الجمعة 2017/08/25

آخر تحديث: 16:17 (بيروت)

جئناكم بالكفر!

الجمعة 2017/08/25
increase حجم الخط decrease

الشيخ وجدي غنيم يرى أن الرئيس التونسي السبسي مجرم وكافر ومرتد عن الإسلام، قولاً واحداً، لأنه يرى ضرورة المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث وحق المسلمة في أن تتزوج من الكتابي!

لم يفت الشيخ أن يسرد تجربته العميقة مع العلمانية التونسية، والتي رأى بعينيه، ولم يحكِ له أحد، أنها علمانية كافرة، وأن العلمانيين هناك كفار يشربون الخمر يوم الجمعة ويتظاهرون ضد وجوده في تونس، وهذا دليل كفر واضح – كما هو واضح - وكما يرى الشيخ - !!

أفكار السبسي – ونمط حياة التوانسة - مخالف لكل ما تعلمه الشيخ في حياته، وهذا مفهوم. غير المفهوم أن يتورط "شيخ" في التكفير بهذه الخفة والرعونة، التكفير بالتشهي، التكفير على الظن، التكفير لمجرد التفكير.

الشيخ وجدي غنيم داعية إخواني، متسلف، محسوب على مجموعة من الأفكار المتطرفة، غير المقبولة سواء من الدولة المصرية، أو من مؤسسة الأزهر الشريف الذي يعتبر أمثاله من "الخوارج"، لا تثريب عليه إذن، ليس منا، لا يمثل الإسلام الوسطي الجميل، ولا يمثل الأزهر الشريف المعتدل، وربما لا يمثل الإخوان أنفسهم، كما أنه لا يمثل نفسه، الشيخ وجدي غنيم فكرة ميتافيزيقية، وهو غير موجود أصلا!!

الأزهر الشريف، قلعة الإسلام السني الحصينة، منارة العلم والوسطية والتجديد، الأزهر أصدر بيانا يرفض مقترحات الرئيس التونسي لتعديل قوانين الميراث، ومساواة الأنثى بالذكر، هذا حق الأزهر، حق علمائه، قد يكون السبسي مخطئا فعلا، متجاوزاً، جاهلاً، لا بأس، المشكل أن الأزهر قال في بيانه إنه يرفض مقترحات الرئيس التونسي انطلاقاً من مسؤوليته في "حماية الشريعة" و"حراسة دين الله"، وهو ما دفع بعض التوانسة الخبثاء على مواقع التواصل إلى تدشين وسم #يا_ازهر_خليك_في_العسكر، وقالوا – أو قال بعضهم - إن السبسي لم يقترح تعديلات على القوانين تسمح للدولة بقتل مواطنيها على الهوية الدينية أو السياسية، أو بيع أراضيهم دون إذن منهم لدول أجنبية، أو تهجير المواطنين من بيوتهم قسرياً، أو التحالف الدافيء مع اليهود الصهاينة أعداء الأمة، ولم يقل السبسي إن العالم كله تعب من المسلمين وعلى شيوخ الأزهر أن يجدوا حلا!

بيان الأزهر الشريف رغم اختلافه في "الصيغة" عن بيان الشيخ الإخواني الموتور وجدي غنيم إلا انهما – بكل أسف - إنطلقا من نقطة ارتكاز واحدة وهي التكفير، أي أن المشغول بسؤال الأيديولوجي تساوى بالأخير مع المشغول – كما هو مفترض – بسؤال المعرفة، شيوخ العلم قالوا ما قاله شيوخ السياسة ولكن بطريقة ألطف وأظرف، بأدب!

تزامنت الأزمة التونسية، وتصريحات الأزهر والإخوان، وغضب الإسلاميين على مواقع التواصل، مع جريمة طائفية – وإرهابية بامتياز – ارتكبتها الدولة المصرية بحق أقباط عزبة سامح موسى، بمركز «أبوقرقاص»، رواية الدولة تقول إن أحد المواطنين الأقباط حاول الصلاة في بيته، بالمخالفة للقانون!، الذي لا يسمح للمسيحيين بالصلاة من دون ترخيص! هاجت الدنيا، فخرج محافظ المنيا للتهدئة، وقال إن الترخيص ليس للصلاة طبعا، إهدأوا يا جماعة، الترخيص لإقامة دور العبادة، صلاة النبي!!

في المنيا أكثر من 15 كنيسة مغلقة بسبب أجهزة الدولة في استخراج التراخيص، أهالي القرية لا يجدون حلا، لا يوجد في قريتهم كنيسة واحدة، يضطرون أسبوعيا للسير لمسافة طويلة، عدة كيلو مترات، لأداء الصلاة، إقامة الصلاة  في بيت أحدهم كان حلاً مؤقتاً الى حين استخراج تصريح العبادة، إلا أن النظام الذي يحمي مصر من الإرهاب أبى الترخيص أولا، العبادة علاقة بين العبد وأجهزة الدولة، وعلى السماء أن تنتظر الترخيص!

الحدث على فداحته لم يحرك ساكناً في مصر، بعض المناوشات في القرية محل المشكل، وخبر بصيغة واحدة في بعض الجرائد دون الأخرى، وتغطيات هزيلة، وانتهى الأمر، ليس لأن ما حدث هين، ولكن لأنه أهون من غيره بكثير، بسيطة، التكفير أصبح سمة الحياة في مصر، التكفير الديني للمخالف في الدين أو العقيدة أو المذهب داخل الدين الواحد أو الرأي داخل المذهب الواحد، التكفير السياسي لكل من تسول له نفسه أن يرى غير ما يرى السيسي، التكفير الذي تتبناه الدولة، والتكفير الذي تتبناه الثورة، التكفير الذي يفقهنه الأزهر، والتكفير الذي يشرعنه الإخوان، التكفير الذي يباركه المجتمع، الفارق ربما في درجة التكفير وليس في نوعه. تعددت الأسباب والتكفير واحد. في 2013 قال السيسي إن مصر ستتحول على يديه إلى "حاجة لها العجب"، وقد صدق، فافرحوا، "مصر بتفرح".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها