الجمعة 2018/02/23

آخر تحديث: 07:35 (بيروت)

دينُنا العام 80 ملياراً

الجمعة 2018/02/23
دينُنا العام 80 ملياراً
increase حجم الخط decrease

بشّرتنا إحصاءات "جمعيّة مصارف لبنان" هذا الأسبوع، بإرتفاع الدين العام الإجمالي للدولة بـ145.94 مليون دولار خلال الشهر الأخير من عام 2017، إذ سجّل 79.52 مليار دولار. مقارنة بالسنة الماضية، زاد الدين العامّ الإجمالي بـ4.62 مليارات دولار.

وفقاً لهذه العملية الحسابية، سيرتفع الدين العام في حلول منتصف أو نهاية هذا الربيع إلى 80 مليار دولار مُدوية. هذا الرقم لا يعني شيئاً إن لم نُقارنه بحجم الاقتصاد الوطني اللبناني، ونموه الضعيف (يتأرجح بين 1 و2 ٪).

بكلام آخر، دينُنا العام ينمو بسرعة أكبر بكثير من مدخول اقتصادنا، وبالتالي يزداد العجز. لبنان بات كمن يتضاعف دينه ومدخوله شبه ثابت، ولا يعمل لتطوير نفسه وزيادة مدخوله. بكل بساطة وبرودة، تقودنا هذه الطبقة السياسية نحو الانهيار.

والدين عند 80 ملياراً يعني أيضاً أن نسبة الدين الى الناتج المحلي (حجم الاقتصاد)، وهو 47 ملياراً حالياً، تبلغ 170٪، أي أقل بـ10٪ فقط من اليونان. اليابان صاحبة الاقتصاد المنتج والصناعي والبنية التحتية المتطورة، تحتفظ بأعلى نسبة دين عام إلى الناتج المحلي على الإطلاق (234%) تليها اليونان ثم لبنان.

ولو أخذنا في الإعتبار طبيعة الاقتصاد الياباني وإمكاناته، وأيضاً الدعم الأوروبي المتواصل لليونان، لاستخلصنا أن لبنان يتربع على قمة قائمة الدول المُهددة مالياً.

ووضع اليونان مختلف عن لبنان ليس فقط لأن عضويتها في الاتحاد الأوروبي بمثابة شبكة أمان تحول دون الانهيار الشامل، بل أيضاً لأنها تشهد إصلاحات ونشاطاً قضائياً ضد الفساد. المدعية العامة الخاصة بقضايا الفساد هيليني تولوباكي، تشنُّ منذ تعيينها العام الماضي حملة على سياسيين كبار ورجال وسيدات أعمال وشركات محلية وأجنبية بتهم عديدة تتراوح من الفساد المالي المباشر، إلى التهرب من الضرائب. آخر ضحاياها في هذا المجال كان وزير الدفاع السابق يانوس بابانتونيو المتهم بتهريب ثلاثة ملايين يورو من الضرائب عبر زوجته.

تستدعي هذه القاضية صحافيين كتبوا عن الفساد وجمعيات ناشطة في هذا المجال لاستجوابهم والحصول على معلومات ووثائق منهم لملاحقة المسؤولين.


في لبنان، الوضع معكوس حالياً، أي أن الصحافيين يُلاحقون قانونياً ويُسجنون لو كتبوا أو نشروا ما يسيء الى أفشل طبقة سياسية على الإطلاق! لا يهتم القضاء بما في حوزتهم من أدلة لملاحقة السياسيين كما تفعل هذه القاضية اليونانية. حتى عندما يُعلن سياسي بارز مثل النائب وليد جنبلاط أن لبنان لو قرر ملاحقة الفساد لاحتاج الى فندقين مثل الريتز كارلتون، لا يتحرك القضاء للاطلاع على فحوى هذا الاتهام.

ألا تستحق الاتهامات السياسية العلنية بموضوع خطير مثل صفقة بواخر الكهرباء أو الاتهامات المتبادلة في ملف الإتصالات، تحقيقاً قضائياً أو استفساراً على الأقل من النيابة العامة؟ أليست هذه قضية أجدى من ملاحقة صحافيين ومقدمي برامج تلفزيونية لتطاولهم على الطبقة السياسية؟

الحقيقة أننا ومنذ خروج الجيش السوري في لبنان وانتهاء عهد الوصاية، لم نر وزيراً يدخل السجن، بل اقتصرت ملاحقة المسؤولين والمستشارين على قضايا رفعها زعماء سياسيون ضد من يُغضبهم أو يخرج من بيت الطاعة. وباستثناء بضعة انتصارات يتيمة في مجلس شورى الدولة، لا يُمثل القضاء تحدياً لأي من أقطاب السُلطة، ولا حتى لمسؤولين في الوزارات. ولذا، من السهل الإدعاء بأن غياب الملاحقة وعلى هذا المستوى تحديداً، أسهم إلى حد ما في تواصل الجرائم المالية المرتكبة بحق اللبنانيين.

كانت الحكومات المتعاقبة تُنفق لسنوات طويلة في غياب أي موازنة، وراكمت ديوناً دون انجازات خدماتية في ملفات حساسة مثل الكهرباء والاتصالات، وفي ظل تواتر اتهامات سياسية واعلامية بالفساد لم تُترجم إلى ملاحقات قضائية.

والمفارقة أن السلطات اللبنانية سلّمت العراق المعروف بالفساد في مؤسساته الحكومية، الوزير السابق للتربية والتجارة عبد الفلاح السوداني، كي يمضي حكماً بالسجن لفترة 21 عاماً بتهم الفساد والإهمال الوظيفي.

يبقى أن السوداني، أحد أبرز وجوه الفساد الحكومي في العراق، وجد في لبنان ملاذاً، وربما حضناً دافئاً ومتفهماً، حتى طلبه الانتربول.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها