الأحد 2018/04/15

آخر تحديث: 12:26 (بيروت)

مهزلة اسمها معارضة الخارج

الأحد 2018/04/15
increase حجم الخط decrease

ما معنى أن يرفض بَعضُنَا أن يكون ظهيرا سياسيا للسيسي، ويأتي إلى اسطنبول أو إلى أي منفى من منافي الربيع العربي ليكون ظهيرا وحليفا لمن هو أكثر فسادا وكذبا واستبدادا؟

ما معنى أن نرفض أن ندفع ثمن بقائنا في بلادنا سكوتا عن ممارسات السيسي أو بشار الإجرامية، ونأتي إلى اسطنبول لندفع ثمن بقائنا فيها سكوتا و"طرمخة" على من هو أكثر إجراما وتنكيلا بأصحاب الموقف والمبدأ؟

ما معنى أن نظهر على الشاشات كل يوم ننادي بالحرية للوطن المسلوب والعدالة للمظلومين والخبز للجياع والكرامة الإنسانية لكل مصري فيما نتجاوز عمن يسرق خبز الشباب المصري في غربتهم ومن يسلبهم حريتهم وكرامتهم ويشغلهم بالسخرة ليحصد ملايين الدولارات ينفقها على نزواته وكلابه النادرة وقصوره واستراحاته وخدمه الفلبينيين والسيرلانكيين ولجانه الالكترونية المتفرغة لسباب كل من يقترب من قلعة مصالحه و"سبوبته" النضالية!

إن ما يحدث بين نخب الثورة المصرية في اسطنبول من مساندة واضحة للصوص القضية والمتكسبين من ورائها والمتاجرين بآمال منكوبيها وآلام شبابها وشيوخها ونسائها من المعتقلين والمعتقلات، إلى السكوت و"الصهينة" عن كل ذلك، وصولا إلى الجريمة الكبرى وهي حث الشباب المذلول في غربته علي يد من يدعون نضالا وثورية، أكثر من ذله الذي لاقاه على يد النظام الفاشي في بلاده

يحثونهم على "التأقلم" على اعتبار أن السرقة والتهليب هي طبائع الأمور وأن عليهم أن يدفعوا جميعا ثمن فشل نخبهم في أن يصلوا إلى أي شيء أو أن يصبحوا أي شيء سوى أنهم "فشلة"


لقد تحولت الثورة المصرية في اسطنبول إلى "مشروع خاص" وتحولت منابرها، ومنافذ خطابها إلى "بيزنس" يشرف عليه نخاسو الرأسمالية المتوحشة، وتحولت حجة القضية إلى وسيلة رخيصة في أيدي هؤلاء لابتزاز مشاعر الشباب وتشغيلهم بأجور أقل مما ينفقها أحدهم على كلابه، وخداعهم بالدين تارة وبالثورة والقضية والمعتقلين والشهداء تارات أخرى، ولا يتورع الواحد من هؤلاء أن يتاجر بآيات الله من "الفاتحة" إلى "الناس"، وبسنة نبيه وحكمة عباده وأولياءه وأن يحول لسانه وحساباته على مواقع التواصل إلى منابر وعظية آناء الليل وأطراف النهار جزاء دولار زائد يسرقه من شاب لم يتجاوز العشرين من عمره ... يفعل أحدهم ذلك تحت سمع وبصر الجميع ولا يجد من يرده بل على العكس يجد من يشجعه على المضي ويشاركه على الدرب متعة الوصول ...


لقد انحاز للثورة المصرية الكثيرون، منهم من كان جزءا منها ومن حركة الوعي التي أنتجتها، ومنهم من كان، ولم يزل، راكبا متسلقا انتهازيا منتفعا أكالا للسحت على كل الموائد مستحلا للمال السياسي الحرام الذي يقتطعه من لحم الشباب، ومن قسوة غربتهم، الشباب، أصحاب الهم والقضية الحقيقيين، وهؤلاء، كما يشهد التاريخ، هم من يركبون كل الثورات، أو بالأحرى هم من يفشلونها، ويتربحون من وراء إفشالها...


الاستثناءات قائمة، لا أنكرها، إلا أن في اسطنبول، الآن، وفي الحالة المصرية التي تصلح كنموذج حالة يقاس عليها أحوال الباقين، شباناً يدفعون ثمن فشل النخب المصرية في صياغة نموذج للمعارضة "الجادة"، وثمن التفاف نخبتنا حول نكرات وتوافه لا قيمة لهم ولا تاريخ نضالياً حقيقياً، صنائع دولة مبارك التي كانت تجيد صنع معارضيها مثلما كانت ولم تزل تجيد صنع مؤيديها، ومن عجب وبؤس أن تجد من يخبرونك - دون خجل - بأنهم على دراية كاملة بالتاريخ الأسود لهؤلاء الطفيليين ويعلمون عنهم من الجرائم الأخلاقية والسياسية ما يكفي لمحاكمتهم ألف مرة، لكنهم مضطرون للتسليم بوجودهم أمرا واقعا، فلا يوجد غيرهم!  


لقد فقد الشباب في المنافي، وخاصة في اسطنبول، أي أمل في نخبهم، وصاروا سجناء واقعهم البائس، ومبادئهم التي لا يستطيعون منها فكاكا، تلك التي تمنعهم أن يتحولوا إلى أسرى اعتذار رخيص لقاتل مثل عبد الفتاح السيسي، كما أن ما ينتظر بعضهم من أحكام ظالمة بالإعدام والمؤبد والسجن الطويل بتهم مثل التظاهر والكتابة على الحوائط، يمنعهم من أن تكون العودة المرتجاة في القريب، ولم يعد أمام الكثيرين منهم، بكل أسف، سوى العدمية السياسية، وفقدان الإحساس بالجدوى، والكفر بأي قيمة حقيقية، هؤلاء هم الشبان الذين لم تضيعهم القاهرة، ولم تنل منهم رصاصات السيسي وعساكره، لكنهم يضيعون الآن حرفيا في دكاكين القضية باسطنبول، والبركة بالعجائز!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها