الإثنين 2018/03/26

آخر تحديث: 00:39 (بيروت)

حكومة حرب أميركية

الإثنين 2018/03/26
حكومة حرب أميركية
increase حجم الخط decrease

كل التغييرات في واشنطن تؤشر إلى شهور ساخنة في المنطقة.

ففي غضون أقل من أسبوعين، استبدل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مسؤولين اثنين من أصل ثلاثة شكلوا سويّة مكابح لتهوره في الأمن والسياسة الخارجية، برجلين من صقور الحرب. بداية، استُبدل وزير الخارجية الأميركي ريك تيلرسون بالجمهوري المتشدد مايك بومبيو (تولى لأكثر من سنة رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية). ثانياً، أطاح ترامب بثالث مستشار للأمن القومي خلال 16 شهراً من توليه سُدة الرئاسة. عيّن السفير السابق جون بولتون مستشاراً للأمن القومي الأميركي، خلفاً لهربرت ماكماستر.

تيلرسون وماكماستر شكلا مع وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس (سيلحق بهما قريباً) رادعاً للكثير من السياسات المتهورة. ورغم ما نُشر وأشيع عن خلافات بين ماكماستر وماتيس بعدما طلب الأول من الثاني خططاً عسكرية لضرب ايران، ينتمي هذان المسؤولان إلى صنف قاتلَ ويعرف الحرب وشؤونها ويستنفد كل الوسائل الردعية في السياسة والعسكر باعتبار الحرب خياراً نهائياً.

على سبيل المثال، كان هذا الثلاثي وراء مواصلة الادارة الأميركية دعمها مؤسسات الدولة اللبنانية، وعلى رأسها الجيش، وأيضاً بناء علاقة جيدة مع رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري حالت دون عقوبات جماعية مُدمرة. والحريري لطالما تحدث أمام زواره عن علاقته الجيدة بماكماستر وتيلرسون وماتيس، بخلاف بقية المسؤولين في ادارة ترامب. في المقابل، حذر بولتون بعيد استقالة الحريري في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي من سيطرة حزب الله وايران على لبنان، مطالباً باستراتيجية شاملة لمواجهتهما. وكان بولتون وراء إطالة الحرب الاسرائيلية عام 2006، لدعمه القضاء على الحزب عسكرياً. وبومبيو ليس بعيداً عن هذه المواقف.

تدق هذه التغييرات في الإدارة الأميركية طبول الحرب لسببين أساسيين: التوقيت وحِدّة مواقف المسؤولين الجديدين.

أولاً، يقترب موعد رفع العقوبات في 12 أيار (مايو) المقبل، وبالتالي تقرير مصير الاتفاق النووي مع إيران. كان الرئيس الأميركي وجّه تحذيراً لشركائه الأوروبيين في هذا الاتفاق، يقضي بتعديله من أجل تضمينه شروطاً على علاقة بالقدرة الصاروخية الإيرانية، وبالدور الإقليمي لطهران. الأوروبيون حاولوا، والإيرانيون رفضوا.

ثانياً، بومبيو وبولتون يعتبران الاتفاق النووي مع ايران، "كارثياً"، ويؤيد الأول توجيه ضربات عسكرية لإيران وكوريا الشمالية أيضاً. ولدى الرجلين سجل من التصريحات يدعوان فيه الى فرض شروط على بيونغ يانغ من قبيل تدمير المشروع النووي برمته وإلا الحرب. وينسحب هذا النمط من سياسة التهديد وفرض الشروط على ايران أيضاً. وفي كلتا الحالتين، ستكون نتيجة مثل هذه السياسات، إما الحرب الشاملة أو هزيمة الطرف الآخر (الخيار الأول هو الأرجح). خلال الاحتجاجات الايرانية، طالب بولتون في مقابلة مع شبكة "فوكس" الإخبارية، بتدخل أميركي من أجل تغيير النظام في إيران. ذاك أن الرجل ذكر استهداف اسرائيل مفاعل تموز العراقي عام 1982، نموذجاً للتعامل مع مثل هذه التهديدات.  


في القضية الفلسطينية وعملية السلام، أعلن بولتون وفاة حل الدولتين. وعند سؤاله عن ماهية البديل، أجاب: "حل الدول الثلاث". تُضم غزة الى مصر لإدارتها أمنياً أسوة بجارتها سيناء، ويعود ثلث الضفة الغربية إلى الأردن. 3 دول "ستستفيد" من هذا الضم: مصر والأردن واسرائيل، فيما تتخلّص الأخيرة من "القنبلة الديموغرافية" العربية. واللافت أن هناك ربطاً في هذه الأوساط اليمينية بين اكتشافات الغاز في بحر قطاع غزة، وبين اغراء مصر بقبول هذا الاقتراح. وربما تُعرض على الجانب الأردني رُزمة انقاذ مالية لانتشاله من إفلاس مُحقق. وبومبيو قريب من بولتون في مواقفه، إذ يُدين في تصريحاته الوقحة "العنف الفلسطيني" ضد الاسرائيليين، ويُشيد بقدرة الأخيرين على التحمّل في وجه الاعتداءات الفلسطينية عليهم.   

وبالأسلوب ذاته، الإرهاب والاسلام سيّان لدى الرجلين، وبالتالي فإن المطلوب أميركياً توجهات أكثر راديكالية لمكافحة التشدد، أسوة بما ورد على لسان ترامب خلال حملته الإنتخابية، من مواقف مماثلة ووعود بحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة.

باختصار، بات علينا شد الأحزمة لجولة جديدة من الموت والتشدد في المنطقة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها