الجمعة 2017/07/07

آخر تحديث: 05:09 (بيروت)

انتخابات السوشال ميديا

الجمعة 2017/07/07
increase حجم الخط decrease

خلال الشهور الماضية، برزت في الإعلام الغربي الرصين، من صحف ”ذي غارديان“ البريطانية و”نيويورك تايمز“ الأميركية الى ”بوليتيكو“، قصة رئيسية تؤرخ جانباً خفياً في غلبة اليمين الشعبوي في استفتاء عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، والانتخابات الرئاسية الأميركية. بحسب هذه القصة، تولت شركة خاصة دراسة الرأي العام في عمليتي الاقتراع، بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي، لوضع خريطة طريق إخبارية للفريق الانتخابي. ما هي مخاوف الناخبين؟ أي مفردات تُثير مشاعرهم؟ أي قصص مُختلقة قد تؤثر في آراء هؤلاء الناخبين وتثنيهم عن أو تحضهم على خيار انتخابي معين؟

مثل هذه المعلومات باتت متاحة عبر هذا الخزان الضخم من البيانات السلوكية للأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي، من الاعجاب بمنشورات معينة ذات طابع اجتماعي أو سياسي إلى مشاركتها. وبما أن مواقع التواصل، سيما الفايسبوك، تسعى الى الربح عبر الدعاية وغيرها، باتت هذه المعلومات متوافرة لمن يدفع. وبإمكان المرشح الميسور أن يشتري معلومات قيمة وحميمة عن ناخبين يستهدفهم. بيد أن مخاطر العملية التقليدية في أي حملة انتخابية، والقاضية بتجريب استراتيجيات اعلامية لاستقطاب الأصوات، لم تعد ضرورية. كما لم تعد هناك حاجة ملحة لأن يكون للمرشح تاريخ شخصي مثير للإعجاب، أو خطة اقتصادية-سياسية جاذبة تستقطب الناخبين. العملية أبسط من ذلك بكثير. 

إذا كان لمرشح ما، في أوروبا وأميركا كما في لبنان، المال الكافي والعلاقات الدولية، باتت هذه الأسلحة الالكترونية مُتاحة. وهي مُجرّبة وأثبتت نجاحها في الولايات المتحدة وأوروبا.

إحدى أبرز الشركات الواردة أسماؤها في التحقيقات الاستقصائية كانت كامبردج أناليتيكا، ووراءها ملياردير يميني معني بنجاح مشاريع كانت هامشية الى حد قريب، مثل استفتاء البريكزت، أي خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ولا تحتكر هذه الشركة وحدها الساحة التي تكتظ بالشركات الجديدة نتيجة الطلب المتزايد على هذه الخدمات، ريثما يُصدر القضاء حكمه النهائي في خصوص مشروعية عملها وتنظيمها لو فعل. لكن اللافت أن هذه التكنولوجيا، كالانترنت، نشأت من رحم التجارب الحربية، وتحديداً العمليات النفسية التي يُصطلح عليها أيضاً بالفوز بالقلوب والعقول. باستخدام التكنولوجيا ووسائل أخرى، تستطلع القوات الأميركية وسائل للفوز بقلوب وعقول السكان، أو لضرب سُمعة خصومها. والقدرة في هذا المجال تطورت بفعل التقنيات والبرامج المتاحة واتساع رقعة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. بحسب أحد العاملين في هذا المجال، فإن عشرة لايكات (اعجاب) على صفحتك الفايسبوكية كفيلة بتمكين صاحب البيانات (الداتا) من تقدير ردة فعلك أو سلوكك، وبدقة أعلى من صديق عادي. لكن مئة لايك، سيما إن كانت مُحددة بالمشاعر، تُتيح تقدير ردة الفعل هذه أكثر من شريكك أو شريكتك في الحياة! 

بعد تحديد القضايا والمفردات المهمة والمشتركة على صعيد كتل الناخبين، جغرافياً وعمرياً، تُطلق الشركات حملات دعاية لاستقطاب الناخبين لمصلحة مُرشح معين أو ضرب سُمعة منافسه من خلال سلسلة أخبار مدسوسة تنشرها مواقع غير معروفة. قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، تأسست مئات بل آلاف المواقع الالكترونية غير المعروفة سابقاً لاستهداف سمعة هيلاري كلينتون، منافسة الرئيس الأميركي الحالي، لدى كتل مُحددة من الناخبين.

وهذه الوسائل لم تعد حكراً على الغرب، بل وصلت الى منطقتنا. في غازي عنتاب واسطنبول مثلاً، شركة أميركية تعمل على جمع هذه البيانات من وسائل التواصل من أجل تسهيل مهمة الخارجية الأميركية ووسائل الاعلام الحليفة والممولة منها، في مخاطبة جمهورها السوري. 

في لبنان، أحد مستشاري سياسي لبناني بارز التقى خبيراً أميركياً من شركة منافسة لكامريدج أناليتيكا، في بيروت لاستطلاع احتمالات التعاون في الانتخابات المقبلة. بعض المؤشرات الى هذا النشاط بدأ يظهر على شكل حملات على الفايسبوك، تضمنت انفاق آلاف الدولارات على الفايسبوك لترويج قصص غير دقيقة من مواقع غير معروفة.

في آخر انتخابات شهدها لبنان عام 2009 ، أي قبل 8 سنوات، قدرت هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) حجم الانفاق الانتخابي بمليار دولار أميركي، مُناصفة بين قوى 8 و14 آذار حينها . وقد لا يصل انفاق الانتخابات المقبلة الى نصف هذا المبلغ نظراً لضعف التمويل الاقليمي والوضع الاقتصادي الصعب، لكن بالإمكان توقع انفاق ملايين الدولارات على الفايسبوك وحده في أي انتخابات مقبلة على ترويج اشاعات وأخبار كاذبة. وقد نشهد مفاجآت انتخابية نعجز عن فهمها، ربما بشكل أكثر فداحة من ملايين البريطانيين والأميركيين المشدوهين من التدهور الحاصل في نظامهم السياسي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها