الجمعة 2014/12/19

آخر تحديث: 19:38 (بيروت)

الرجل العنكبوت والأُمّة الدودة

الجمعة 2014/12/19
increase حجم الخط decrease

بثت الجزيرة بالأمس خبراً طريفاً، في نشرة الحصاد، عن سبايدرمان مصري، وهو شاب عادي "من أحد بني كنانة بالتعبير القديم"، لا يغزل خيوطاً أنكاثاً، ولا أحداثاً، ولا يطير من ناطحة سحاب إلى أخرى مثل طرزان معاصر، غير عارٍ، إنما بكسوة لاصقة تغطيه جلداً، إنها كسوة الرجل العنكبوت الأمريكية، لاستجداء الأنظار، كان مستحيلاً على السوري أن يفعل فعله، فبكل تأكيد كان سيتهم بتوهين روح الأمة العنكبوت.

عشنا بلا أبطال تقريباً، في مرحلة الأسد، والأسد سنة صينية، ونصف قرن في سوريا!  لم يكن لنا سوى بطلٍ واحدٍ أوحد، لا ثاني له، استطاع أن يبطل، ويحبس سوريا شعباً وتاريخاً، في زجاجة مختومة بالرصاص. ثم يليه أبطال التلفزيون، وهم أبطال كذبٍ وصورةٍ وخيال. فمارلون براندو، وهو بطل اعتزل الفن، ووقف ضد السياسة الأمريكية في إبادة الهنود الحمر يقول: أنّ الممثل لايعوَّل عليه، فمن كثرة تمثيل الأدوار يُضيع الممثل نفسه.

إذا بحثنا عن مفردة البطولة في الأدبيات، فلن نجدها إلا متأخرة، بطولات العرب في الجاهلية هي في الأخلاق والفروسية، عنترة في الشجاعة، والسموءل في الوفاء، وحاتم الطائي في الكرم.. حتى أكفر الكفار كان لهم حظ من البطولة، فمطعم بن عدي لم يرضَ بحصار بني هاشم، وأبى أبو جهل أن يقتحم بيت النبوة، حتى لا تعيرّه العرب، أما البطولة في الإسلام، فيمكن اختصارها في  التقوى، التي تجمع الفضائل العربية مضافاً إنكار الذات.

البطل هو الذي يبطل شراً، أو يحرر خيراً، البطل الأمثل هو الذي يفعل الأمرين، إبطال الشر، وتحرير الخير. أبطالنا اليوم الأسد والسيسي وأبو مازن: أبطال "لحود"، لحد مصري، ولحد سوري، ولحد فلسطيني، يحاربون شعوبهم تحت مسمى الإرهاب من  المهد إلى أنطون "لحد".

ابتلع الظلام والقهر عشرات الآلاف من الأبطال الذين لم نسمع بهم إلا مؤخراً: مثل رياض الترك ومصطفى خليفة وفرج بيرقدار.. هنالك أبطال إسلاميون، لم نسمع بهم إلا من أقلام هؤلاء، قضوا تحت التعذيب، أربعون سنة، وأبطالنا فنانون ومطربون ورياضيون، ينالون الجوائز، وتتناقل صورهم الفضائيات والمجلات، ويهدون ازكى التهاني للسيد الرئيس، وأحياناً، كنا نجد كتاباً ينجحون في تهريب معاني الكرامة والرفض في الرموز، فننظر إليهم نظرات الإعجاب والتقدير، حتى أبطال المهارة الكتابية والشعرية، استطاع النظام ابتلاعهم مثل الماغوط وتامر. بل إنه وظفهم في معاركه الجانبية التافهة، هضمهم وحولهم إلى سماد، ثمت أبطال النقد البناء، وأقصى بطولتهم خدمية رجائية، فمن يستطيع أن يشير إشارة إلى الحاكم وراء بدلة السبايدرمان، الرجل العكروت.

انتشرت قبل ست سنوات، شاخصة إعلامية عملاقة على الطرقات السورية، يرفرف العلم من فوق شخص ويتلألأ البيت الأول من النشيد الوطني حماة الديار! لم يكن الشخص يوسف العظمة، ولا هنانو، ولا جندياً سورياً، إنما كان فنانا سوريا يعيش حياة مترفة، وتنجذب إليه صبايا الشام، طالبات منه التوقيع ليس على قرطاس الذكرى، وإنما على دفتر الغنائم القصوى. ضبطه شاميون يوقع لإحدى الحسناوات على دفتر جسدها بحبر الشهوة السحري، وهذا ما يسميه أهل الشام بعامتهم فعلاً شائناً، في حواري دمشق القديمة، في الليل.

وشهدتُ في البلدة التي قمت فيها واحدة من أغرب الحوادث، فقد تقدمت عائلة، مات لها جندي في حادث سير بطلب تغيير اسم مدرسة  الحي، وهي لشهيد قديم من أيام حرب تشرين، واستطاعت تغيير اسم المدرسة! لكن، هناك مثال أقرب، وهو تغيير أسماء عشرات المدارس والمراكز الثقافية والمساجد، من أسماء أعلام وفحول في الثقافة والفتوح والعلم إلى اسم ابن الرئيس، الذي قضى أيضاً في حادث سير. في نظم الطغيان، الصراع لايتوقف بين الأحياء على التاريخ، وإنما يستمر بين الأموات في العالم الآخر!

ربما أردت بهذا المقال الانضمام إلى جوقة المطبلين لبطل يرموك الفضائيات، وحطين الطرب، البطل العلامة، الفهامة، النحرير المقدام، حازم شريف، الذي تحول إلى ظاهرة إعلامية وثورية. كل الأبطال في التاريخ، اعتبروا أبطالاً لأنهم أبوا البقاء على الحياد، واتخذوا موقفاً في المشاهد الكبيرة أو الصغيرة .أبطال العرب الحاليين حتى يكونوا أبطالاً عليهم أن يكونوا خُناثاً، محايدين، وقد بارك لنا متحدث اسرائيلي ببطل معركة عرب ايدول ، الفاتح الشاب، صاحب الفرحة اليتيمة، في بلاد الأرملة. الذي لم يرفع العلم فوق قمة الجبل المحرّر!

فجأة بتنا نعاني من كثرة الأبطال، الشهداء، إلى الدرجة التي لم نعد نحصيهم فيها، وأمسوا مكتومي القيد، ومجهولي القبر، في أربع سنوات من عمر الثورة المنكوبة، وهم باتوا من فيض النعم نتصدق بهم على حيتان البحار وقشاعم الجبال.

ربما قلت أن سبايدرمان سوريا الأوحد جعل سورية واهنة  كبيت العنكبوت.  والعنكبوت حشرة تأكل زوجها وأولادها بعد غزلٍ أنكاثا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب