الجمعة 2017/07/14

آخر تحديث: 07:56 (بيروت)

إيغور الأزهر

الجمعة 2017/07/14
increase حجم الخط decrease

من الصعب فصل الإعتقالات الواسعة النطاق بحق الطلبة الصينيين من أقلية الإيغور المسلمة في القاهرة، عن الصراع بين النظام المصري والأزهر ممثلة بشيخها أحمد الطيّب، وأيضاً عن التقارب بين القاهرة وبكين، وتباعدها مع أنقرة، الحامية التقليدية لهذه المجموعة الإثنية.

فما حصل خلال الأسابيع الماضية ينال مما تبقى من صورة الأزهر ومكانته كمركز تاريخي للتعليم الديني في العالم الإسلامي، لمصلحة مراكز حديثة مُسيّسة. بيد أن العلاقات بين الأزهر والأقلية المسلمة في الصين من اثنيتي الهوي والإيغور عمرها أكثر من قرن، وبدأت مع وفود مسلمين صينيين لدراسة الدين واللغة العربية فيها خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918). وتواصلت هذه البعثات الصغيرة في ثلاثينات القرن الماضي، عندما ضمت في صفوف طلابها العالم الشهير محمد ماكين (1906-1978) الذي اشتهر بترجمته للقرآن ورسالة التوحيد لمحمد عبده إلى اللغة الصينية، وتعاليم كونفوشيوس للغة العربية.

لكن الطلاب الإيغور باتوا أكثر عدداً من الهوي في الأزهر خلال السنوات الماضية، ولخلفيات سياسية غالباً. فالإيغور يتعرضون الى حملة قمع ممنهجة ارتبطت بداية بحساسية الدولة حيال خصائصهم اللغوية والاثنية، إذ أنهم يتحدثون بلهجة خاصة من اللغة التركية، على عكس الهوي الناطقين بالصينية والمندمجين بثقافتها وقوميتها. هذه الحساسية تطورت مع ارتفاع الأصوات الانفصالية، سيما أن الإيغور يتركزون جغرافياً في مقاطعة شينجيانغ شمال غربي الصين.

عام 1993، كان من بين 34 طالباً صينياً في الأزهر، 6 فقط من أقلية الهوي، و28 إيغورياً، بحسب كتاب العلاقات الجنوبية للصين لمؤلفته بتينا غرانساو. وهذه الأرقام تزايدت باضطراد لمصلحة الإيغور. على سبيل المثال، كان هناك 5 صينيين في قائمة العشرة الأوائل من طلاب البعوث الإسلامية في الشهادة الاعدادية.

وبما أن بكين رفعت خلال السنوات الأخيرة من وتيرة قمع وسجن الإيغور العائدين على وقع اعتداءات الاسلاميين الانفصاليين، بات الخيار المُفضّل لهؤلاء، إما الذهاب الى تركيا أو البقاء في مصر. وبالفعل، تزايد الوجود الايغوري في القاهرة حيث كتبت صحف مصرية تحقيقات عن الجالية الصينية في محيط الأزهر، لجأت فيها أحياناً الى عناوين ساخرة من قبيل ”مفيش عباسية فى الصين.. لكن فيه «صين» فى العباسية“ (المصري اليوم،  28 أكتوبر عام 2012) أو ”ليه تسافر الصين.. لمّا ممكن الصين بنفسها تجيلك العباسية“ (الوطن نيوز، 2 نوفمبر عام 2012).

هؤلاء المسلمون الصينيون أقاموا في محيط الأزهر واحتموا وارتبطوا به لخشيتهم من العودة الى بلادهم لمواجهة القمع، بحسب هذه التحقيقات الشحيحة في معلوماتها. ومشيخة الأزهر الغائبة عادة عن أي تصريح سياسي، كانت أصدرت بياناً في حزيران (يونيو) عام 2015، أي قبل أكثر من سنتين، انتقدت فيه الصين ”لمنعها المسلمين الإيغور في إقليم تركستان الشرقية من الصيام في شهر رمضان“، بحسب خبر نشرته هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) وتناقلته وسائل اعلام مصرية. 

ورفض الأزهر في بيانه ”جميع أشكال القمع المسلطة على المسلمين الإيغور في الصين“، داعياً السلطات الصينية إلى وقف هذه الانتهاكات، وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل.

هذه العلاقة التاريخية بين أقلية مسلمة كبيرة والأزهر اهتزت في 17 الشهر الماضي في أعقاب اتفاق تعاون ”لمكافحة الإرهاب“ بين وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار، وتشين زيمين نائب وزير الأمن الصيني. وقد مهّدت لهذا التعاون الأمني اتفاقات ووعود صينية باستثمار مبالغ تتجاوز العشرين مليار دولار في قطاعات مختلفة بينها قناة السويس. وسرعان ما ظهرت نتائج هذه العلاقة باعتقال وإخفاء مئات من الإيغور المقيمين في مصر، وسط معلومات نشرتها منظمة العفو الدولية، عن ترحيل بعضهم أو التحقيق معهم في سفارة الصين بالقاهرة حيث أرغموا على توقيع اعترافات بالانتماء الى تنظيم انفصالي.

واللافت في تصريحات الطلاب الإيغور المُطاردين أنهم يُناجون المؤسسة الحاضنة لهم، أي الأزهر، وقد لاذت بالصمت منذ بدأت الملاحقات. مؤسسة دينية عريقة مثل الأزهر لا تملك حتى حُرية التعبير عن رفضها لملاحقة طلاب فيها على أساس اثني أو عرقي. كيف سيستنكر الأزهر مستقبلاً أي حظر لشهر رمضان في الصين، وهو كان شريكاً في تسليمه طلاباً ائتمنوه على حياتهم، لإعدامهم أو تعذيبهم أو إخفائهم؟

هذا السلوك الرسمي يسلب مؤسسة الأزهر من تاريخها وصدقيتها، قبل أن يرميها على بعد سنوات ضوئية من أي مكافحة فاعلة للإرهاب والتطرف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها