السبت 2018/01/06

آخر تحديث: 07:22 (بيروت)

أوسكار سياسي

السبت 2018/01/06
increase حجم الخط decrease
حكيت لنوري حكاية النوم، فقلت: كان يا ما كان، في فجر الخليقة، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله ترفرف على وجه المياه، وقع انقلاب، والانقلاب يقلب الباطل حقاً، وأطلق قائد الانقلاب على الانقلاب الذكر اسم أنثى وهو: "ثورة"، والاسم له فعل السحر يا سبعي. وكان الله تعالى قد فضل آدم على الملائكة، وأمرهم بالسجود له بتعليمه الأسماء كلها.

قال: خال.. لا تشرد بعيداً، أريد حكاية ما قبل النوم. جنس الانقلاب غير مهم.

تابعت: واحتل الوحش القصر الجمهوري بعد أن صبغ وجهه بأصباغ جميلة، ودهنها بدهان باسم، ولبس قناعاً، وأخفى أنيابه تحت ابتسامة عريضة، فصارت له في الإعلام عيون المها بين الرصافة والجسر، وبغام الغزلان، وتغريد الطير، ولأن شعبنا طيب وكريم، رضي، أو سكت على مضض، أو على كره خوفاً، ولم يمتثل لقول الشاعر المتنبي في الانقلابات والانتخابات: إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً - فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ.

ويوماً وراء يوم، كان الوحش يقتل خصومه، ويتخلص من كل الأخيار والأبرار حوله، حتى ازّينت له السلطة وأتت زخرفها، وبات هو الحاكم المطلق، الذي ينزل الغيث من السماء، ويعلم ما في البلد كلها، فينزل الدم من الأرض، ومن السماء، فينسب له الخير، أو ينسب لبركة البلاد التي كتبت باسمه، فكأنه خالقها من العدم. تدرج القائد بنعومة في لقب الرفيق القائد إلى سيادة الرئيس، ثم دخل في عالم الآلهة والغيبوت.

قال: خال قلنا أنا شهادة تاسع. وبالغش. ما الغيبوت؟

قلت: الغيبوت مثل الملكوت والجبروت واللاهوت.

قال: أرجوك.. عُد بنا إلى العكروت.

تمسكن بحسن التنكر فتمكن، وبعد أن صارت البلاد مطوية بيمينه، والشعب قبضته، وقع اتفاقاً غير مكتوب، عقداً غير اجتماعي، عقد إذعان يا سبعي، على أداء مسرحية القائد الرمز: الشعب يمثل فيها دور السعيد بالخلاص من الإقطاع الرجعي، والرئيس يلعب دور البطل المخلص من الرجعية في المونودراما. والمونودراما هي مسرحية ليس فيها سوى ممثل واحد يا سبعي.

لعب الشعب دور الكومبارس الصامت الأخرس، قد يفتح الباب للبطل الوحيد، أو يحضر الشاي والقهوة، و دأبه أن يهتف في المسيرات. كان الشعب كله من الأسود، فتبادلا الأدوار، وتحول بهذا العقد الدموي غير المكتوب إلى أرانب، واستمرت المسرحية نصف قرن، كان خلالها الشعب أسداً يزأر في البيت، وفي الشارع نعامة. والوحش أسداً يزأر في شعبه، ومع العدو نعامة.

كان الرئيس يمثل دور المقاوم للعدو في الإعلام، ويركع له وراء الكواليس، وينال الشرعية منه. والغرب أيضاً كان قد عقد اتفاقاً غير اجتماعي، يمثل فيه دور الناقد الذي يضيق بسلوك البطل الوحشي مع شعبه، لكنه يستقبله على السجادة الحمراء، ويسبغ عليه الألقاب، ومثاله: واقف ضدي وبحبه.

لقد يئس الغرب من الحروب المباشرة، وكان آخر الأدوار الكلاسيكية المسرحية، التي لعبها أبطاله هو القائد في دور الحاج نابليون في غزوته لمصر، وتوماس إدوارد لورانس، في دور لورانس العرب، حيث لعب دور العربي القائد للثورة العربية ببراعة، تصور ضابطا بريطانياً يقود الثورة العربية يا سبعي؟!

قديماً كانت الجيوش تحاصر القلاع لسنوات، وتتسلل إليها بطريقة حصان طروادة، لفتح باب القلعة، الآن جيوش الغرب تختار رئيس القلعة، فيفتحها لهم على مصراعيها، ونصفق له.

قال نوري: ماذا نسمي هذه الوسيلة الاستعمارية الجديدة؟

قلت: الخازوق السابع.

تابعت: إسرائيل لعبت دور الولد اليتيم في نهاية الحرب العالمية، واحتلت فلسطين، والغرب الراعي لفيلم الولد اليتيم، أحب اللعبة من وراء الأقنعة، ووجد أن الاحتلال بواسطة أدوات محلية أفضل من الاحتلال المباشر، وتخلص من اليتيم ورماه في وجوهنا. لعبة الأمم هي حفلة تنكرية كبرى يا سبعي المصفّد بالسلاسل.

وطبعاً صارت بلادنا منتجة للأفلام الدكتاتورية الحقيقية، لا الأفلام الفنية السينمائية، فالأسد في حرب حزيران، تخلص من بعض قادة جيشه، وسلّم الولد اليتيم قطعة كاتو كبيرة من سوريا هي الجولان، رشوةً للحصول على كسوة الشرعية الغربية، ثم تابع الابن لعب الدور فقدم الرميلان للأمريكان، وحميميم وطرطوس للروس، بشرط أن يبقى في دور البطولة الوحيد في مسرحية الحكم. فن التمثيل هو الفن السابع كما زعموا، والسبعة رقم مقدس، ورؤساؤنا يحبون التمثيل، لا تنس أن الدراما صارت صناعة ثقيلة في سوريا، والغرب رائد هذا الفن، وهو المخرج، فكل أبطال الفن من الغرب. في أثينا كانوا يعبدون آلهة الأولمب، وفي القرن العشرين صاروا يعبدون آلهة هوليود، آلهتهم آلهة عالمية، تذكر أن الممثلين السوريين أمثال سلاف فواخرجي، ودريد لحام يمدون الشبيحة بالعزيمة في القتل، الظهور في الثغور لشحذ همم المقاتلين. لكن أكبر الممثلين هو السيد الرئيس.

قلت: الثورة السورية هي ثورة الغضب من التمثيل، مللنا من لعبة الذئب والخراف السبعة، تصور شعباً من الليوث الضاريات، يقضي حياته وهو يلبس أقنعة الغنم، هذه حكاية الثورة السورية. ثورتنا ثورة على الأقنعة، القناع سجن للهوية يا سبعي. أنوفنا سحقت بالأقنعة.

قال نوري: خال! سأروي معاني هذا المثال لصديقتي الإيطالية الجديدة ناتالي.

قلت: ناتالي تلك الشقراء الألمانية القطة التي تتكلم العربية؟

قال: قطقوطة خال، هي.. ماذا تسمون تلك المهمة؟

قلت: مستشرقة.

قال نعم.. الأرض وناتالي تتكلمان العربية..

قلت: دعني ارويها لها أنا، وكدت أقول له: أني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، فقلت: لعل الله يهديها إلى الحق على يدي.

قال: لا خال، سأروي لها الحكاية، وألبس قناع الفهمان فهي تحب الأفكار الجميلة وليس الأشكال الجميلة، أنت قلت الحياة معركة مسرحية وتمثيل، ثم أنها جميلة وخطرة على الصحة الأخلاقية، أنت قلت لي إن المستشرقين رُسل الاستعمار، وأخاف أن تحتل قلبك، تصبح على خير يا خال.. تشاوووووووووو.

لم أكن قد انتهيت من مثالي، كنت أريد إن اتحدت عن الحيل السينمائية السياسية، والكلوز في فن السياسة، والاوفر، وتغيير اللوكيشن، والفلاش باك نصف قرن إلى الوراء، والمفتي السوري البكّاء، وأداء الرؤساء الرديء، وأن النظارة مجبرون على الإعجاب...
لكن شخير قطار الفحم كان قد تعالى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب