السبت 2018/03/17

آخر تحديث: 10:03 (بيروت)

الإنسان حيوان "طاقق"

السبت 2018/03/17
increase حجم الخط decrease

آخر الأخبار من مصر، أنها خصصت أرقاماً هاتفية مجانية، للتبليغ عن المعارضين، المشبوهين، وكان رئيسها اللنبي (اللام غير زائدة)، والفيلسوف (أي محب الفكة)، وأبو الدنيا (أي زوج أم الدنيا)، ومسافة السكة (أيوا جاي)، وبالع الفكة (لا تحتاج إلى شرح ولا إلى أشعة سينية لرؤية الفكة في الأمعاء الغليظة)، قد بشّر “المصريين": بأنهم سيدفعون أجرة الكلام، وأجرة السماع. وبعض الناس تدفع فلوساً، وبعضها تدفع نفوساً.

وكانت أذرعه الإعلامية، قد أقرّت بأن الأسد قدوة في مكافحة الإرهاب، فالأسد هو السابق في المضمار، والسيسي هو المصلّي. رأفت الهجان الجديد، هو جاسوس مصري على المصريين، فالجيران الإسرائيليون أصدقاء. لنتذكر أن السيسي خرج على النص مرتجلاً، ومنشداً، ومتعهداً بحفظ: أمن المواطن الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع الإسرائيلي. وهو يشبه ما عبّر عنه محمد هنيدي بعنوان فيلمه: إسرائيل رايح جاي، والمخرج كمال الشيخ في فيلمه: الصعود إلى الهاوية.

كان مذيع قناة الحوار يحاور مصريين، لهم أسماء مستعارة، ويسألهم عن نبض شارع المصري، فقال مصري، سمّى نفسه "علي" بعد أن استحلفه المذيع: إن الناس كلهم مؤيدون، فاندهش المذيع، واستحلفه مرة ثانية: فقال: كلهم "خايفين"، وكل واحد كاتم في نفسه". وقال المذيع التونسي: إن أهل تونس شجعان، ولم تكن مصر يوماً جبانة، فهم مائة مليون، فلينزل عشرة مليون إلى الشارع، فقال علي: ما فيش قائد. وكان جمال حمدان يقول: إن حزب النكتة، هو أهم حزب معارض في مصر، والحكومة هذه الأيام تنكّت أكثر من المعارضة. فقد اعتكر المزاج الشعبي، ولم يعد مؤهلاً للطرفة والتنكيت. حوّل السيسي الشعب المصري إلى فكة.

قال المناطقة: إن الإنسان حيوان ناطق. وكان قبل بدء عصر الربيع العربي الأصفر: حيواناً ساكتاً، ويريد الطغاة الجدد جعله حيواناً واشياً. أحد أهم شعارات الثورة السورية كان: أنا إنسان ماني حيوان.

لم يكن أحد يصدق، أن العربي في القرن الحادي والعشرين، سليل عمر بن كلثوم، الذي قال: إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ. تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا، سيتحسّر على فضيلة النطق، التي فضّل الله بها الإنسان على بقية الكائنات، وقد تنمو له قرون. وجاء في الكتاب المقدس أنه في البدء كانت الكلمة، ويجمع علماء التفسير، أنّ الملائكة سجدت لآدم، لأن الله علّمه الأسماء كلها. ربما كان ابن كلثوم يقصد بالصبي، الصبي الجديد على العرش العربي، وبالجبابر الرعية.

ويفرّق العلماء بين السكوت والصمت، فالسكوت عن الحق رذيلة، والصمت حكمة، وكان للجدران في العهد البعثي، آذان، فصار لها ألسنة في أربع أو خمس دول عربية، بفضل الثورة المضادة، وعندما تتكلم الجدران، تخرس البشر، احتراماً للمعجزة التي انطق النظام بها الجدران.

في الهجمة المرتدّة، قصدنا مرمى فريق السلطة الضيق مثل إست العقرب، ولم يكن يُرى حتى بالمجهر، فوجدنا أنفسنا عالقين في الطين، فاستغل لاعبو الفريق المضاد، انشغالنا، وقصدوا مرمى الشعب، ولم يكتفوا بتسجيل هدف على الحارس المسكين، واعتقاله، ويجري التمديد لسجنه كل 45 يوماً، ثم قصف المرمى بالبراميل، وقصف الجمهور، وحطم المدرج، وأجبر الحكم على ابتلاع صفارته، شهيقه هدف، وزفيره بطاقة حمراء.

أمس نشر فيصل القاسم على صفحته، نذيراً لأحد المسؤولين السوريين، يبشرهم بأن النظام، ينوي مساءلة كل المحايدين، وأن أقطاب النظام في كل اجتماع أمني، يضعون الخطط لمحاسبتهم، وسيدفعونهم أثمان سكوتهم، فمن ليس معنا، فهو ضدنا. السكوت جريمة، وله غرامة وديّة. وقرأت خبراً، بأن معلمة سورية عاقبت تلميذاً، فأسعف إلى المشفى، لأنه لم يلتزم بفضيلة السكوت في الصف.

كان للرئيس كنز من الذهب، اسمه السكوت. لنتذكر الجعفري، وهو يقول لمراسلة، سألته سؤالاً، فأمرها بالسكوت. وتكتظ صفحات فايسبوك، بأسماء مقنّعة، الملك مفضوح وعار، لكن الشعب مقنع بالحديد. لقد عادت حليمة لعادتها اللئيمة.

وكان السيد مكاوي يغني قبل سنوات أن الأرض تتكلم عربي، فإذا بها تتكلم الروسية والفارسية والبشتونية..

تمتلئ كتب التراث العربي والإسلامي، بأخبار فضائل الستر، في الجاهلية، وفي الإسلام صارت عبادة، أشهرها قصة عمر بن الخطاب، مع الشيخ الذي وجده، وبين يديه شراب ومغنية، وقصة أخرى له، عندما تسور بيت، فوجد قوماً يسكرون، فأراد أن يقيم عليهم الحد، فتلى عليه أحدهم، قوله تعالى:" وَلَا تَجَسَّسُوا.. "، وفي الإنجيل، يضرب المثل بخيانة يهوذا بثلاثين من فضة، ونال فيلم "عطر امرأة"، جائزة الأوسكار على أهم مشهد في الفيلم، وفيه يدافع الكولونيل المتقاعد فرانك سليد عن الطالب الفقير تشارلز سيمز، الذي رفض الوشاية بزملائه، مع أن فعلتهم شائنة، فيصفق له الجميع. عطر امرأة، هو عطر الفضيلة، وهو من الأفلام الغربية القليلة، التي يخف فيها حضور الأنثى، إلا بعطرها.

يذكر التاريخ أن الملك الفرنسي لويس العاشر، كان يجد مشقة في لفظ حرف الراء، وينطقه غينًا، فأصدر أمراً بحذف حرف الراء من حروف الأبجدية. وثمة أخبار تقول: إن زوجته هي التي كانت تعجز عن نطق حرف الراء، والناس على أديان ملوكهم، والملوك على أديان زوجاتهم، وملوكنا الحاليون مخبرون، يرفعون تقارير عن الشعب كله، لملوكهم في الغرب.

من يدري، قد يخرج أحد الأذرع الإعلامية، ويزعم أن آدم كان مخبراً، وأن الأسماء التي تعلًمها هي أسماء المشبوهين والإرهابيين وأهل الشر، في الجنة. وأن الجنة كانت جنة، لأنها لم تكن مثل سورية و"العيراق".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب