السبت 2017/07/01

آخر تحديث: 00:10 (بيروت)

العصفور و التويتر

السبت 2017/07/01
increase حجم الخط decrease

 استغاثات تستنجد من حصار العصائب الإلكترونية، وتطلب المدد، كل يوم.

أمس أقرَّ الفنان السوري المعروف علي فرزات بأنه استطاع مواجهة الدكتاتورية أعزل إلا من ريشة، لكنه أقرَّ بالهزيمة أمام خفافيش التواصل الاجتماعي. خديجة بن قنة طلبت النجدة بعد خصومة مع الشيخ وسيم يوسف، أما آيات عرابي، وموسى العمر، وميسون بيرقدار، فهم يبزغون يوما ًويغيبون شهراً.  الغزوات في مواقع التواصل كرٌّ وفرّ، وإعلاميو الطغاة يعيشون في تبات ونبات، ويأكلون سكر نبات.

لم يحدث أن تعرض المفوض الكولومبو خلفي ضحيان إلى عزل أو حجر صحي، مع أنه يستحقه على سفاهته، وهو يعيش أحلى أيام حياته، فنبوءاته تتحقق، هو زرقاء اليمامة، تقول اتهامات وتحليلات: إنه يحقق نبوءاته بنفسه، وتقول تقارير: إنه كان يقضي إجازة في المغرب عندما اغتيل وزير الدولة، ونائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية منذ سنة 2004 عبد الله بن باها، وإنه وطأ الأكناف لقتلة المبحوح، وثمت من يبشرنا "ببلاك ووتر" عربي، يقوده هذا المقدام، وكانت أول نبوءة له هي مصير مرسي.

ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق تنجيماً من هذا العندليب!

وكنت أيضا قد أيقنت بأن وسائل التواصل الاجتماعي ستحيل الفضائيات إلى التقاعد، لولا أن الدول المحاصِرة الثلاث زائد واحد وربع، وربع هي موريشيوس، طالبت برأس الجزيرة.

وسائل التواصل الاجتماعي تكتظ بالأكاذيب، والأوهام الشخصية، منها أن الصندوق الأسود (عبد الرحيم علي) صدّر على صفحته صورة لأمير قطر وهو يقبل رأس العلامة القرضاوي، وعلق عليها قائلاً هذا التعليق العجيب: الأمير يركع للقرضاوي! وما هي إلا ساعات حتى رأينا ولي العهد السعودي يحل محل ولي العهد، ويقبل يده مرتين وينحني على قدمه على الطريقة الهندية، والهنود يقدّسون الآباء والأعمام، والمواقع السعودية تثني على سلوكه وتواضعه، ثم قرأنا في صحف أمريكية، تلتها صحف فرنسية تقول: إن ولي العهد المخلوع ينعم في ظلال الإقامة الجبرية خوفاً من تأليب أنصاره. وكانت الصحافة الرسمية السعودية قد بررت خلعه بأنها استقالة للانصراف إلى الراحة من المسؤولية. وتكتظ صفحات التواصل الاجتماعي بالترهات والسفاسف، وبأقوال منسوبة لغير أصحابها، مثل: قال بن علي أبي طالب: من الضروري التحلي بالموضوعية، أو قال برنارد شو: لم أجد ألذّ من العيش تحت سقف الوطن. من عجائب في هذه الأيام: أن الجزر تعوم وتعود لأصحابها، والجغرافيا صارت طرية مثل العجين، والسالف الصالح يتكلم بلغة العصر والوطنية.

الشيخ المصري علي جمعة، وهو الشيخ الذي يفتي على موقع وصفحة عمرو خالد، تحدث عن قطري بن الفجاءة ومدح فصاحته، وشجاعته، لكن به عيب يستحلّ قتله، وهو أنه رأس الخوارج، وزعم أنه مؤسس دولة قطر، وأن قاتله المهلب بن أبي صفرة كان من الإمارات، ولم يذكر شيئاً عن رائحته، هذه المرة. الرائحة أيضاً من موجبات القتل!

   الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين صامت، لقد تم تحييده، أما شيوخ الحرمين فيحضّون على الذكر والتسبيح. شخصيات كثيرة تستخدم وسائل التواصل بكل جدية، وبعضها يتخذه للهوامش والثرثرة، مثلي، لكنها استطاعت أن تخرس مسلسل غرابيب سود، وأن تجبر شركة إعلان زين على إنقاذ الطفل عمران من براثن الإعلان في الرمق الأخير.

بات التغريد واحداً من مصادر الأخبار ومحددات الرأي العام، لكن الضلال فيه أكثر من الهدى.

ولم تسعَ المملكة العربية السعودية إلى توقيع استمارة تمرد كما في مصر، فقد اجتمعت هيئة البيعة، وأُخبِرنا أنها صوتت بفارق ثلاثة أصوات من أصل أربعة وعشرين على إسناد ولاية العهد لابن الملك الشاب 31 سنة، مقدمة إياه على عمه، وهذا خرق  للدستور الذي سنّه المؤسس، وعلى العرف القبلي الذي يعظّم الآباء، ثم سمعنا أنه قد نال على هذ الخلع أو الإقالة، بضعة مليارات من الدولارات، ثابتة أو منقولة، واليوم سمعنا أنه في الإقامة الجبرية هو وبناته، بينما يتمتع زين العابدين بن علي  بالحرية في المملكة، وكان ديفيد هيرست قد وصف هذا الخلع بأنه الفصل الأول من مسرحية شكسبيرية، وهذا الوصف أفضل من حال مصر وسوريا والعراق، فهي تعيش فصولاً من مسرح اللامعقول لصموئيل بيكيت.

وقرأت لمثقف سوري معروف تغريدة ساخرة من فضائية الجزيرة، إلا أنه طالب بالوقوف معها، أما أنا فأعدّها مثل معطف غوغل، الذي خرج منه كل هؤلاء الإعلاميين،

أتوه في معرفة أهل الحق أحياناً، فأتبع  هذه الوصية : إتبع سهام العدو فهى ترشدك إليهم . باتت وسائل التواصل الاجتماعي  مثل حوض الزينة، تسبح فيه أسماك سامة، و تذّكّر بقصة من أقصر وأجمل قصص يوسف إدريس، وهي  قصة "العصفور والسلك"، قصة من صفحة واحدة، حوالي 300 كلمة، تروي قصة عصفور يحط على أعلى بقعة، كانت سلكاً بين عمودين من أسلاك التلفون، ويتحول سلك الهاتف إلى لقاء تعارف بين العصفورين، ويقع الحب من أول همسة منقار، لسلك صدئ قديم غير سميك، يضع العصفور لايكاً للعصفورة، فتبادله الإعجاب، وكان السلك يحمل في هذه اللحظة بالذات – وفي نفس الوقت- سبع مكالمات معاً، ) لا شيء في الظاهر يحدث، في الداخل تدور عوالم وأكوان..... سلامات، احتجاجات، تحيات، صفقات، وداعات، استغاثات، أرض تباع، بلاد تباع، أصوات غلاظ، وأصوات رقيقات، تختلط الكلمات، تتمازج، تتوحد، كلها في النهاية تصير- مادياً – الكترونات.. شحنات متجانسات متشابهات، كلمة الحب لها نفس شحنة البغض، كهارب الصدق هي كهارب الكذب، الصراحة كالنفاق، اللوعة كاللعنة، الليل كالصبح، كالنهار، الحرام كالحلال، النضال كالخيانة، كالكفاح، البطولات كالنذالات، كلمات! شحنات! الكترونات متحفزات متحركات! في ومضة بحركتها تتغير مصائر، تجهز مشاريع، تنتهي وتبدأ حيوات واتجاهات. ومضات وتتم موافقات، وتبرم صفقات، وتدبّر مؤامرات، بالكلمات، بنفس الكلمات الطيبات).

ثم يعمد العصفور إلى فعل يختم به القصة عندما يترك على السلك: "بصقة براز صغيرة بيضاء على السلك، نفس السلك، كالزمن، كالصدأ، تتراكم".

كان العرب في الجاهلية يغرّدون كما في أيامنا؛ بعضهم يصدع بالحق وينشده شعراً ، وقليل ُيصفَّرِ اسْته ، لكن لم تكن جيوش إلكترونية أو حسابات وهمية.

 

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب