الثلاثاء 2018/01/16

آخر تحديث: 12:40 (بيروت)

معركة التوكيلات

الثلاثاء 2018/01/16
معركة التوكيلات
المحامي خالد علي معلناً ترشحه لرئاسة الجمهورية المصرية في 2018 (غيتي)
increase حجم الخط decrease
مع إعلان النائب البرلماني السابق، محمد أنور السادات، الاثنين الماضي، تراجعه عن خوض الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، فإن قائمة الأسماء المحتمل ترشحها تتقلص مرة أخرى. فبعد التراجع التراجيدي لأحمد شفيق، والغموض المحيط بالإعلان عن ترشح اللواء سامي عنان، عضو المجلس العسكري السابق، لم يعد هناك سوى اسم واحد، إذا استثنينا العروض الكوميدية على شاكلة مرتضى منصور. فحتى اليوم، يظل خالد علي، هو المرشح المحتمل الوحيد الذي أعلن بنفسه نيته خوض الانتخابات الرئاسية، وبدأت حملته بالفعل في تلقي توكيلات المواطنين اللازمة للترشح. فحتى الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذي بالتأكيد يُعدّ ترشحه محسوماً، لم يعلن عن نيته بشكل رسمي لخوض الانتخابات. بالطبع، قامت غالبية أعضاء البرلمان بتزكيته للترشح، فيما يتوافد مئات المواطنين، بشكل يومي، إلى مقرات الشهر العقاري، لتوثيق توكيلاتهم له، للغرض نفسه، لكن مع هذا، فإن الرئيس يبدو متمهلاً في حسم أمره. فإما أنه يفضل أن يظهر ترفعه عن منصب الرئاسة والسعي إليه، إلا بعد "إلحاح من الجماهير"، أو أنه أسمى من أن يطلب من أعضاء البرلمان وعامة الناس دعمه، فالعكس هو ما يفترض أن يحدث. وفي الحالات كافة، نحن نعرف أنه عازم على خوض الانتخابات، وأيضاً على كسبها بأي ثمن.

هكذا، لدينا إلى اليوم مرشحان محتملان فقط يمكن التعامل جدياً مع فرصهما لخوض الانتخابات. أولهما، المرشح الوحيد للنظام الحاكم ومن خلفه الجيش وأجهزة الدولة ووسائل الإعلام وشبكة معقدة من المصالح والتحالفات إقليمياً ودولياً. ويواجهه مرشح واحد، يبدو محروماً من هذا كله، بل وهو متهم في قضية تنظر أمام المحاكم، ربما تجعله عرضة للسجن قبل موعد الانتخابات. لكن، مع هذا، فإن خالد علي، يتمتع بحصرية تمثيله "يناير" في السباق الرئاسي، وهو ما أكد عليه في كلمته الأخيرة عندما أعلن عزمه خوض الانتخابات. ولا يقتصر جمهور علي المحتمل على منتسبي الثورة فحسب، ولا على المعارضة السياسية بأطيافها العلمانية والإسلامية، بل يشمل أيضاً ملايين المصريين غير المسيسين من الناقمين على الوضع الحالي والرافضين لسياسات الحكومة الاقتصادية والمتضررين من بطش الأجهزة الأمنية، وغيرهم ممن يمكن أن يصوتوا لعلي كتصويت عقابي ضد السيسي لا أكثر.

في الأغلب، لن يضمن ذلك لعلي فرصة، ولو ضئيلة، للفوز في الانتخابات، لكنه على الأقل يمنحه ما يكفي لخوضها، أي جمع 25 ألف توكيل من 15 محافظة، خصوصاً أن "معركة التوكيلات"، كما يسميها مؤيدوه، لم تطرح عليه حتى الآن أي معوقات أو مضايقات من قبل النظام، على غير المتوقع. ففي معظم الحالات، تم استخراج توكيلات المواطنين لعلي، سواء في مكاتب الشهر العقاري أو السفارات المصرية في الخارج، بسلاسة، وبقدر لا بأس به من السرعة والبشاشة أيضاً. كما أن عدداً من الشخصيات العامة والحركات السياسية والأحزاب، أعلن دعمه لعلي في مهمة جمع التوكيلات، لا سيما "حركة 6 أبريل"، و"حزب الدستور". وبالأخذ في الاعتبار تلك الحقائق، فإن إطلاق صفة "المعركة" على عملية الدعاية لتحرير التوكيلات وتنظيمها وجمعها، يبدو من باب المبالغة. بلا شك، هناك جمهور يمكن إقناعه بتوكيل علي، وهو كاف لاستكمال نصاب التوكيلات اللازمة التي لا تتعدى الـ25 ألفاً في بلد يربو عدد سكانه على مئة مليون نسمة، ولم تظهر تهديدات أمنية للمشاركين حتى الآن. إذاً، فالأمر في هذه المرحلة، يتوقف على حملة علي، وقدرتها على إدارة العملية بالحد الأدنى من الموارد والكفاءة.

ورغم الحماس الذي ظهر في شبكات التواصل الاجتماعي، مع مشاركة العشرات والعشرات من الموكلين لصورهم مع توكيلاتهم، فإن هناك ما يكفي من دلائل على تواضع قدرة وإمكانيات حملة علي وفريقه. أولاً، هناك التخبط في التصريحات التي بدأ بها علي حملته، من اشتراطه ضمانات للترشح أولاً، ولاحقا تراجعه للإعلان عن خوض الانتخابات من دون تحقق تلك الضمانات. وثانياً، نشرت الصفحة الرسمية لحملته، في البداية، لائحة بمندوبيها، لتلقى التوكيلات، واحتوت على 15 محافظة فقط. ورغم إضافة المزيد من المحافظات إلى اللائحة لاحقا، إلا أن الوقت الذي احتاجته الحملة للوصول إلى مندوب واحد فقط في أكثر من ثلث محافظات مصر تقريباً، يشي بالتحديات التي تواجهها "معركة التوكيلات". وفيما تكررت التعليقات، على صفحة الحملة في "فايسبوك"، مُطالبةً بالإعلان عن عدد التوكيلات التي تم تسلمها وتوزيعها في المحافظات، فإن موجة من التفاؤل، أقل حماسة، بدأت تطلق دعواتها لخفض سقف الطموحات، وتطرح مسبقاً فرضية العجز عن جمع العدد اللازم من التوكيلات.

لا تبدو صعوبة جمع العدد المطلوب من التوكيلات، مفاجئة، وبالطبع سيكون من الظلم تحميل خالد علي بشكل شخصي وحملته من المتطوعين وزر ذلك التعثر. إلا أن الأمر يضعنا في مواجهة الوضع المفكك والرث للمعارضة المصرية. ففي بلد قامت فيه ثورة، منذ أقل من سبع سنوات، وله تاريخ سياسي ونضالي طويل، وفيه عشرات الأحزاب والحركات والمؤسسات السياسية والاجتماعية، يظل جمع 25 ألف توكيل في كل من محافظاته، بل وفي بعضها فقط، تحدياً صعباً أمام المعارضين المفتقدين إلى الحد الأدنى من الانتظام، ولو المؤقت.

يظل مؤيدو خالد علي على قناعتهم بضرورة خوض معركة الانتخابات إلى نهايتها، لا بوصفها هدفاً في حد ذاتها، بل كونها خطوة في طريق حرب طويلة مع السلطة القمعية، لاستخلاص الدروس، ومراكمة الخبرات والمكاسب الصغيرة مرة بعد أخرى. لكن يبقى لنا، أياً كانت النتائج، ضرورة أن توضع مسألة "التراكم" في خطة واضحة وطويلة المدى للمستقبل. فما الذي يمكن أن تحققه أو تراكمه المعارضة، اليوم، مع خالد علي وحملته ومؤيديه، وغيرهم من الراغبين في التغيير والمتململين من الأمر القائم، حتى لا يجد هؤلاء أنفسهم، بعد أربعة أعوام، في الموقف نفسه، أي من دون بُنية تنظيمية، ومن دون الحد الأدنى من الموارد أو القدرة على ضمان خوض الانتخابات على الأقل، إن لم نقل الفوز بها؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها