الأحد 2018/03/18

آخر تحديث: 22:02 (بيروت)

سوريا لم تكن ناخباً في روسيا

الأحد 2018/03/18
سوريا لم تكن ناخباً في روسيا
increase حجم الخط decrease

جرت الإنتخابات الرئاسية في روسيا في ظل أقصى التوتر في العلاقات الروسية الغربية ، إثر اتهام روسيا بالوقوف وراء  تسمم ضابط المخابرات الروسي السابق سيرغي سكريبال . وجاء هذا الإتهام ليتوج سلسلة متواصلة من الإتهامات ، من التدخل في الإنتخابات الأميركية والأوروبية ، مروراً بإعلان سباق تسلح جديد عبر رسالة الرئيس بوتين مطلع الشهر الجاري ، وانتهاءاً باتهامها "المضمر" بإعدام نيكولاي غلوشكوف ،  نائب الرئيس السابق لشركة "ايروفلوت" وصديق الأوليغارشي الراحل بوريس بيريزوفسكي ، خنقاً في بريطانيا ايضاً .

لم يكن بوسع الرئيس الروسي المرشح أن "يحلم" بواقع في العلاقات الدولية أكثر مواءمة مما هي عليه الآن لإعادة تتويجه قيصراً على روسيا. فلم تكن روسيا "قلعة محاصرة" بالأعداء أكثر مما هي عليه راهناً . وهي الصورة ، التي عمل الكرملين على ترسيخها في الوعي الروسي طيلة السنوات الماضية ، عبر "سلاح الإعلام"  ، الذي حرص على تحديثه ، بموازاة تحديث القوات المسلحة النووية الإستراتيجية ، منذ إطلاق العملاق الإعلامي "RT" .

من الصعب مقاربة الإنتخابات الروسية ، التي جرت،  بمعايير الإنتخابات في البلدان الديموقراطية ، بل هي كانت أقرب إلى استفتاءات الأنظمة الديكتاتورية ، حيث الغاية منها تأمين أكبر إقبال ممكن عليها وتسجيل نسب تأييد مرتفعة "للريس" ، كما يسمون بوتين في البيئة المحيطة به . ولم يتعاط بوتين نفسه مع هذه الإنتخابات ، بأنها سباق مع آخرين للفوز بموقع الرئاسة الروسية . فهو لم يكن يرى في الآخرين ، كل الآخرين، منافسين فعليين له ، بل كان يعتبرهم إكسسواراً ضرورياً كي تبدو العملية وكأنها انتخابات حقيقية . فلم يسمح لنفسه بمشاركتهم ، ولو لمرة واحدة ، المناظرات العلنية عبر شاشات التلفزة ، التي سبقت الإنتخابات ، وتركهم يتعاركون في ما بينهم ، ويرشقون كؤوس الماء في وجوه بعضهم ، ويصفون بعضهم بأقذع الألفاظ وأحطها، مما أبكى السيدة الوحيدة بينهم ، ودفع مقدم المناظرة إلى القول " ألا تخجلون من أنفسكم ، أنتم المرشحين لرئاسة روسيا؟" .

المرشحون أنفسهم ، الذين سُمح لهم بالترشح كانوا "مرشحين لا يطمحون للفوز" ، على قول صحيفة الكرملين ، بعد إقصاء المعارض الشهير ألكسي نافالني ،عبر آلية القضاء ، للسنوات العشر القادمة . وكان هؤلاء ، بعراكهم وشتائمهم ودموعهم ، منسجمين تماماً مع لغة أهل الكرملين السائدة ، التي بدأها سيدهم بعبارته الشهيرة "تبولوا عليهم في المراحيض" قاصداً مقاتلي الشيشان في حينها.  وكانت مهمة هؤلاء المرشحين تقوم في توفير أكبر مشاركة ممكنة في الإنتخابات ، حتى ولو كانت تحت شعارات منتقدة لسياسات الكرملين ، كما في حال المرشحة كسينيا سابتشاك ، التي تمنى عليها الكرملين نفسه التقدم بترشيحها .

من جانب آخر ، وخلافاً لما قام به المرشحون الآخرون ، لم يكلف المرشح بوتين نفسه عناء تقديم برنامج منفصل لما ينوي القيام به في سنوات حكمه القادمة ، وإصلاح ما أفسده الرئيس بوتين خلال سنوات حكمه 18 الماضية . واكتفى الرجل باستغلال الرسالة السنوية إلى البرلمانيين الروس ، التي ينص عليها الدستور ، ومر فيها مروراً سريعاً على كافة المشكلات الإقتصادية والإجتماعية ، التي تعاني منها روسيا راهناً ، وتوقف مطولاً عند الأسلحة الإستراتيجية الجديدة ، التي تمتلكها روسيا ، أو سوف تمتلكها قريباً ، والكفيلة ، برأيه، بإجبار الولايات المتحدة والغرب على الإستماع إلى روسيا والجلوس إلى طاولة المفاوضات والتحدث معها حديث الند للند.  

لم تحظ سوريا بذكرها ، ولو مرة واحدة ، في الرسالة البرنامج للمرشح بوتين ، كما لم تحظ ، في الحقيقة بذكرها ، إلا عرضاً ، في برامج المرشحين الآخرين ، ولم تكن ، بالتالي،  ناخباً في الإنتخابات الرئاسية الروسية . لم يعمد إلى استغلال "الورقة السورية" انتخابياً سوى حزب" الديموقراطيين الموحد" (يابلوكا) ، الذي طرح عريضة للتوقيع عليها من قبل المواطنين الروس ، تطالب بوتين بالإنسحاب من سوريا "لكلفتها الباهظة"على الإقتصاد الروسي ، ولم يحصل سوى على نتائج لا تستحق الذكر ، كما تشير نسبة الأصوات ، التي حصل عليها مرشحه .

لكن تجاهل بوتين لذكر سوريا في رسالته البرنامج لم يحل دون إعلان سوريا من قبل إعلامه (نوفوستي) المكان ، الذي وجه فيه بوتين ، عبر رسالته، ضربة قاتلة "للعصر الأميركي" . فقد كتبت نوفوستي ، قبل ايام من الإنتخابات ، بأن "العصر الأميركي" قد مات ، وبوتين هو الذي قتله ، ومكان القتل كانت سوريا بالذات.  ورأت نوفوستي ، أن الصراع السوري قد اظهر للعالم أجمع ، أن الولايات المتحدة لم يعد بوسعها حل مسائل حضارية ذات مستوى رفيع من التعقيد ، والتي تتطلب مستوى عال من حشد الموارد العسكرية والدبلوماسية والإدارية . أما روسيا ، فهي "قادرة على ذلك" ، على قول نوفوستي .

وتسخر نوفوستي من "طائفة محبي الغرب " الروس ، الذين يحاولون إقناع الناخبين بعدم جدوى منافسة أميركا ، مستندين في ذلك إلى الفارق بين الميزانيات العسكرية لكلا البلدين . لكن الوكالة تذكر "هذه الطائفة" ، بأن أميركا تنفق ميزانيتها العسكرية لصنع القطار ، بينما تنفق روسيا ميزانيتها لصنع المتفجرة ، التي تنسف القطار .  

الآن ، وقد صدرت النتائج الأولية للإنتخابات الروسية ، وأحرز فيها بوتين نسبة تأييد تفوق 70% ، تؤكد روسيا ضلال "طائفة محبي الغرب" هذه ، ووفاءها للمقولة القديمة المعروفة ، بأن "روسيا بخير ، طالما هناك جوع وقيصر" ، وهي لا تنتج سوى القياصرة.




increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها