الثلاثاء 2018/03/27

آخر تحديث: 18:46 (بيروت)

المارد الطلابي يتحرك في أميركا

الثلاثاء 2018/03/27
المارد الطلابي يتحرك في أميركا
increase حجم الخط decrease

"البالغون يعرفون اننا سننظف أوسخاهم" تنقل مجلة "تايم" الأميركية في عددها الأخير عن الطالب كامرون كاسكي في الصف الثانوي الثاني في مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس في مدينة باركلاند في ولاية فلوريدا التي شهدت آخر مجزرة جماعية أودت بحياة 17 طالبًا وطالبة في الرابع عشر من شباط الماضي الذي يصادف يوم عيد الحب، حين دخل الطالب السابق في المدرسة نفسها نيكولاس كروز مدججًا بالسلاح الحربي ليرتكب عملية قتل جماعية جديدة قبل ان يفر سالمًا ليتم اعتقاله لاحقًا وإحالته على القضاء.

"كأنهم يقولون لنا نعتذر عن هذه الأوساخ التي تسببنا بها، بينما هم لا يزالون يسيحون مشروباتهم على الأرض" تضيف ايما غونزاليس التي تحولت مع كاسكي وزملاؤهما بين ليلة وضحاها الى قادة وطنيين على المستوى الأميركي يقودون صحوة طلابية شبابية ضد السلاح وضد أكبر "لوبي" في أميركا "، جمعية البنادق الوطنية" التي تمسك الحزب الجمهوري الحاكم من رقبته وتملي عليه كل ما يتعلق بالقوانين الناظمة لشراء واقتناء السلاح على المستويين المحلي والفدرالي، بحماية التعديل الثاني من الدستور الذي يجيز لكل أميركي حق شراء واقتناء واستخدام السلاح من دون قيود.

في الجو السياسي الأميركي الراهن الذي فرضته الرئاسة غير المتوقعة وغير المألوفة لدونالد ترامب، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة المنفلت من عقاله والغارق حتى اذنيه بفضائح انتخابية وسياسية واخلاقية، لم يكن أحد يتوقع ان يأتي الرد من أقل الفئات العمرية تفاعلًا في السياسة انتخابًا أو مشاركة، فئة الشباب والطلاب. فهذه الفئة ينظر اليها عمومًا كمجموعة لا مبالية الا في حالات محدودة أو محدودة التأثير مثل حركة "احتلوا وول ستريت" بعد الانهيار المالي عام 2008، او حركة "حياة السود مهمة" بعد تكاثر حوادث قتل الشرطة للشبان السود في عهد باراك أوباما. فمنذ آخر فالانتين تغير المشهد السياسي الأميركي كليًا ليرفد الحركة المناوئة لترامب والمحافظين والحزب الجمهوري بأكبر تكتل تفوق حتى على الحركة النسوية التي بدأت منذ اليوم الأول لتنصيب الرئيس الحالي.

نهاية الأسبوع الماضي، شهدت واشنطن العاصمة، أكبر حشد سياسي معارض في تاريخها. حشد أعاد الى الاذهان صور وانطباعات حركة السلام المناوئة لحرب فيتنام في السبعينيات. بلغ عدد المشاركين، وفق المنظمين والكثير من المواقع الإخبارية الرصينة حوالي 800 ألف متظاهر، وهو ما يفوق عدد التظاهرة النسائية الأولى بحوالي 300 ألف شخص. لم يسبق لواشنطن ان شهدت حشدًا كهذا، والأهم أن القيادات التي ظهرت فيه وجوه شبابية معظمها لم ينه سن المراهقة، لكنها كانت متماسكة في خطابها ومطالبها وبرنامج عملها. حركة تريد أن تضع حدًا للوبي السلاح الذي، وحده يتفوق على "اللوبي الصهيوني" نفوذًا وتأثيرًا.

لكن الهدف المعلن يخفي وراءه اهدافًا أبعد. ليس المطلوب تقنين السلاح فقط. المطلوب تقنين العنصرية البيضاء التي لا تزال تتحكم بمفاصل الحياة السياسية الأميركية. فللمرة الأولى يشهد الجيل المحافظ، جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، ضمورًا ديموغرافيًا لأسباب طبيعية (التقدم في العمر). تمكن هذا الجيل من الإبقاء على المحافظين في واجهة المشهد، من دون ان يخفي كثيرون منه اعجابهم بالفاشية والنازية اللتين قاتلوهما في أوروبا في الحرب العالمية الثانية من موقع "التنافس" وليس "العداء"، ومن منطلقات وطنية لا عقيدية.  لم تتمكن حركة السلام من انهاء تلك الحالة التي اعادت الليبرالية الجديدة بزعامة مارغريت تاتشر في بريطانيا ورونالد ريغان في اميركا احياءها، فيما تبددت حركة السلام وتحولت الى رمز للامبالاة وتعاطي المخدرات والانحلال الأخلاقي. تمكن المحافظون في تلك الاثناء من ادعاء التفوق الأخلاقي الغربي وتوجوا ذلك باحتفاليتهم بنهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشيوعي.

الآن تبدو الصورة مختلفة تمامًا. فئة الشباب (من 18 الى 25 سنة من العمر) أصبحت للمرة الأولى توازي عدديًا فئة جيل ما بعد الحرب الثانية. كان الفارق حتى الآن ان فئة الشباب لا تشارك في التصويت الا بأقل من نصف الفئة الثانية. تشكل الفئتان الآن حوالي 60 بالمئة من مجموع الناخبين، مع فارق بيّن وهو أن الطلاب الآن مستعدون للتصويت، لا بل يحشدون له. هذا لن يخلق فارقًا نسبيًا في النتائج، بل سيكون انقلابًا كاملًا يستأنف ما بدأه باراك أوباما عام 2008. مشكلة الطلاب لا تقتصر على جرائم القتل الجماعي وان كانت عنوانها. حركة الطلاب هي رد متأخر على الريغانية والرأسمالية المتوحشة التي ضاعفت عدد المشردين والاسر المضطرة للعيش على المعونات التي تشح تدريجًا. تريد إعادة الاعتبار الى النقابات العمالية والى حقوق المهاجرين والملونين والمثليين والمهمشين، والأهم هي رد مباشر على رئاسة ترامب وذكوريتها ووقاحتها وقلة احترامها للقانون والدستور والأعراف.

المواجهة ليست سهلة بالطبع. جمعية البنادق الأميركية، اللوبي الأقوى تاريخيًا ليس بدون سلاح او داعمين. مع خمسة ملايين عضو مسجل وقدرة على صرف 100 مليون دولار في كل دورة انتخابية، توظف معظمها لإزاحة أعضاء الكونغرس الجمهوريين المترددين، لن تتردد في استخدام كل وسائلها ، بما فيها الوهن الأخلاقي والقضائي للرئيس ترامب، لقمع الحركة الطلابية، وقد بدأت بالفعل في ذلك من خلال موقع الرئاسة وكبار المستفيدين من تبرعاتها من المشرعين، والأهم من خلال "فوكس نيوز" والبرامج الإذاعية اليمينية في شن حملتها المضادة ضد الحركة الطلابية متهمة "اليسار" والديموقراطيين بالوقوف خلفها، واستظهار الحقوق الدستورية في التعديل الثاني.

لكن المشهد الآن ليس في صالح لوبي السلاح او المحافظين. فبعد خسارتين مدويتين في ولاية الاباما وولاية بنسلفانيا، وفي ظل استنفار ليبرالي ديموقراطي غير مسبوق ضد ترامب وادارته المهتزة، ينظر الجمهوريون بريبة الى نتائج الانتخابات النصفية في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث سيكون 20 بالمئة من الطلاب المحتجين في عمر قانوني يؤهلهم للتصويت، اما الرعب الأكبر فسيكون في الانتخابات العامة عام 2020 حيث سيكون جميع الطلاب من المقترعين، وفي مواجهة مرشح جمهوري مثل ترامب يخشى المحافظون ان تؤدي تلك الانتخابات الى اغلبية دستورية ديموقراطية كما هو حاصل الآن في اكبر ولايتين؛ كاليفورنيا ونيويورك، عندها سيكون المشهد من مشاهد يوم القيامة السياسة ليس في اميركا وحدها، وانما في الغرب كله.         

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها