الجمعة 2018/03/02

آخر تحديث: 23:30 (بيروت)

احذر: السائق ترامب!

الجمعة 2018/03/02
increase حجم الخط decrease

نلت الشهادة، صابراً محتسباً، وكان أول عمل صالح عملته، هو أنني اشتريت شاخصة مرورية، ثبتتها في دبر سيارتي، أنذر بها بقية الزملاء الخيالة السائقين بأني مبتدئ، وعليهم الغرم، وقد أعذر من أنذر، فتجنبوا حماقاتي المرورية، وابتعدوا عن الشر وغنوا له نشيد حماة الديار، أو بشرة خير، أو يا ليلي يا ليلى.

 على شاخصة التحذير، كُتب أول أحرف الهجاء والذم: "A". والحرف المذكور، هو أول حرف من كلمة مبتدئ، وغرّ في الألمانية. لم تملأ اللوحة المحذرة رأسي اليابس، ولم أعتنق الدين الذي يقول إنّ أول حروف الأبجدية، يمكن أن ينذر القوم الألمان، ويقطع دابرهم، ويجعلهم يراعونني، ويبتعدون عن الشر، ويغنون له أغنية فراس الحمزاوي، مطرب الجيش العربي السوري: "طيـري لا ترجعي"، بعد وضع نقطة على حرف الراء، فكلّفت صديقاً بكتابة عبارة بالخط الشفاف، لأني من بلد مشهور بالشفافية، والمقاومة، كانت: احذر السائق ترامب.

وكنت قد قلت للمدرب إني لا طمع لي بالسياحة والسفر، فكل ما أبتغيه من هذه الآلة ذات الحوافر الدائرية، هو شراء الماء من السبيل، وتوصيل ابنتي للمدرسة في أيام الثلج، التي يتزلج فيها التمساح على جبل الصابون، من غير جهد، ولا جهاد، ولا دفع صائل، فالألمان يشربون المياه المعدنية، والمياه في داري كلسية، ودرب انتصاري ضائع، ولو كان عندي مياه حكومية لشربتها، عملاً بحكمة الشاعر الأعمى بشار بن برد، وأكثر العميان حكماء،  وبعض الحكماء ليسوا عمياناً، مثل  عبد الفتاح السيسي : إِذَا أنْتَ لَمْ تشْربْ مِراراً علَى الْقذى -  ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه.

ملاحظة: عاش عبد الفتاح السيسي عشر سنوات على الماء فقط، "غير الكلسي".

ويعاتبني أصدقاء على دسّ اسم عبد الفتاح السيسي السام، في كل نصوصي: فأقول لهم: الحب كده، فالسيسي شاغل الناس، ومالئ الدنيا وأمها. وأنّ مصر ولاية جامعة وتعدل الخلافة، كما قال عمرو بن العاص.

ونبهني أصدقاء، إلى أن كتابة عبارات على السيارات، أمر ناشز في ألمانيا، ومرذول، وفيها شرب غرامة على القذى، فقلت إن هدف حياتي طلع تسلل، وأن حياتي كانت غرامات مثل حياة فريد الأطرش كلها غرام في غرام.

وبقيت أعاني من أمرين، هما: صعوبة اقتحام الطرق الدولية، ومشقة التسلل منها إلى الطرق الفرعية، فلكل منهما أسلوب وخدعة، فيجب على السائق الدخول فيها متسارعاً، والخروج منها متباطئاً، وأعاني أيضاً من صعوبة الاهتداء بهدي غوغل على شاشة جهاز "النافي"، فهو جهاز لا غنى عنه في هذه البلاد، التي تشبه شوارعها رقعة الشطرنج، بينما تشبه شوارعنا لعبة البلياردو، والبولينغ، ضرباً بالعصي، أو صدماً بالرحى. وأشكو أيضاً من ضعفي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. ومن أمر آخر، هو الشرود على إشارات المرور، ومدتها دقيقة عادة أتأخر . عدة ثوان عن الاستجابة للإشارة، فيبدأ السائقون خلفي بالاحتجاج، والتظاهر بالأبواق، فأتقوّى على ذلك بشرب بول البعير، ومدربي يقول: ما هذا يا "أبيه"، هل انتجعت، وبدأت بالاعتكاف على ساحل إشارة المرور؟

فأقول: وقد سرحت أغنامي في المراعي والسهوب: كلها عدة ثواني يا قرادش.

وأعاني من ضعف التقدير عند نضج إشارة المرور، وتحوّلها تحت شمس الوقت والنظام من اللون البرتقالي إلى الأحمر، وتحوّل سوريا إلى أطلال ببرقة ثهمد.

ووجدتْ حورية العنبر فائدة في قيادتي الركيكة، وذلك بأن مصاحبتي في السفر، تخسر الوزن لشدة الرعب، وتنقص الميزان، الذي أسببه بقيادتي، وفي أول مشوار، غرمنا بغرامة بسبب الركن في منطقة ممنوعة، فويل للمطففين.

لكني في اليوم التالي، قصدت منطقة بعيدة هي بوخوم، لزيارة الأصدقاء النازحين، فأخذت معي قردي، وكان المدرب قد أهدانيه، فنصبتُ تمثاله التذكاري أمامي، حتى لا أنسى أن أكثر من القرد ما مسخ الله. ويرى آخرون أنه يمكن أن يمسخ الله أكثر منه، رئيس جمهورية عربية، لا يلتزم بإشارات المرور في الدستور، ويركن جثته فوق العرش إلى الأبد، ويغني أغنية فراس الحمزاوي للبلاد: "طيـري لا ترجعي".

وبما أن لكل قرد طرزان، فقد قلدت صيحة طرزان مع مدربي القديم آدم، في المدرسة التي تركتها،  وكان مدربي شاباً قليل الصبر، من تركيا أيضاً، وكان لجوجاً يصيبني بالإحباط، ويضيّق علي، فصحت فيه مرة صيحة طرزان في الأدغال، فبُهت الرجل، ولم يعد يجرؤ على الكلام، ولا يأمرني إلا همساً. في الدرس الرابع عشر، قصدت مدير المدرسة، وسددتُ حسابي كله، وقلت: هذا فراق بيني وبينكم، فسأل، وهو مغربي، عن السبب، وكنت أؤثر السلامة، عملاً بقوله تعالى: "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"، فقد تعلمت بعض الصبر في هذا العمر، قلت: زهدت في الشهادة، فأنا لا أصلح لها، سأعود إلى دراجتي، رحم الله عبداً عرف قدر نفسه، فوقف عندها. فقال: لا.. اعترف أنك ستقصد مدرسة أخرى، فلم أجبه، وخرجت، وأنا ألجم جهلي، وأكفكف غضبي.

بعد يومين، أحضر لي جاري السيد بالدور صحيفة محلية، وعليها صورة سيارتي، والعبارة التي طار ذكرها في الإقليم. وكان السائقون الألمان يقرأون العبارة، ويبتسمون، ويمرون بجانبي، ويرفعون التحية، ووجهي وضاح وثغري باسم، حتى الآن لم تنتبه شرطة المرور إلى عبارتي، فأنا ما زلت أفضل استخدام الدراجة، التي كنت أطلقت عليها اسم الغبراء، فالعشرة لا تهون إلا على الكافر، كما أنها مرنة مثل راقصة باليه، تذيب في القلب الصقيع، وتذكر بابتسامات الينابيع.

جلست مثل الزبرقان بن بدر أنتظر الغرامة من شرطة المرور، لقد كانت حياتي كلها غراماً، مثل حياة فريد الأطرش غرام في غرام، الظلم غطانا وفرشتنا، وخدود البوط مخدتنا .

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب