الأحد 2018/02/11

آخر تحديث: 10:04 (بيروت)

إلى حسني مبارك..إعتذار مسبب!

الأحد 2018/02/11
إلى حسني مبارك..إعتذار مسبب!
increase حجم الخط decrease

11 فبراير، ذكرى رحيلك، إزاحتك من فوق صدورنا، خروجك من وقتنا، من أرضنا، من صمتنا، من عجزنا، يوم الخلاص، يوم رقصنا، وغنينا، وفرحنا، وانتصرنا، ولو في خيالنا الجمعي المثقل بالهزائم، والمرارات، ما أذكره جيدا، هو أنني في مثل هذا الْيَوْمَ منذ 7 سنوات، رقصت كما لم أرقص يوم عرسي، وغنيت كما لم أغن لحبيبتي (أو عليها)، حلمت كما لم أحلم في قصيدة، واستقويت في داخلي بالجموع كما لم أفعل من قبل .... ولن!

كانت فيروز في الْيَوْمَ التالي تختال بمنجزنا على حسابات عالمنا الافتراضي، مصر عادت شمسك الذهب، المعنى نفسه كتبناه، وكررناه، وقررناه، وصدقناه، وبدأنا بالتصرف مع الكون من حولنا وفقا له، رحل مبارك، سقط النظام، ماتت دولة يوليو، وولدت دولة يناير، نقطة ومن أول السطر، صفحة جديدة بيضاء!!

ربما كنا نحن أصحاب الصفحة البيضاء، والقلوب البيضاء، والعقول البيضاء، أما أصحاب الياقات البيضاء فكانوا يراقبوننا في ترقب وحذر، ويعرفون - وحدهم - ما الخطوة التالية؟ وها نحن أمام محكمة التجربة، تحكم فينا فنرضى دون استئناف أو نقض، تحيلنا إلى سجون الألم، ومعتقلات الحسرة، ومشانق التأنيب!

الآن، مبارك في بيته، بالأحرى في أحد قصوره، على بعد كيلو مترات من قصر الاتحادية، فيما نحن بين شهيد وجريح، معتقل ومشرد في بلاد الله، منا من قضى سجنه، ومنا من ينتظر، فما الذي تعنيه ذكرى رحيل مبارك الآن وقد عاد من رحل ورحل من ظن يوما أنه قد عاد؟

ربما تعني بالنسبة للكثيرين الغيظ وعض الأنامل، ربما تعني لآخرين مزيداً من الأمل في الغد، ربما تعني لأحدهم مزيداً من التهديد المجاني والوعيد بأننا لن نفشل في المرة القادمة، إن كان هناك مرة قادمة، لكنها تعني بالنسبة لي: الاعتذار!

اعتذار واضح ومطول لحسني مبارك، اعتذار ليس واجبا له لكنه واجب علينا، ربما لأنه اعتذار "لنا" قبل أن يكون له، وربما من دون أن يكون له، اعتذار مسبب ومعلل حتى لا يتصور مبارك ومن معه أنهم استطاعوا أن ينتزعوا اعترافا ممن ثار يوما عليهم، ولم يزل، بأنهم يستحقون الاعتذار!

لا أعتذر عن ثورة يناير العظيمة ، فهي أجل وأعظم عمل في حياتي، كما أنك يا سيادة الرئيس تستحقها وأكثر، بل إنني أعتذر نيابة عمن سبقونا بالنضال اننا تأخرنا، وكان علينا أن نأتي قبل ذلك بكثير!

ولا أعتذر عن يوم رحيلك فقد كان من أسعد الأخبار التي عايشتها في حياتي، ومن أسعد أيام مصر المحروسة بأهلها، والمخروسة بسطوة عساكرك، وهيلمانك، إنما أعتذر عن الآتي:

أعتذر لأنني تصورت أن سقوطك يعني سقوط نظام ولم أمنحك حق قدرك في الإفساد والتخريب وأدرك أن رجلا مكث في حكم مصر ٣٠ عاما، وسبقه مجرم آخر لمدة ١١ عاما، وسبقهما من لا يقل عنهما اجراما وصلفا ١٦ عاما، كل هذا كان كافيا لتعميق وجود هذه الدولة التي لن تنتهي لمجرد أن رجلا رحل!

أعتذر لأنني تصورت أنك الأكثر فسادا بين رجالك، فيما كشفت التجربة أنك فاسد "تقاوي"، وسط غابة من الفاسدين، يحمونك لتحميهم، ويستخدمونك ربما أكثر مما كنت تستخدمهم، وأن خلاص هذا البلد الحقيقي لم يكن في اقتلاع شجرتك إنما في حرق هذه الغابة بأشجار غرقدها الخرساء، تلك التي لا تخبر أي مصري بأن وراءها فاسداً!

أعتذر لأنني تصورت أنك "الفاسد الأكبر" الذي يعارضه الشرفاء، فيما كشفت التجربة من بعدك أنك كنت أذكى من أن تترك في المجال السياسي المصري "معارضة حقيقية" وأنك كنت موهوبا في شراء معارضتك وتربيتهم داخل محاضن دولتك الأمنية بنفس درجة موهبتك في شراء الأتباع والمريدين، أعتذر لأنني تصورت أن رحيلك وحده يكفي، فيما كان عليك أن ترحل ومعك رجالك من المؤيدين الفاسدين والمعارضين الأكثر فسادا وانحطاطا ...

أعتذر لأنني تصورت أنك "لص" نحاول أن نطهر البلاد منه ليحكمها أصحاب اليد الطاهرة والمقاصد الشريفة، ولم ندرك أنك كنت حرامي "باشا ابن باشا"، فيما كان ينازعك على "التورتة" لصوص جياع أبناء جياع!

أعتذر لأنني تصورت أن إعلامك الدولتي هو النموذج الأكثر فسادا وتزييفها لوعي الناس وتزويرا للتاريخ على حياة عين صناعه، فيما أثبتت التجربة المريرة أن إعلامك كانت له حدود مهنية في التزوير، وسقف في التزييف، ومعايير للكذب والتدليس، و"سنس" في النفاق والتطبيل، وخوف من الله في استخدام اسمه وصفاته والقسم به جل شأنه أمام الشاشات كذبا ورياء ونفاقا لتحقيق مكاسب رخيصة مثل أصحابها، الآن يا سيادة الرئيس يفعلونها دون أن يطرف لهم جفن، فأين أيام الكذب والتزوير الوسطي الجميل؟

أعتذر لمشايخك من مشايخنا، لقساوستك من قساوستنا، لفنانينك من فنانينا، لطباليك من طبالينا، لسلفييك وإخوانك من إسلاميينا، ليسارك من يسارنا، ليمينك من يميننا، لمعارضتك في الداخل والخارج من معارضتنا، فحتى لو كانت بعض الأسماء هي بعض الأسماء وكل الصفات هي كل الصفات وكان الشخوص هم نفس الشخوص، إلا أن شيئا ما قد تغير بعد رحيلك غير المأسوف عليه، فلا هم هم، ولا نحن نحن، ولا الزمان هو الزمان!

أعتذر يا سيادة الرئيس، لعله أول اعتذار لمجرم أثيم، ثبت إجرامه بالأدلة القاطعة، والبراهين الناصعة، كما ثبت بأحكام القضاء النهائية النافذة، لكنها الحقيقية، ما أشد قسوتها، فأين أنت أيها المجرم المراهق من مجرمي أيامنا البالغين العتاة؟ وأين تجربتنا المتعبة في معارضتك من تجربتنا المرعبة في معارضة أشباههك وخيالاتك وأنصافك وأرباعك وأعشارك المخلصين؟! أعتذر الآن، وأعدك أنت ومن معك بألا أعتذر غدا، ذلك لأنني في المرة القادمة لن أترك ورائي من أعتذرله، والايام بيننا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها