الأحد 2018/01/14

آخر تحديث: 06:12 (بيروت)

في مديح أشرف باشا!

الأحد 2018/01/14
increase حجم الخط decrease

الإعلام في العالم كله له توجهات، تديره السياسات، الأجندات، الأجهزة، ملايين تنفق لهدف، لخدمة مصالح أو أفكار بعينها، وضيعة، أو عظيمة، على حسب، لكنها بالضرورة موجودة، لا يوجد إعلام في الهواء الطلق، لا يوجد إعلام على قارعة الطريق، (إلا ذلك الذي سأحكي لك عنه بعد قليل)، ليس معنى هذا أن الإعلاميين بالضرورة حفنة من الطبالين والزمارين، كلاب تنبح أينما يوجهها صاحبها، فلن تجد هذا الصنف الردئ من البشر، والنوع الرخيص من الصحافيين والإعلامجية، إلا في بلاد العالم العاشر أمثالنا، أما في بلاد "الناس" فالإعلامي له أفكاره، وجهات نظره، اختياراته، يتعاون مع أصحاب المصالح التي تتلاقى بدورها مع مصالحه وأفكاره، وفي حالة الخلاف، يكون التفاهم في منطقة وسط بديلا من الاشتباك، في الحالات العادية، أو يكون الانفصال والبحث عن نافذة أخرى أو في أسوأ الأحوال "لبْس البيجامة" أكرم لمن اختار ألا يكون سوى "نفسه"، هذه الصياغات الراقية موجودة بشكل استثنائي في بلادنا أيضا، تجد من يقدرها حينا، وتفتقر إليه أحيانا ..


أشرف باشا الخولي، هو ضابط المخابرات الحربية المكلف بالإعلاميين في مصر، ذلك الذي كشفته التسريبات مؤخرا. توجيه ورقابة، وقص من البرامج المسجلة والمؤثرة، مثل برنامج أبلة فاهيتا التي فضحته بالإسم والصفة في حلقة استضافة "لميس الحديدي" ولم يخطر ببالها، ولا ببال أشرف باشا نفسه أن ثمة تسريبا ستبثه النيويورك تايمز و"مكملين"، يشير إليه، يجعل من "تسريبة" البرنامج الساخر جزءا من سخرية الأقدار!


المهم، الفضيحة حصلت، والنَّاس، التي كانت تصدق، سمعت بآذانها، ولم يفلح رجال أشرف باشا أمام الشاشات في التغطية على "وكسة" التعليمات "العسكرية" للإعلاميين - إن صحت التسمية - والتي وصلت إلى حد: اشتم هذا واهبش في هذا وأمدح هذا واصبر على هذا، وكأنهم بلطجية في "عركة بلدي".


لا شك أن التسريب كاشف، وفاضح، ومخجل لأصحابه، نظريا، فمثلهم لا يعبأ كثيرا بمشاعر الخجل والحياء والحشمة، تلك التي تعوضها أرصدة البنوك السويسرية وكفى، إلا إنني، كواحد من أسرى إعلام اسطنبول، أراني في غيرة، وحسد، وغل، وفقع مرارة وأعضاء أخرى، من أشرف باشا وجهازه ودولته وإعلامه، أراني أحتقر رخصهم، وأنا أراقب - في حسرة - جديتهم، وقد تورمت أطراف أصابعي من "القرقضة"، أراني أريد أن أتقيأ غثاءهم، لكن معدة "الجعانين" شغل أمثالي لا تعرف الفارق بين الغث والسمين ...

نحن بلا أشرف باشا، وهذا أشرف بكثير، لكننا بلا أي شيء آخر، بلا خطة، بلا استراتيجية، بلا سياسة تحريرية، بلا توجه ننضجه بالحوار والنقاش والخلاف والقلق والعصف الذهني حذفا وإضافة إزاء كل ما نمر به من أحداث كبرى، نحن بلا هدف تقريبا سوى "العكننة" على خلق الله، في المطلق، يستقبل الواحد منا "هواه" هو ومن معه من فرق "الإعداد" وكل ما لديه الصراخ والعويل من سوء الأحوال، لا نكذب، لكننا لا نعرض صدقنا كما يليق بإعلامي بل ب "معددة" ... الموضوع كله تحول إلى "أكل عيش" وإذا أردنا تحويله إلى "قضية" كان ذلك ضد "قضية" ملاك القنوات و"حقيقة" ما يريدونه من ورائها!


أشرف باشا لديه مشروع، يتحرك لهدف، لا يسرق من الشعب ليستثمر في العدم، إنما في بقاء دولته وتزوير وعي الناس بها لضمان المزيد من المسروقات، يشتري الإعلاميين ليشتري بهم نفسه، أما نحن فنكتفي بتخدير الزبون وإشعاره بالنشوة ليعود مرة أخرى يجرب، فيتابع، فيهدأ، فيلتقطه رادار المشاهدات فيغرم "الممول" جزاء فرق السرعات، وهكذا دواليك ... بلا معنى

الفارق هنا ليس بين لص وقديس، إنما بين لص وتاجر مخدرات "لص بدوره"!


تعالوا نتكلم بجد: الإعلامي في مؤسسات السلطة "كادر"، يتلقى تدريبا على يد مؤسسات صحافية وإعلامية كبيرة، راتبا يمكنه من "التفرغ" لما يعمل، يراكم خبرات، مهارات، يثقل في مهنته ومكانه، ليس شريفا لكنه ليس ضعيفا، أما ما يسمى بإعلام المعارضة في الخارج فهو إعلام أصحاب"النوايا الطيبة" - الشباب أقصد - والمعالجات الرديئة "التعبانة"، والجماهير "المضطرة"، وتزييف علاقة أصحاب القضية بقضيتهم، فلا شرف القضية حصل، ولا الكفاءة المهنية، ولا شيء علي الإطلاق، وهم .. وعدم .. وزبد يذهب جفاء، ولا ينفع من الناس إلا "قيادات" الغبرة، ثم هم يسخرون من أشرف باشا، يا شيخ روحوا موتوا!!         

     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها