السبت 2017/08/05

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

السعودية علمانية وهذه أماراتها

السبت 2017/08/05
increase حجم الخط decrease

أظنُّ، كل الظنَّ، أنّ سوريا والسعودية بينهما شبه سياسي وديني، ووجه الشبه بينهما أن سوريا علمانية في الداخل، وإسلامية في الخارج، وإسلاميتها تتجلى في كفالتها حزبَ الله الديني الشيعي، وقد تغيرت الكفالة، فصار الحزب هو الكفيل، والنظام هو المكفول، والشعب هو الكامخ. أما السعودية، فهي علمانية في الخارج، وإسلامية في الداخل، وعلمانيتها الخارجية تتجلى في كفالة أسطول فضائي عكف على سدانة الأصنام، وصناعة الايدولات، والسفاهة والكيف البصري، أما الإعلام المكتوب فآه من المكتوب يا عيني وآه يالمكتوب.

يشرح المفكر القدير عبد الوهاب المسيري صاحب "موسوعة اليهود واليهودية"، ومفهوم "العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية"، معنى: "معدل العلمانية" فيذكر أنّ زوجته سألت محجّبةً تصوم وتصلي عن فارس الأحلام، فقالت: شاب يمتلك BMW، فيخرج بهذا الحكم عليها، ويقول: إنها فتاة متدينة، ولكنها علمانية. فقد حددت زوج المستقبل من خلال ما يملك، لقد شيأته.

التعريف السطحي للعلمانية، هو الذي يقول بفصل الدين عن الدولة، ولا قداسة لرجال الدين. لا رجال دين في الإسلام، فهم رجال ونحن رجال، وكلهم يؤخذ منه ويُرد عليه بالنص الشرعي، وهم، والكلام للمسيري ولخاصة علماء المسلمين ولعامتهم: لا يمنحون البركة ولا الغفران، بل إن الإسلام في الذنب ينصح بالستر، وإن العلماء في جميع بلدان العالم الإسلامية، بما فيها السعودية، في هذه الأيام يستحقون الشفقة.

جوهر العلمانية الشاملة هو معدل الاستهلاكية، وفصل الأخلاق والقيم عن جوانب الحياة. يضع المسيري هذا الميزان لهؤلاء العلمانيين الورعين، فيقول: قد تجدهم يفرّون من اختلاط النساء بالرجال، لكنهم يحتفلون بأعياد الميلاد ورأس السنة! والاهتمام عندهم بالشكل كبير، مثل طول اللحية، والدخول باليمين، لكنهم متهالكون على الملذات والطعام والسيارات، أما إدراكهم للبعد التراحمي في الإسلام فضعيف. السيسي آية من آيات الله في العلمانية، هو لا يدرك سوى البعد "الإرهابي" في الإسلام.


معدل العلمانية نجده في مثال الراقصة التي تقول: يا رب توفقني وأهزّ كويس، أو التي تدخل إلى مسابقة البكيني (وآه من المكتوب ياعيني) برجلها اليمين، كما دخلت داعش إلى سوريا أول مرة.

هذه مقدمة للقول: إن معدل العلمنة في الخليج مرتفع، وهو في السعودية التي تدعي العمل بالكتاب والسنة أكثر ارتفاعاً منها في شقيقاتها، سوى الإمارات التي تنطح السماء بالحجر وتبحث عن آلهة من العجوة أو الكاتو. وسبب ارتفاع معدل العلمنة وسيادة القيم الاستهلاكية في الخليج: هو كثرة الذهب الأسود المنيّل والثروة الطارئة. والسبب الثاني: هو أنّ الدين إجباري، كله أو بعضه. السعودي تتنازعه مثل كل البشر الغريزة والفطرة، لكن الغريزة أشرس في السعودية مع الثروة، والفطرة أضعف، بسبب فساد الخطاب الديني وصدمة الحداثة في مجتمع بدوي وقبلي. الخطاب الديني أعرج وأعمى. المفتي لثلاثة أجيال  يُختار من العميان.

إذا كانت روسيا هي المرجعية العلمية والثقافية والسياسية الحاكمة لدى النخبة السورية، فإن أمريكا هي معلمة النخبة السعودية الليبرالية، ومعدل العلمنة مرتفع في أمريكا ويزيد  عن روسيا الشيوعية التي احتفظت على إلحادها ببعض الروابط الشعبية  الموروثة من الماركسية، وقد بلغ عدد ضحايا تجارة الأسهم، ثلاثة مليون ضحية سعودية.

يذكر أنور عبد الله في كتابه "البترول والأخلاق" جانباً من الجرائم التي انتشرت بعد شيوع الثروة السوداء، مثل ارتفاع معدلات الطلاق وارتفاع المهور وجنوح الشباب.. وفي كتاب "أسرار وراء الحجاب" وهي مذكرات لسيمور جراي الطبيب البريطاني، الذي جاء إلى السعودية لبناء أول مشفى في أواخر الستينيات، أنه كان يتعجب من حبّ الشباب السعودي للسرعة في قيادة السيارات والتفحيط، وأن السيارات كانت مقلوبة مثل الخنافس والسلاحف على جوانب الطريق. وأنه عندما كان يحذر الشباب من قيادة السيارة بسرعة، كان الشباب يحسّون بالفخر. السرعة مؤشر علماني أميركي، وهو غير الكفاءة، وهو ضد الصبر، الصبر صفة من صفات المؤمنين.

مشروب الكولا مؤشر علماني آخر، فهو زمزم الأمريكان، والسعوديون يكثرون من شربه، قال لي طبيب عظام سوري في السعودية: إن السعودي مصاب بهشاشة العظام من كثرة شربه هذا المشروب العلماني، وقد استغربت من شرب الملك الراحل عبد الله الكولا من علبته، وكنت أحسب أن المراسيم تمنع هذا السلوك الشعبي الذي لا يليق بملك. ولماركيز مقال طريف وساخر عن الكولا، الذي انتشرت عبره وعبر الدخان الحضارة الأمريكية. شخصياً أجد صعوبة في شرب الكولا بسبب كبر جزيئاته، الجزيئات كبيرة وعلمانية علمانيةً شاملة، ويصعب شربها، مثل الخبز اليابس إلا مع الماء كشفيع عند الحشر في محشر الحلق. إنه حلال حسب الفقه، لكنه حرام حسب مقصد الشريعة لأسباب كثيرة، أهمها: إنها تصبّ في جيوب الشركات الأمريكية المتوحشة. لا ضرر ولا ضرار.

نسمع بين الحين والآخر أخباراً صافية العلمانية من السعودية، وكأنها من واشنطن، فلا تجد في موسكو مثل هذه الأخبار، مثل: خبر عرض سعودي مبلغ مليون ريال لشراء هاتف الحرية، الذي ظهر فيه أردوغان، ويطلب فيه من الشعب التركي النزول إلى الشارع لمواجهة الانقلاب، الذي موّله ذو القرنين محمد بن زايد، الذي يريد أن يبني سداً بين الشعوب العربية، وبين الثورة والإصلاح.

وسعودي آخر يرفع جِماله بالرافعة إلى سطح الفيلا! وسعودي يلحق بمجموعة كلاب وجراء وينكل بها تنكيلاً، أو يسلط كلاباً مسعورة، ويهيجّها على عنزة مربوطة. أمس رأيت فيديو جديد لسعودي، وقد ظفر بحمامة، وعلى ساقها هويتها القَطَرية، فأمسك برأسها ونزعه من محله، لأنها حمامة جاسوسة.

أما الأخبار بعد غزوة ايفانكا، وهي التي مزج فيها السعودي بين التقوى والعلمانية والمسك و اللبن والتمر هندي مثل بناء مسجد باسم اللات الجديدة، ايفانكا رضي الله عنها وأرضاها، و الحج عن ترامب، فقد سبقت فيها السعودية مصر وأضحكت الثكالى. قد تكون هذه قصصاً فردية، لكن هؤلاء يستحقون أن تغني لهم شريفة فاضل أغنية "ابني البطل"!

الأغلب أن السلطات السعودية تحاول- باستعمال مصطلحات الكيمياء- معادلة حمضية الدين في الداخل بقلوية نصرانية و وثنية في الخارج. وأمس صدمتنا السلطات السعودية بمغازلة التيار الصدري الشيعي، والحشد الشعبي، ومنحت الحشد الدموي 1800 صك غفران، وفقراء المسلمين  في مشارق الأرض ومغاربها بها أولى. والغرابة تأتي من انشغال الخطاب الداخلي الديني "بالروافض" والشيعة. نسينا لغة التعامل في المملكة العربية السعودية في المكاتبات الإدارية، فهي الإنكليزية . هذا فصام نكد في مهبط الوحي.

الغريب أن السعودية لم تردّ رسمياً على يوسف العتيبة،  يبدو أنها سعيدة به ، ربما هي التي دفعته إليه  تقربا وزلفى من  أمريكا. الوحيد الذي ردّ حسب علمي هو عزوز ، وهو أمير بين ثلاثين ألف أمير، وقد تباهى قائلاً، بأنه يقول رأيه (ضد العتيبة) وما أحد يردّه! باسل ما شاء الله. لكني أخشى أن السعودية التي تطبق الحدود في الشريعة على الفقراء، وهي تعمل بالشريعة كنظام عقوبات وأداة سيطرة وتحكم. داعش وإسرائيل، كلتاهما تدَّعيان أنهما دولتان دينيتان، وهما تشتركان في أنهما من غير حدود جغرافية، وبالأمس غير البعيد انتشرت دراسة أعدها الباحث البريطاني "بول هوس فورد" حول أكثر دول العالم تطبيقاً لمبادىء الشريعة الإسلامية وتعاليم القرآن الكريم.

والدراسة جادة، اعتمدت على 113 نقطة للمقارنة. قام صاحب الدراسة باعتماد الدين الإسلامي كمؤشر للدول الإسلامية، واستخدام المسيحية بقسميها، واليهودية، والشيوعية، مقياساً للدول التي تطبقها، وكأنه يهتم بالتدين بعامة، وليس بالإسلام.

المفاجأة الأولى التي يندى لها الجبين بالبترول الأسود، وليس بالندى، أن نتائجها تؤكد عدم وجود أي دولة عربية في ترتيب الدول الـ 45 الأولى في تطبيق الإسلام.

حيث حصلت على المرتبة الأولى نيوزيلندا، وتلتها اليابان، وكانت الكويت في المرتبة 48، بينما حلّت السعودية في المرتبة 131! وقد أكدت الرسالة على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.

لنتذكر قول محمد عبده: "رأيت في أوروبا إسلاماً بلا مسلمين، وفي بلدنا مسلمين بلا إسلام." أما أنا فأزعم وأدعي وأنا بكامل قواي العقلية، و عضلاتي النقلية، وما بعد العقلية والنقلية، أن يوسف العتيبة هو المعني بالحديث الشريف: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". وفي سورية يعتبر النظامُ أن الأسد هو المجدد، وفي مصر يُعدّ السيسي نبياً مرسلاً، وفي داعشتان البغدادي هو المهدي الديلفري ... وقد جدد هؤلاء الدين تجديداً تاماً، حتى لم تعد تعثر في الأصل على "الهيكل". دين لم نسمع به بين الأديان السماوية، ولا الزرقاء، ولا البمبي.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب