الأحد 2018/01/28

آخر تحديث: 08:37 (بيروت)

في ذكرى الشهيدة الأولى

الأحد 2018/01/28
في ذكرى الشهيدة الأولى
increase حجم الخط decrease

..وفي السنة السابعة بدا أن كل شيء قد إنتهى، وعادت مصر الى ما قبل الثورة، والى ما قبل الدولة. في مثل هذه الايام من العام 2011 ،كان المصريون يصنعون التاريخ. وها هم اليوم يخرجون منه. كأن تلك الايام المجيدة لم تكن. لم يبق منها سوى أثر بعد عين، لم يلاحظه أحد ، ولم يتذكره أحد.

سقوط الثورة من الذاكرة المصرية والعربية لم يكن وليد الصدفة او المؤامرة. الاطاحة بها كانت إنقلاباً للجيش والامن،  لا على الاخوان المسلمين، الذين كانت تجربتهم المريعة تتهاوى بالفعل، بل على الجمهور الواسع العالق بين العسكر والاسلاميين، الذي كان هو الثورة، وهو الوعد، وهو الامل، والذي لم يسعفه أحد عندما تعرض، ولا يزال، لظلم وقمع وقهر يفوق ما أُنزل بالاخوان.

تصفية الثورة المدنية المصرية وإزالة آثارها السياسية والاجتماعية على هذا النحو المحزن، لا يمكن ان تنسب الى العسكر وحدهم ، ولا يجوز أن تبرىء الاخوان والصوفيين. ثمة تواطوء متبادل، أدى الى إرسال ذلك الجيل من الثوار المدنيين، الى السجون والمنافي، وإخضاع الباقين منهم لدرجات متفاوتة من  المخاطر والتهديدات.. ما جعل مصر تبدو اليوم وكأنها "جمهورية الخوف" التي تستوحي أسوأ ما في التجربتين العراقية والسورية.

عن ذلك الجيل المدني لم يكتب الكثير، لأن الجميع أقفلوا على أنفسهم وإنخرطوا في لعبة الصراع داخل تلك الثنائية الموروثة من مطلع القرن الماضي، ولم يتنبهوا الى أن الاسطورة التي كانت تسيج الجيش والاخوان، إنحدرت الى مرتبة الخرافة، ونبتت على جنباتها رموز وفروع لا تقيم أي وزن لهاتين المؤسستين التقليدتين اللتين تزعمان التنافس على حكم مصر، لكنهما كانتا في الواقع تتنازعان على تدميرها.

في الذكرى السابعة، لا حاجة الى التذكير بأن الثورة التي لم تبدأ مع الاخوان، لا يجوز  أن يرتبط سقوطها بموعد الإطاحة بالرئيس المنتخب بالصدفة. كان الثوار المدنيون يومها يجاهدون في رفض تصفية الاخوان من جهة، وفي الاعتراض على إعادة تسليم السلطة الى الجيش. هزيمتهم كانت سهلة على هامش الصراع التاريخي المستعر في حينه، لكنها لم تكن تفصيلاً من تفاصيل الثورة . كانت مصر كلها تفقد ريادتها ، تخسر نموذجها الجديد.. تفرط بميدانها الذي تحولت صوره في مثل هذه الايام من العام 2011 الى أيقونات عالمية.

بحثاً عن ذلك الجيل من الشبان والشابات المدنيين، ما زال يمكن العثور اليوم، بصعوبة، على ذكريات وحكايات مبعثرة من وقائع شهدها الميدان، لكنها كلها كانت تقاوم النسيان، وتعبر عن الحنين الفردي، أكثر مما كانت تمثل تصويباً (ثقافياً على الاقل) لمسارٍ بدأ عندما إستولى الاخوان والعسكر على تلك الثورة.. وتناوبوا على إجهاضها. فخرج الاسلاميون من المشهد تماماً، وإحتله الجيش نهائياً.

لم يمت ذلك الجيل المؤسس للثورة، لكن رهانه الضمني على ان الصراع بين العسكر والاخوان سينهك الجانبين ويمهد أخيرا لقيام الدولة المدنية الديموقراطية المنشودة، كان خاسراً.. ولم يبق منه سوى الانهيار المرتقب للدور السياسي المفرط للمؤسسة العسكرية، نتيجة الافتقار الى الكفاءة  بل الى المعرفة الاولية بطريقة حكم مصر ، وبفعل التصدع الظاهر  في بنية تلك المؤسسة، والخلل الفاضح في قيادتها الحالية، التي تجد اليوم صعوبة في إدارة وتنظيم التنافس بين أجنحتها على منصب الرئاسة.

سقطت ثورة 25 يناير، فقامت "جمهورية الخوف": لعلها خطوة إنتقالية جديدة، من الخفة في الحكم، التي ميزت السنوات الاربع الماضية، الى الاستبداد في السلطة الذي سيميز السنوات الاربع المقبلة.. الى الاستعانة مجددا بصورة الشهيدة الأولى سالي زهران التي سقطت في 28 يناير 2011، وباتت إحدى المركبات الفضائية الموجهة الى كوكب المريخ تحمل إسمها.        

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها