الإثنين 2017/09/18

آخر تحديث: 09:35 (بيروت)

رهان الإنترنت السريع!

الإثنين 2017/09/18
increase حجم الخط decrease

خلال يومين، خرج مصرف لبنان ورئاسة الجمهورية ببيانين عن الاقتصاد اللبناني والوضع المالي، رداً على تقرير كتبه باحث اقتصادي وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

ماذا يعني أن يرد مصرف مركزي ورئيس جمهورية على تقرير ركيك كتبه باحث اقتصادي مغمور؟

بات الوضع الاقتصادي والمالي اللبناني يحتاج إلى تحرك سريع. وهذا رأي بات راسخاً لدى أقطاب السلطة كافة، أولاً لأنهم يُواجهون استحقاقاً قاسياً في صناديق الاقتراع يعملون لتأجيله بلا هوادة. وثانياً، لأن أي انهيار اقتصادي ومالي سيُحتسب على هذا العهد أكثر من غيره. 

في قطاع النفط والغاز، أُرجئت مهلة المناقصات الى 12 الشهر المقبل، وهي حتى لو تمت لن تُثمر عائدات واستثمارات حقيقية سوى بعد سنوات! كما في النفط، تبدو آمال المشاركة في مشاريع اعادة اعمار سوريا، في غير محلها، على الأقل في المدى القصير. 

لذا، تعتمد السُلطة على خطة أخرى لتفعيل الاقتصاد سريعاً. 

أولى بوادر هذه الخطة جاءت في إعلان لمصرف لبنان هذا الأسبوع عن ضخ مليار ومئتي مليون دولار في الاقتصاد لتعزيزه ورفع النمو درجة مئوية ليتراوح بين 3 و3.5٪ عام 2018 (قدرت النمو بـ2٪ هذا العام). وهذا المبلغ سيُوزع على قطاعات تشمل الصناعة والسياحة وتكنولوجيا المعلوماتية والخدمات الطبية والاتصالات وتصميم الأزياء، بحسب مقابلة لوكالة ”بلومبرغ“ مع سعد عنداري النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان.

لكن يبدو أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقع في قلب هذه الخطة. ففي الأسبوع ذاته أيضاً، كشف وزير الاتصالات جمال الجراح عن رفع حصة لبنان في الكابل البحري من 310 الى 1920 جيغابايت بالثانية من دون كلفة وفقاً لاتفاق جديد. هذا التقدم يُمهد لنقل لبنان المتأخر أكثر من 10 سنوات إلى مجال الانترنت السريع، وما يحويه من فرص اقتصادية وفيرة. 

لكن الجرّاح أطلق تصريحات تحوي بعض المبالغة في الإنجازات المرتقبة، ومن دون مقدمات عملية. ادعى بأن وزارته تعمل ”حالياً لنصبح مركزاً إقليمياً مهماً للاتصالات الدولية والانترنت“، و”سنبدأ خلال أسبوع بمشروع الفايبر اوبتيكس لتأمين سرعة أقلها 50 ميغابيت للبنانيين أينما وجدوا وفي أي منطقة“، و”سننقل لبنان من وضع إلى آخر يضاهي أكبر دول العالم في المنطقة في إطار الانترنت“.

لن يحصل ذلك في أسبوع واحد. بحسب مصدر رفيع في قطاع الاتصالات، فإن بعض سُكان العاصمة سيبدأ بتحسس الارتفاع الكبير في السُرعة من بداية العام المقبل، وتدريجياً، لأن كابلات الفايبر أوبتكس (الألياف البصرية) موجودة في الشوارع الرئيسية، لكن مدها إلى المباني السكنية سيستغرق وقتاً. بيد أن الدولة اتخذت قراراً بمد شبكات الألياف البصرية الى المنازل (FTTH) في المدن الرئيسية، بدءاً بالعاصمة، ما يرفع السُرعة بشكل قياسي. في المقابل، ستُوفر المجالس البلدية في البلدات والمدن الصغيرة الكهرباء المطلوبة من أجل وصل كابلات الألياف البصرية بكابلات نحاسية لتوفير انترنت سريع (FTTC). والفارق بين الخدمتين كبير في النوعية والكلفة أيضاً.

لكن ما المختلف هذه المرة؟ اختبار ”بيت مسك“ نهاية الأسبوع الماضي كان أساسياً. البلدة مدت كابلات الألياف البصرية الى المنازل (FTTH)، واختبرت سرعة الشبكة بحضور وزير الاتصالات والمدير العام لـ”أوجيرو“ عماد كريدية. المفاجأة أن السرعة كانت 900 ميغابيت، أي أعلى بمئات الأضعاف مما نحصل عليه حالياً. 

ومثل هذا الانجاز، لو تحقق، يُنعش الاقتصاد اللبناني. بيد أن هناك رابطاً مباشراً بين سُرعة الانترنت والنمو الاقتصادي. على سبيل المثال، قدّرت شركة ”اريكسون“، حجم النمو في الاقتصادات الأوروبية بـ0.3٪ كلما تضاعفت سرعة الانترنت، سيما في المراحل الأولية. 

في لبنان، لو صح الكلام الرسمي الأخير، ننتقل من طور إلى آخر بلا مراحل، أي من سرعة 1 و2 و5 ميغابيت إلى 50 و500 و900. هذا ليس تحولاً عادياً. وبإمكاننا توقع قفزة نوعية في مجال البرمجة والاتصالات، علاوة على تشكيل هذه السرعة عامل استقطاب مهماً للشركات والمؤسسات الدولية. 

ولأن اقتصاد الانترنت يعتمد على مبادرة الأفراد لا الحكومات، أي تفاؤل سيكون في محله. لكن تبقى الأسئلة الجوهرية في أي ”إنجاز“ حكومي دون اجابة شافية: كم سندفع ولمن وما القسمة بينكم؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها