاسماعيليون).

نجح تكتيك ايران الجديد في تحقيق بعض أهدافها من خلال هذه التنظيمات عبّر عنه الجنرال قاسم سليماني بقوله:"انه اقام عشر ايرانات خارج ايران"، واعلان علي رضا زاكاني، عضو البرلمان الايراني، تعليقا على  سيطرة الحوثيين على صنعاء "ان اربع عواصم عربية( بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء) اصبحت بيد ايران". فقد سيطر حزب الله على القرار السياسي اللبناني، وتسلمت التنظيمات الشيعية حكم العراق وأخرجت النفوذ العربي بعامة والسعودي بخاصة من معادلته، وأطاح الحوثيون/انصار الله بالمبادرة الخليجية في اليمن السعيد وهاهم يصوغون النظام اليمني الجديد بمعاييرهم السياسية، ومعركة الحفاظ على النفوذ في سوريا عبر دعم النظام ضد الثورة على اشدها بأدوات ايرانية مباشرة( خبراء عسكريون مقاتلون من الحرس الثوري اسلحة واعتمادات مالية ضخمة) وتجييش الشيعة من كل بقاع الارض تحت راية الدفاع عن المراقد والمزارات الشيعية وبعث اسطورة حرب المهدي ضد جيش السفياني على ارض الشام لشحذ الهمم وتحميس الاتباع.

ردت السعودية على التحركات الايرانية ردا مذهبيا سّنيا بتصعيد حملتها الاعلامية على النظام الايراني وخلفيته المذهبية وتخويف السّنة من توجهاته وتحريضهم عليه وعلى المذهب الاثني عشري باعتباره خروجا من الاسلام، وبذلت المال والسلاح للجماعات السلفية وقدمت الهبات والجعالات لشيوخ العشائر والقبائل السّنية في العراق واليمن والدعم السخي لدول حليفة، وكسرت سياستها النمطية بأرسال قوات الى البحرين ردا على دعم ايران لتظاهرات الشيعة التي خرجت للمطالبة بالعدل والمساواة، واتبعت سياسة العصا والجزرة مع الشيعة السعوديين لإبعادهم عن ايران وعن التأثر بخطابها "الثوري"، ووثقت علاقتها بأطراف تقف من ايران موقفا سلبيا دون اعتبار لطبيعة مشروعها وعقيدتها السياسية.

ولما كان التحالف السعودي الإخواني قد انهار على خلفية تباين النظر الى اسس التصور السياسي الاسلامي، وتحفظ الجماعة على طبيعة النظام السعودي وبعض سياساته الداخلية والخارجية، ودخول المملكة في صراع مفتوح ضد الجماعة، فقد لجأت الى التحالف مع الحركات السلفية العلمية(النظرية) نظرا للجذر المشترك بين الطرفين: الفكر الوهابي، والعداء الصريح والصارم للشيعة وتكفيرهم، ومهد ولي العهد الامير سلمان لهذا التحالف بإعلانه ان السعودية دولة سلفية، واستخدمتها في مواجهة ايران والاخوان المسلمين على حد سواء، قامت جماعات سلفية بقتل زعيم الشيعة في مصر حسن شحاتة وثلاثة آخرين في قرية "زاوية ابو مسلم"، وقد كان دعمها واضحا لحزب النور السلفي في الانتخابات البرلمانية المصرية، كما كان الاخير حاسما في تأييده للانقلاب على حكم الاخوان المسلمين في مصر، واستخدمت الازهر الشريف منصة لإطلاق النار على ايران للتشويش على زيارة الرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد الى القاهرة وقطع الطريق على اية فرصة للتفاهم بين ايران وحكم الاخوان المسلمين في مصر، حيث انتقدت مشيخة الازهر موقف ايران من ابي بكر وعمر وام المؤمنين عائشة ودانت عمليات التشييع التي تتم بين السّنة، وهي كلمة حق اريد بها باطل، كما حشدت انصار السلفية ضد الزيارة حيث تظاهروا ضدها وانتقدوا اقامة علاقات بين مصر وايران. ولم تتوان عن دعم حركات سلفية مسلحة في سوريا بهدف ضرب النفوذ الايراني واخراج ايران من سوريا، مع انها وكما ظهر مرات ومرات  ليست ضد النظام بل ضد تحالفه مع ايران وقد كان ذلك واضحا في بداية الثورة السورية عندما وقف ربيبها الشيخ عدنان العرعور ضد التظاهرات التي انطلقت في المدن والبلدات السورية، حيث قدمت المال والسلاح لحركة أحرار الشام ولواء التوحيد وجيش الاسلام وباركت تشكيل الجبهة الاسلامية المكونة من عدد من الحركات السلفية.

رغم الراية الدينية/المذهبية التي ترفعها كل من الدولتين والصورة التي تحاول ترويجها حول طبيعة الصراع واهدافه فان أسبابه الحقيقية ليست دينية او مذهبية بل سياسية ومصلحية، وهذا يطرح اسئلة عن مدى حصافة استخدام الصراع المذهبي وشحن التوتر الطائفي بين السنة والشيعة، وتسعير حرب بالوكالة واهراق دماء المسلمين، وتسميم المناخ الاجتماعي في العالم الاسلامي بتعميق الانشقاق في صفوف المسلمين عبر نكء الجراح القديمة والاستثمار في خلاف يتعلق بالفروع وليس بالأصول بدل العمل على رأب الصدع بينهما، ناهيك عن تشويه صورة الاسلام ذاته، لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية يمكن تحقيقها بطرق سلمية سلسلة اكثر انسانية وذات مردودية اعلى وديمومة اطول وبتكلفة أقل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب