الجمعة 2018/04/13

آخر تحديث: 23:19 (بيروت)

أجوبة أسئلة مادة الكيمياء

الجمعة 2018/04/13
increase حجم الخط decrease

لمَ امتحن النظام شعبه في مقرر الكيمياء، في يوم امتحان مقرر التاريخ؟

ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام الكيمياء، فحياتنا كلها كانت هرمونات سياسية، أو إيديولوجيات منتهية الصلاحية، ولو استطاع أن يعيش من غير عبيد، لجعل شعبه يتنفس السارين بدلاً من الأوكسجين. طالبتْ وفودٌ شعبيةٌ الأسد في أول الثورة باستخدام رصاص مطاطي، أسوة بدولة الاحتلال الظالمة، فتعلل بعجز الميزانية، وهي الآن أعجز، والكيمياء سلاح رخيص وفعال، والكلور غير محرم، والسلاح الكيماوي أفضل من المطاطي، فهو لا يجرح الجسم، ويمكن الادعاء بأن السارين كلور، ويمكن غشه كما يغش اللبن بالماء، كما أن الأدلة تطير بعد ساعة، الأدلة لها أجنحة الريح. عاش النظام فوق الريح وفوق القانون، ويرى كثيرون أنه مدلل أكثر من إسرائيل، أما صور الضحايا، فكلها مفبركة، سبع سنوات والعالم أعمى، قد تبكي مذيعة، قد يغضب شيخ أمريكي، ثم تتبخر الغضبة، وأوباما كان مصاباً بعمى الألوان، رفع البطاقة الحمراء، لكن الروس أقنعوه أن البطاقة الوردية أجمل للسلام الدولي.

والسارين مفعوله عائلي، يقتل الحاضن والمحضون، ويخلي الحضن، لكن النظام الدولي أحب أن يظهر دهشته من الأمر هذه المرة، كأنه شمَّ الرائحة أخيراً، فلعل القرع استوى أيتها السيدة لوبياء. فرزدق البيت الأبيض غاضب، فأبشر بطول سلامة يا مربع. مشكلة ترامب أنه "سويعاتي" في اللهجة الشامية، في المصرية زي رياح أمشير كل ساعة في حال.

قال الناقد السينمائي بشار الجعفري، في بيان التعليل أن التهمة اختلاق، وذكر هوليود مرتين، ولم نكن نعلم أن أصحاب الخوذ البيض، وهم متطوعون، لهم هذه القدرة العظيمة، وتلك البراعة في إخراج أفلام، يعجز عنها مخرجو الخدع السينمائية، وأفلام الكوارث. وتمنينا، لو يظهر مخرج أمريكي، أو سوري، أو روسي، على فضائية موالية، أو معادية، فيبين لنا بأدوات السينما التزوير في الصور الحية، وقدرة هؤلاء الأطفال على التمثيل، والأطفال تمثيلهم غالباً مضحك، لأنهم في التمثيل يشبهون الآلات. ولم يذكر الجعفري هذه المرة آكل الأكباد! وقال: إن دولته ليست بحاجة إلى السلاح الكيمياوي، وهي منتصرة، ولم يذكر الدعم الروسي والإيراني، ولم يذكر أنهم في السنة السابعة من الحرب، وأنهم ملّوا من الانتظار، ويستعجلون إعلان الانتصار، وعمل "كود باي بارتي" للحرب، و: خلصت. وقال آخرون في مماحكات بيزنطية، دفاعاً عن النظام السوري: إن المخطوفين لم يقتلوا، فكانوا مثل الصعيدي، الذي سرق منه القطار، وطالب بالبصمات. وقالوا: إن معظم القتلى من الأطفال، وليس بينهم إرهابي واحد! وكانت الشهرزاد بثينة شعبان، "الرجل" الثاني في النظام، قد قالت في المرة الأولى: إن الضحايا من الساحل، وقد خُطفوا إلى مكان الجريمة! ولم يذكر أحد حتى للمماحكة، بأن الأسد لا يقتل أبناء شعبه، وذكر آخرون أن استخدام السارين جرى لمكايدة الروس، الذين ليس لهم حقد النظام على شعبه، ويفاوضون أهل الغوطة، وقيل إن استخدامه جرى من لدن فصيل سهيل النمر لإحراج الأسد.

لنتذكر أن النظام الإيراني، الذي صار إماماً للنظام السوري، كان ينفي بناء مفاعل نووي، بحجة أن الإمام الخميني حرّم استخدام السلاح النووي، ولم يجب الضيف الأمريكي الباحث دوغلاس ليفنت، الذي ظهر مع برهان غليون في حصاد الجزيرة جواباً شافياً حول سبب غضب المجتمع الدولي لاستخدام سلاح الكيمياء، وسكوته عن السلاح التقليدي، فذكرَ القوانين الدولية المحظرة له. وكان الشيخ الفلسطيني بسام جرار قد ذكر في تعليل كراهة الغرب لسلاح الكيمياء، خطورة استخدامه في الغرب فهو سهل ورخيص، أما كاتب هذه السطور، فكان تحليله في ليلة صيف ماطرة، أن السبب هو اقتصادي، غير إنساني، فالغرب يغضب لأن السلاح الكيماوي يعطل تجارة السلاح التقليدي، وهي درة الصناعة الغربية، كما أنه يعطل تجارة مواد البناء الغربية، فالسلاح الكيماوي لا يدمر الحجر، وثالثاً، لأنه لا يشفي غليلهم مثل السلاح التقليدي، فالكيمياء من غير دماء، وعدو الأسد هو عدو الغرب، ولا بد من دماء في الصورة علشان تطلع حلوة.

لكن لم يستخدم النظام السوري السلاح الكيماوي؟

سألوا العقرب لمَ تلدغ؟ فقال: أنا أبوس بذنبي.

الواقع يقول: إن النظام السوري بعدة رؤوس، وإن بشار الأسد رئيس فخري، وهو يقتل بكل الأسلحة، ويفقد الجنود، وإن سبع سنوات غير كافية لتعويض الجيل المفقود، وإنه فقد في الحرب على الغوطة، حوالي خمسة آلاف جندي، وإن الأسد أدرك قدراته في الفن التشكيلي، مع أول استخدام له، فحوّل بالألوان الروسية خط أوباما، من الأحمر إلى الأخضر، وركن إلى الصفقة، لكن يبدو أن الألوان مع الزمن تتغير، وعين ترامب غير عين أوباما، فالديمقراطية الأمريكية، والغربية بعامة، مرنة في الداخل، صلبة في الخارج. على الأقل هي صلبة على تويتر ليوم واحد فقط.

النظام لم يكن يوماً يفكر كما يفكر هؤلاء المناطقة العقلاء، فمثلاً يمكن طرح آلاف الأسئلة: لمَ يغضب النظام من تسعة وتسعين مثقفاً سورياً، وكلهم من اليسار، وحليقون، بتهمة التوقيع على عريضة؟ لمَ يضع النظام دبوساً على طاولات الانتخاب؟ أو لمَ تظهر بنات الإرهابيين للاعتراف بأنهن قمن بسفاح المحارم، ولمَ يحكم الرئيس الابن والروح القدس دورات لا نهائية، ولمَ قانون الجاذبية الأرضية في سوريا يشدُّ الناس تحت الأرض شهداء، أو يثبُ بهم إلى السماء، شهداء أيضاً.

الجواب هو أن السوريين سموا ثورتهم ثورة الياسمين، وهي ثورة عطر، فأحب الفنان التشكيلي أن يبادلهم عطراً بعطر فَيَا شامُ اسْكُبي. "بدكن حرية"، هذه هي الحرية. وكان العرب قد اخترعوا علم الكيمياء لتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة، والأسد يستخدم علم أجداد العرب، لتحويل سورية القديمة إلى سوريا جديدة متجانسة، وتحويل ساحة بني أمية إلى ساحة أم إياد، أو أم عماد.

إن الطغيان جشع جداً، ويحب السرعة، كما إن إسرائيل مستفيدة من المذابح السورية بالبراميل والسارين، فالعربي سيتردد بإحياء ذكريات مذبحة كفر قاسم ودير ياسين، عيب يا رفيق، والنظام المقاوم يقتل في اليوم الواحد ما يعادل ثلاث مذابح إسرائيلية، وكما أن هناك في عالم الاقتصاد غسيل أموال، لدينا في عالم السياسة غسيل أحوال، وهو ما يجعل التمديد للأسد مطلوباً.

ركن النظام السوري بمقايضات روسية، إلى أن النظام الدولي راض عن المجازر، فهي طريقة لتحديد النسل، وتفكيك القنبلة الديمغرافية السورية، وهي سلاح أخطر من السلاح الكيماوي، فارتكب أول مجزرة، وثاني مجزرة، ثم تكررت، حتى صار السلاح الكيماوي عادة شهرية، وأمس دافع ضيف الجزيرة دوغلاس ليفنت عن النظام، أكثر من الجعفري، فذكرَ الكلور.

أما سبب استعمال الكيمياء، في تأويل أخير، من بين مقررات المنهاج كله، فسببه أن أصل المناهج كلها هو الكلمة والرقم. والكلمة في الدستور قد بُدلت من أجل الرئيس، أما الأرقام، فهي في حكم العدم، فالشعب كان دوماً صفراً، والواحد هو الرئيس الأوحد، ويمنع الاقتراب منه، والحساب الوحيد في سوريا الأسد هو الذي يدفع في مصارف المقرات الأمنية أرواحاً تحت التعذيب، أو جثثاً دامية تحت القصف بالبراميل، أو مخنوقة بالموت الكيماوي النظيف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب