السبت 2018/01/20

آخر تحديث: 11:56 (بيروت)

مضارب فيسبوك

السبت 2018/01/20
مضارب فيسبوك
increase حجم الخط decrease
قال الرواي يا سادة يا كرام، إنه وبعد أن وصل عنترة إلى ديار الفرنجة، في الليل همساً بلا ضجة، وقد صار من التعب والإرهاق مثل العجة، اتصل بأخيه شيبوب، فالتقيا كأنهما جبلان، وأخذا بعضهما بالأحضان، وسالت منهما الدموع، والتأمت في القلبين الصدوع، وسأله شيبوب عن الديار، وأخبار مالك وشداد، وبقية الأخيار، وأخذه إلى الفندق، وقدم له الزاد وبعض الفستق، فشرب وشبع، ثم اضطجع، وأمره بالمكوث في الغرفة، حتى يعثر له على وثيقة، ويبين للبوليس الحقيقة.

قال الراوي: وكان عنتر بالأصل بلا هوية، أو وثيقة، فهو من البدون والمكتومين، مسجل في سجلات حكومة بني عبس من الأجانب المجهولين، ووعده شيبوب بأن يسرق له هوية، وجواز سفر ، لكنه ذلك يتطلب وقتاً، إلى أن يعثر له على شبيه من الحبشة، أو من السودان، وهكذا أقام عنترة في النزل، مثل السجين، لا هو نازل، ولا طالع، كأنه راهب خاشع، واشتاق إلى الطعان، وضرب الرماح، والسير في الوديان والبطاح، فعلمه شيبوب دخول ديار "الفيسبوق" الزرقاء، واشترى له "تابلت " من نوع سامسونج، فوجد فيه عنترة أُنساً وسلوى، يدفع عنه الملل والبلوى، لكنه كان يشتاق إلى عبلة، حتى صار قلبه كالطبلة، وعمل له شيبوب حساباً، وفتح له في الزرقة والإعجابات أبواباً، كما قال الراوي في الجزء الماضي، يا سادة يا كرام.

وطمع عنترة في غزوة لوسائل تواصل أخرى، من أجل الذكرى، ولواعج الشوق، وليس من أجل البعير والنوق، فعمل شيبوب له حساباً في ديار "طويطر" العصفور، وهكذا صار عنترة بدلاً من الطعن في النحور الداميات، يعمل الإعجابات، وإعادة التغريدات، سأله عنترة عن الفرق بين الإقامة في ديار الزرقاء الغرور، وديار الطير العصفور، فقال شيبوب، انظر يا أخي المحبوب:

شعار ملك قبيلة العصفور هو ما قلَّ ودلَّ، وعدد الأحرف معدود في النشيد، هي 140 حرفاً، ولا يزيد، أما ديار "الفسيبوق"، فليس للغناء فيها تخوم، أو حدّ، أو صدّ، و"الشير" في ديار الزرقاء وفير، وتقدر أن تشارك بها الكثير.

وملك الديار الزرقاء يجيز لأصحاب الإقامة، حذف التعليقات بلا ملامة، أو مغبّة أو ندامة، وطمس التعليقات الشائنة في الصفحة، وإعدامها بلا رحمة، أما ملك ديار العصفور، فيعدُّ على رعاياه النفس والنأمة، فما يكتب فيها ثابت لا يزول، وواقر لا يحول، والعفريت الأزرق يربي رعاياه على حرية الكلام، وملك بلاد العصفور يفضل فن الإجمال والالتزام.

وتغييرات هيئة الديار الزرقاء كبيرة، وتحديثاتها كثيرة، فهي ديار تجديد وعيد، كل مدة هي في زيٍّ جديد، بينما ديار العصفور، ثابتة في الغالب، كأنها حجر، أو قالب، لكن أهل قبائل العصفور، يعيّرون أهل الديار الزرقاء بطول اللسان، وكثرة الثرثرة والألحان، وبالاختصار، أيها الفارس الكرار، والبطل المغوار، الديار الزرقاء موطن الرعايا والجماهير، وبلاد العصفور أبراج الملأ والجمهرة. وإن أردت الاجمال، قلت لك في الحال، الفسيبوق يشبه لعبة كرة القدم، والطويطر مثل لعبة البولينغ، أهل الطويطر أهل المنطقة الخضراء، تهمهم الأخبار، والأفكار، بينما يميل أهل الفسيبوق إلى التواصل والاحتفال.

وقد تشعر بالبرد في ديار طويطر، لكنك تعثر على ضالتك من الأخبار، من خلال الهاشتاغ. وبالمختصر : الفيسبوق أمتع وأجمع، و الطويطر أسرع وأنجع.

قال الراوي: إن شيبوب تابع المقارنة، وقال لأخيه: مشاهدة الفيديوهات في ديار البلابل والتغاريد، أسهل منها في الديار الزرقاء، فهي بدعة، تدور من غير لمس، أو زر، أو خدعة، وهذا يوفر الوقت، في عصر السرعة، ويجعل لأهل العصفور فضلاً على أهل الديار الزرقاء، وشرعة.

لكن أهل الديار الزرقاء يرون أن أهل بلاد العصفور: إباحيون، تكثر في صفحاتهم الصور الماجنة الخليعة، والأوضاع الجنسية الوضيعة، فملك بلادهم لا يأمرهم بستر، ولا يهمه عري أو نكاح، فما إن يرى بعض الأتقياء صفحة سافرة، عليها صورة امرأة فاجرة، حتى يرفعوا إلى أصحاب الأمر "الريبور"، فيقفلونها ويقذفونها في الظلام والقبور. وظنّي أن ملك بلاد الطيور، يريد الإكثار من مريديه ومواليه، أو يريد التعويض عن قلة الكلام، بزيادة الصور الحرام.

وقد وجدت يا بن زبيبة، الأم الحبيبة، أن طويطر أفضل من ديار العفريت الأزرق في الأتمته والنظام، وإن كان يكثر فيها الحرام، وسأخبرك عن بعض عاداتها والتقاليد، فعنها لا تحيد، واعلم أن الحديد بالحديد يفلح، واللايك باللايك يقدح.

واعلم أن ردّ زيارة الصفحة واجب متين، ولو بعد حين، فمن أهداك الإعجاب، اهده اثنين، وتفضّل بزيارة صفحته، واكتب على لوحته، وإن كان مثل غراب البين.. أما "الشير" وأصله كلمة عربية، من شارك، تسربت إلى لغة العلوج، ويأجوج ومأجوج، فهذا قمة التقدير والاحترام. واعلم يا بن الأطايب، وشقيق الثدي والحلايب، أن غزيز الاعجابات، تعبيرعن شدة الشوق والبلابل. وأن النكزة قرصة وبدعة، وهي من بنات حواء متعة، فلا تزد فيها الجرعة، وحافظ على السرعة. واعلم أن بيتك الشعري الذي تقول فيه:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها.

شعار ممتاز، فلا تسترق النظر إلى عورة صديقك، أو أهله، وإذا وجدت صاحبك، قد بسط سماط الطعام، فأرسل له الشكر على الدعوة، وقل هنيئاً مريئاً، أو يا سلام والله، أو دخيل الله، أو سفرة دائمة ...وأن من يكبس لنفسه كبسة إعجاب، يشبه من يأخذ لنفسه صورة "سيلفي". وأن لايك النفس للنفس الأمارة بالسوء، والخيلاء، يذكر بمثل موريتاني يقول: "يعطس ويشمتْ لْرَاسُه".

وأخذ شيبوب تعب الأيام البالية، فأخلد رأسه إلى الوسادة الخالية. أما عنترة يا سادة يا كرام، فانصرف إلى البحث عن الأصدقاء والخلان، وفرسان أيام زمان، فأضاف عروة بن الورد الرئبال، وعمر بن معد يكرب المفضال، وملاعب الأسنّة وبقية الأبطال، ثم اكتشف أن غلاماً، يسمي نفسه تشي غيفارا، قد عمل على صفحته غارة، وعمل لصورته مشاركة، وهو في حال يرثى لها، ومعه المكنسة.

وانطلق يعيب على عنترة جهله بفنون القص واللصق، إلى حد أن يجرف مع صورته صورة المكنسة والنعل، فغضب عنترة من ذلك البغل، وأيقظ شيبوب، وأخبره بالملعوب، وأقسم بذمة العرب، وحرمة شهر رجب، ليذيقنَّ غيفارا كأس العطب، ويعمل فيه السيف، حتى يأخذه الطرب. فقال له شيبوب: هون عليك يا عنتر الزمان، فإنما غيفارا من الغلمان، ومن كتّاب قصيدة النثر العجيان، وله ديوان، لا ينزل في ميزان، أو قبان، إذا عددت كلماته، لا تصير مقالة، ومصيرها سلّة الزبالة.

وقال له: خصومنا من لابسي التيجان وقادة العربان. دع عجيان قصيدة النثر الشفوية، وتفرغ للسيسي وحفتر والشبيحة وكبار الحرامية.

واشتاق عنترة إلى النشيد، ومغازلة عبلة من بعيد، فقص ولصق من غوغل، بيت معلقته الذي يقول فيه:

وإذا غرّدت فما أقصر عن ندى
وكما علمت إعجاباتي وتكرمي

(*) فصل من "رواية على الهيكل".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب