السبت 2017/06/17

آخر تحديث: 09:14 (بيروت)

صورة أوديب في مرآة كردية

السبت 2017/06/17
increase حجم الخط decrease

أوديب في الموسوعة العالمية: هو ملك طيبةِ الميثولوجيا الإغريقية، حقق النبوءة التي قالت إنه سوف يقتل أباه ويتزوج أمه، فجلب الكارثة لمدينته وعائلته. صدرت هذه الأسطورة في إصدارات عديدة، وجعلها سيغموند فرويد مرضاً نفسياً لازباً للبشرية، وسماها: عقدة أوديب.

  أغلب الظن أن عقدة قتل الأب الاغريقية، صارت يهودية، بقتل الرب وصرعه على يد يعقوب في التوراة، هذا إذا  كان التحقيب الزمني صحيحا بأسبقية  الوثنية على السماوية ، وأنا لا أركن إليه، ثم صارت  مسيحية بقتل الابن المصلوب، الذي صار أباً، أما الأب الرب المسيحي، فقد تأخر قتله على يد الحداثة، عندما أعلن نيتشه قتل الإله، و الأب الفاطر، الآن، يعيش ذكرى في الكنائس والأديرة كما يقول نيتشه، والذكرى ناقوس يدقُّ في عالم النسيان.

هي عقدة نفسية لا يعرفها الذكر الصيني، والذكر الياباني، والذكر العربي، فعقدة العربي هي عقدة أخوة يوسف، كما ذهب الباحث حسن المودن، فأين الكردي، وقد برز على المشهد الدولي من وراء كواليس التاريخ وهضاب الجغرافيا، لاعباً في خط الهجوم حيناً، أو لاعباً احتياطياً أحياناً؟

يجترح الكردي في الآونة الأخيرة أدواراً، ويحقق ما يوحي أنها انتصارات، ويضحّي بفلذات أكباد، ثم يُطرد من الملعب دائماً بالكرت الأحمر الدولي، فهل من مدكر.

الكردي أيضاً مثل العربي، بريء من عقدة أوديب، وهو يعاني مثله من عقدة أخوة يوسف، لكنه يزيد عنه بأنه يتيم لا يعرف أباً كبيراً ينتسب إليه في التاريخ، والقول السابق لزعيم كردي معروف، قال: إن الأكراد هم أيتام الكون، وقد وجد حظاً طيباً في هذه الأيام بكفالة يتيم رأسمالية روسية، وإمبريالية أمريكية، والإمبريالية البيضاء بروتستانتيةً أو أرثوذكسيةً، خالية ٌمن العواطف، والكردي يرمي بنرد ليس له سوى وجهين، مستغلاً الرياح واغتنامها، لكن الجغرافيا لا تساعده، بل هي لا تشهد له، وهو لا يقرأ التاريخ، تاريخه تاريخ أفراد، لا تاريخ مدنية وحضارة، رقيق الخبرة والتجربة، ويستعجل قطف الثمرة، الشجرة في واد، والثمر يسقط دائماً بعيداً في الجهة الأخرى، والسماد الخارجي حارق يتلف الشجرة.

ليس لدى الكرد نصوص أدبية أو شعرية يمكن البحث فيها عن عقدة أوديب، كما فعل جورج طرابيشي، الذي يقول في كتابه "عقدة أوديب في الرواية العربية": إنها عقدة محدثة وطارئة، وإلا لوجدنا في آلاف الأشعار والأبيات من ديوان العرب علامةً، أو على الكلام هدى، فأشعار ملّا الجزيري، وأحمد خاني أشعار عشق صوفية، وغنائية دينية على بحور العرب الشعرية، مزينّة ومطعّمة بالكلمات العربية، كلما زاد  الكردي من الزينة العربية ازداد فيها ألق الثقافة. العكس يحدث الآن في أشعار الشباب الكرد، الذين يكتبون الشعر الحديث من غير قواعد سوى من لوعتهم العمياء، أو من غضبهم الناري، بفارق أن الزينة العربية تحولت إلى زينة إغريقية، وأشعار المحدثين البارزين من أمثال جكر خوين، وشيركو بيكس، لم تنج من مرض النشيد والغناء، لكنها تكشف بجلاء عقدة البحث عن أب، فهو أحياناً علم، أو وطن، أو رمز شعري غربي قد يكون روبسون، أو كاسترو، أو لينين، الذين أكثر الكرد من تسمية أبنائهم بأسماء أبطال الثورات الغربية تيمناً، مؤخراً شاع اسم بوش بافي آزاد إبان حكم صدام حسين، لكن لم يحدث أن تحول أحد هؤلاء إلى أب حقيقي.

يمكن إنجاب أبناء صالحين، لكن إنجاب الآباء مستحيل.

وأجد في صفحات الفيس بوك ابتهاجاً قوياً وطرباً بمقالات يكتبها لبنانيون، كلهم من أهل الكتاب، أو من الطوائف الصغرى، يعملون في صحف سعودية مدافعين عن حق الأكراد، وهو تحصيل النكاية من مثقفي أقليات الأمة بالأمة أكثر منها حباً للكرد، الجسور الثقافية التي يبنيها الكرد هشة، فالكردي سريع الغضب، شديد الفخر بالذات القومية إلى درجة مضحكة. التعصب مضحك دينياً كان أو قومياً. أمريكياً، أو إسرائيلياً، أو كردياً، أو عربياً. الجسور قطعت مع الجيران العرب والترك، ومع الغرب البعيد مؤقتة.

وقد بنى مسرحيون سوريون مشاهد كثيرة، وسارت الركبان بطرائف عن ادعاء الكرد أبوّة آباء مشهورين، أمثال أحمد شوقي، ويوسف العظمة الذي أنكرت أسرته كرديته في بيان معروف، وفريد شوقي وحافظ إبراهيم.. وادعى بعض متعلمي الكرد أن النبي إبراهيم الخليل كردي، ثم ارتاح بعضهم إلى أن زرادشت نبي كردي، ثم وجد الابن الكردي أبوّة ً في روسيا وأمريكا، والحنان العالمي الذي تجلى في كوباني نكاية بالترك لا حباً في الكرد.

رأى الكردي أن يثور على عقدة البحث عن أب، فهو لم يبلغ بعد سن قتل الأب في الثقافات المخضرمة، فأنكر أبوة صلاح الدين، لم يعد أبا، إنه خائن، لم يبنِ لهم دولة، ولا دلائل كردية على كرديته سوى اسم أخيه شيركو. كرديته مشكوك فيها في عين الكردي المحدث، في القرن الحادي والعشرين.

أعود إلى الكاتب الكردي  سليم بركات الذي صوّر هذه المأساة، برواية  قصة ابن سريع النمو، في فقهاء الظلام، يكبر في يوم ما يكبره غيره في سنة، اسمه بيكاس، الوحيد، سيهرم في ثلاثة أيام ويبلغ سن الكهولة، ويموت، كأنما تناول هرمونًا صناعياً، وأقرأ بيانات لأكراد متعلمين، أو مثقفين مفرطة في الغرور، مستقوية بأبوة الأمريكي والروسي المؤقتة.

قرأت شهادة كردي في السجن، سعيد بأن سجانيه أكراد يتكلمون الكردية، لكني قرأت أيضا العشرات من الشهادات الهاربة تندب الحال الجديد، وتتمنى تلك الأيام التي كان فيها البعثي السوري يتجنب إيذاء الكردي إيذاء صريحاً كما يقع الآن.

لا يزال أبناء هذا الجيل والذي سبقه يبحثون عن أب، عن نبي، بل عن رب جديد. الأب السلالي مهمل، والناشط الكردي السوري الذي استيقظ مثل هملت متأخرا، معقود بحثه عن أب رمزي، وهو موزع بين أبوتين: أبوة موروثة في كردستان العراق وأبوة محدثة في السجن التركي.  وينشد أبوة  زرداشتية غارقة في القدم، يدعيها الفرس مع الكرد، وللفرس مواثيق أدبية مدونة مثل الشاهنامة، ويحنّ هذا الناشط لليزيدية التي يريد بعثها من جديد.

تقول الطرفة المصرية، إن ابناً وجد أخيراً أباه فعانقه، بعد كل ذلك الغياب والبحث، الذي وجدناه في قصة نجيب محفوظ "الطريق"، فقال الأب:

 يا بني أنا مش أبوك

قال الابن: أمال أنت مين؟

قال: أنا أمك!

ثمة عنصران أساسيان في قصة أوديب؛ هما قتل الأب، ونكاح الأم. سيغموند فرويد كان يعبر عن ثقافته اليهودية، والثقافة الإغريقية. الأب الحقيقي هو الحضارة العربية الإسلامية، وجيل المتعلمين الكرد يهمُّ بقتل أبيه، والغدر به. الأم رمزياً هي الأرض، وهي غير واضحة الهوية والملامح.

أما الطاعون فماثل للعين والعقل .. ويجتاح المنطقة كلها، والأسباب متباينة بعضها قتل للأب وبعضها قتل للأبناء والأخوة، والاغتصاب على أشدّه،

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب